الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتوقف المطر حتى يذهب هذا الرجل ويسد ثعلب مربده بردائه، "ثعلب المربد": الشق الذي يدخل معه المطر، فذهب فسد ثعلب المربد بردائه، فما إن سده حتى توقف المطر هذا من بركات النبي- عليه الصلاة والسلام.
ومن آيات الله إذن الاستسقاء باب السقيا وهو على أوجه منها أن يدعو الناس أفرادًا، ومنها: أن يدعى في خطبة الجمعة، ومنها: أن يدعى في أي مكان مما يسأل فيه الإنسان أن يستسقي، ومنها- وهو الرابع- الصلاة وهو أن يخرج إلى المصلى ويستسقي للناس.
صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:
486 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا، متبذلًا، متخشعًا، مترسلًا، متضرعًا، فصلى ركعتين، كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه". رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وأبو عوانة، وابن حبان.
"خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا" يعني: في ضعة، ما معه جمهور يمشون بين يديه، ولا عن خلفه، ولا عن يمينه، ولا عن شماله، ولا لبس اللأمة ولا حمل السيف، إنما خرج متواضعًا- عليه الصلاة والسلام، وهل خرج متجملًا بثيابه؟ لا، ولهذا قال:"متبذلًا" يعني: ليس عليه إلا لباسًا عاديًّا؛ لأن هذا ليس يوم فرح كيوم العيد حتى يخرج متجملًا، إنما هو يوم تضرع واستكانة وطلب وحاجة وفقر، فخرج- عليه الصلاة والسلام متبذلًا، "متخشعًا" يعني: ظاهرًا عليه الخشوع على هيئته وحركته ومشيته وعلى قلبه من باب أولى، إذا خشع القلب خشعت الجوارح، "مترسلًا" يعني: في مشيه لا يسرع، وهذا ترسل أكثر مما كان يعتاد- عليه الصلاة والسلام، "متضرعًا" إلى من؟ إلى الله عز وجل، يعني: مظهرًا للحاجة والفاقة والفقر لله- سبحانه وتعالى، وهذا الأخير لا يعلم إلا بإخبار الرسول- عليه الصلاة والسلام لأن محله القلب، فالظاهر: أن ابن عباس رضي الله عنهما علم هذا من إخبار الرسول- عليه الصلاة والسلام له.
"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه"، قوله:"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد" يعني: يكون فيهما تكبير زائد؛ لأنه لم يقل: ركعتين وسكت، بل قال:"ركعتين كما يصلي""الكاف" للتشبيه، و"ما" مصدرية، و"يصلي" فعل مضارع، والمضارع منسبك بـ "ما" المصدرية فيؤول مصدرًا والتقدير: كصلاته في العيد، وقوله:"لم يخطب خطبتكم هذه" يشير إلى خطبة لا نعلمها في الحقيقة ولا فسرها الشراح، وكأنهم بعد عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام-
صار الخطباء يأتون بخطب إما أنها مملة، وإما أن فيها أدعية مثلًا غير مناسبة ما نعرف، المهم: أنه لم ينف الخطبة مطلقًا، وإنما نفى الخطبة التي تشبه خطبة هؤلاء، وعلى هذا فلا يكون في هذا الحديث دليل على أن الرسول لم يخطب.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: مشروعية الخروج لصلاة الاستسقاء لقوله: "خرج".
الثاني: أنه ينبغي أن يكون على هذه الصفة متواضعًا متبذلًا متخشعًا مترسلًا متضرعًا، هيئة الفقير المسكين المستجدي، لا هيئة الفرح الذي يلبس الثياب الجميلة ويتطيب وما أشبه ذلك.
ومن فوائد الحديث: مشروعية صلاة الركعتين في الاستسقاء، وأن تكون على صفة صلاة العيد؛ لقوله:"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد"، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلى، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصلي ركعتين كالعادة، ولكن الصواب ما دل عليه الحديث، وأن بعض أهل العلم إلى أنه يصلي ركعتين كالعادة، ولكن الصواب ما دل عليه الحديث، وأن الألفاظ التي- تأتينا إن شاء الله- في الأحاديث مطلقة- مثل:"صلى ركعتين"- تحمل على هذا المقيد.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن تكون الخطبة مختصرة ملخصة مفيدة لقوله: "لم يخطب كخطبتكم هذه".
ومنها: مشروعية الخطبة، كيف ذلك مع أن ابن عباس نفى؟ لا، ابن عباس نفى الصفة، ونفي الأخص يستلزم وجود الأعم. هذه قاعدة مفيدة؛ ولهذا قلنا: إن قول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103]. تدل على أن الله يرى؛ لأن نفي الأخص يقتضي ثبوت الأعم.
فعلى هذا نقول: هذا يدل على ثبوت الخطبة، لكن ليست كخطبة هؤلاء.
ومن فوائد الحديث: أن التغير- تغير الناس- قد ظهر منذ عهد الصحابة لقوله: "كخطبتكم هذه".
ومن فوائد الحديث: أنه يجب على أهل العلم أن يبينوا للناس ما خالفوا به السنة لقوله: "لم يخطب كخطبتكم هذه"؛ لأنه إذا لم يبين أهل العلم ما خالف فيه الناس السنة بقيت السنة مجهولة ثم يتوسع الأمر حتى تزول سنن كثيرة بسبب سكوت الناس، لكن هاهنا مسألة وهي أن بعض الناس يخذل أهل العلم في بيان الحق يقول: لماذا تبين والناس غير مستفيدين؟ هذا حرام، لا يجوز هذا الكلام؛ لأن هذا هو التخذيل عن الحق، والعلماء إذا بينوا الحق لو لم يكن من ذلك إلا أن الناس يعرفون أنهم على باطل سواء نفع أو لم ينفع لأن العلماء إذا سكتوا عما عليه الناس من مخالفة الحق ماذا يظن الناس؟ يظنون أن هذا صواب حق فيستمدون عليه ويستمرئونه لكن إذا رأوا الإنكار عرفوا أنهم ليسوا على حق، وهذا لو لم يكن من ذلك إلا هذه الفائدة لكان كافيا، فلا تستهن ببيان الحق أبدًا.