الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء من الجهل في الشريعة، وعندهم الضعف الشخصي؛ وعندهم أنهم يدارون، ولا أستطيع أن أقول: يداهنون؛ لأن هذه تهمة عظيمة، لكن يدارون غيرهم، ولو مشوا على يريد الله عز وجل ورسوله لبرزوا على غيرهم غاية البروز ولأخذ غيرهم منهم كما اخذ الآن من الإسلام كثيرًا من الأخلاق الفاضلة مثل الصدق والنصح، يمكن أن تجد احد المسلمين يغشك في السلعة عند البيع، والكافر لا يغشي وهذا وارد، بعض المسلمين لا ينفذ العمل المستأجر عليه كما ينبغي والكافر ينفذ، وإن كنا لا نردي بهذا مدح الكافرين، لكن قصدهم في إحسان المعاملة لئلا يجتمع حشف وسوء كيلة.
فالحاصل: أن الدين الإسلامي دين سياسة في عبادة الله عز وجل، وفي معاملة الناس، وفي الأخلاق، وفي العلاقات الدولية، وفي كل شيء فنحتاج إلى نظر، يعني: كثير من طلبة العلم تجده مثلًا يقرأ الحديث: "لا يبع بعضكم على بيع بعض" وما أشبه ذلك من الأحاديث، فينظر إليها من زاوية واحدة فقط وهي تحريم البيع على بيع المسلم والخطبة على خطبته، ولكن لا يتكلم على المعنى المهم وهو السياسة في العلاقات بين الناس؛ لأنك إذا بعت على بيعه فسوف يكون في قلبه شيء عليك، مهما كنت معه في المصاحبة والقرب، لو بين مثل هذه الأمور فضلًا عن شرح الأحاديث حتى يتبين للناس سمو الدين الإسلامي ويتقبلوه ويعتنقوه عن قناعة فضلًا عما يكون بين العبد وربه فهذا هو الغاية.
قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:
277 -
وعن سليمان بن يسار رضي الله عنهما قال: "كان فلان يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بوسطه وفي الصبح بطواله. فقال أبو هريرة: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا". أخرجه النسائي بإسناد صحيح.
قوله: "كان فلان يطيل الأوليين من الظهر". "كان فلان" أبهم هذا الرجل ولم يعين اسمه، إما أن يكون نسيانًا من الناقلين عن سليمان بن يسار، أو لسبب من الأسباب، وفي مثل هذا الحال لا يهمنا تعيين الشخص؛ لأنه لا يختلف فيه الحكم، فلا يضر أن يكون هذا الشخص مجهولًا.
يقول: "كان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف العصر" يشبه حديث أبي سعيد السابق: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في قراءة الظهر ويخفف في قراءة العصر، وسبق بيان السبب في ذلك، "ويقرأ في المغرب بقصار المفصل". والمفصل: هو ما كثرت فواصله لقصر سوره. قال أهل العلم: ويبدأ بـ "ق" وينتهي بـ"الناس"، وطواله من "ق" إلى "عم"، وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن،
وأوساطه ما بين ذلك؛ ولا يضر أن يكون في أوساطه ما هو طويل وفي قصاره ما هو طويل أيضًا؛ لأن العبرة بالغالب والأكثر.
"قال أبو هريرة رضي الله عنه ما صليت وراء أحد أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا". إذن فالأفضل على العموم أن تكون قراءة الإنسان في الفجر بطوال المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بأوساطه، وكذلك في الظهر والعصر، فثلاث صلوات تكون بأوساط المفصل، وصلاة بطواله، وصلاة بقصارها هذا هو الغالب، وقد يكون الأمر بالعكس، ويدل على تطويل القراءة في الفجر أن الله تعالى عبر عنها في القرآن، فقال تبارك وتعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. أي: وأقم قرآن الفجر، وهذا يدل على أن القرآن في الفجر ذو شأن كبير، ولذلك عبر عن الصلاة به هذا هو الغالب، وإن خرج الإنسان على الغالب وقرأ بطواله أو أوساطه في المغرب فا بأس، فقد قرأ النبي فيها بسورة الطور، وبسورة المرسلات، وبسورة الأعراف، كذلك لو قرأ في صلاة الفجر بقصاره فلا بأس، لاسيما إذا كان لسبب كان يكون الإنسان في سفر أو مريضًا أو ما أشبه ذلك.
278 -
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور". متفق عليه
سمع ذلك وهو أسير من جملة أسرى بدر رضي الله عنه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الطور في صلاة المغرب يقول رضي الله عنه: فلما بلغ قول الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ (35)} [الطور: 35]. كاد قلبي يطير لقوة هذا الدليل المفحم المقنع حتى دخل الإيمان في قلبه، ثم اطمئن الإيمان في قلبي بعد ذلك؛ لأن هذه الآية دليل واضح على أن الخلق حادث بعد أن لم يكن وأن الذي أحدثه هو الله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يقول: أنه حادث من غير شيء، إذ أن الدليل العقلي يقتضي أن كل حادث له محدث؛ لأنه كان عدمًا ثم حدث فلابد له من محدث، ولا يمكن أن يقول قائل: إن الشيء أحدث نفسه بنفسه؛ لأنه قبل الحدوث كان عدمًا، والعدم لا يحدث شيئًا، فتعين الآن أن هناك محدثًا ليس بحادث هو الله عز وجل، وهذا من الأدلة التي تسمى بالسبر والتقسيم؛ يعني: أن نحصر الأشياء الممكنة ثم نقول: أهذا أو هذا أو هذا، حتى نصل إلى البرهان، ومثل ذلك قول الله تبارك وتعالى فيمن أعطاه الله مالًا وولدًا:{وقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا ووَلَدًا} قال الله له: {أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 77 - 78]. والجواب: لا هذا ولا هذا؛ فإذن هو كاذب في أمله حيث قال: {لأُوتَيَنَّ مَالًا ووَلَدًا} ولذلك قال عز وجل: {كَلَاّ} يعني: لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عهدًا عند الله {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ونَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدًا} [مريم: 79].