الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ناصح، لا يكلم الناس بكلام وهو يريد غيره بدون بيان أبدًا، وكذلك في كل الصفات، وبهذا نرد على أهل التحريف الذين اتخذوا لأنفسهم اسمًا وهو أهل التأويل، ولكنهم في الحقيقة أهل التحريف، الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام وهو يريد خلافه أبدًا إلا بينه.
ويستفاد من الحديث: مشروعية الإسراع بالجنازة لقوله: "أسرعوا بالجنازة".
ويستفاد منه: حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرن الأحكام بعللها لقوله: "فإن تك"، "وإن تك"، كل هذا لنعرف العلة في الأمر بالإسراع.
ويستفاد منه: إثبات عذاب القبر ونعيم القبر يؤخذ من قوله: "تقدمونها إليه"، و"شر تضعونه".
ويستفاد من الحديث: أن من المسلمين من هو صالح، ومنهم من سوى ذلك، وجهه: انه قسّم من يصلى عليه، وغير المسلم لا يصلى عليه، وهذا كقوله تعالى عن الجن:{وأنَّا منَّا الصَّالحون ومنَّا دون ذلك} [الجن: 11]. وهؤلاء الذين دون ذلك مسلمون لما أرادوا أن يقسموا أنفسهم إلى مسلمين وغير مسلمين قالوا: {وأنَّا منَّا المسلمون ومنَّا القسطون فمن أسلم .... } [الجن: 14] الآية. فالجن قسموا إلى مسلم وكافر، وقسموا المسلم إلى صالح ودون ذلك، وهذا نظير هذا التقسيم في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:
543 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتَّى يصلَّى عليها فله قيراطٌ، ومن شهدها حتَّى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين". متَّفقٌ عليه.
- ولمسلم: "حتَّى توضع في اللَّحد".
- وللبخاريِّ أيضًا من حديث أبي هريرة: "من تبع جنازة مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا، وكان معها حتَّى يصلَّى عليها ويفرغ من دفنها؛ فإنَّه يرجع بقيراطين، كلُّ قيراط مثل جبل أحدٍ".
قوله: "من شهد" بمعنى: حضر، ومنه قوله- فيما سبق-:"وشاهدنا وغائبنا"، إن الشاهد بمعنى: الحاضر.
وقوله: "حتى يصلى عليها""حتى" للغاية وليست للتعليل، وقد سبق لنا أن حتى تأتي للغاية وتأتي للتعليل فهنا للغاية، وفي قوله تعالى:{هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتَّى ينفضوا} [المنافقون: 7]. هذه للتعليل أي: لينفضوا.
وقوله: "فله قيراط" هذه جواب الشرط، "ومن شهدها حتى تدفن". قوله:"حتى" للغاية أيضًا، و"تدفن" فيها- كما ترون- ثلاث روايات: تدفن، وتوضع في اللحد، ويفرغ من دفنها، فوضعها في اللحد وإن لم تدفن، وتدفن وإن لم يفرغ، ويفرغ من دفنها هو الغاية، فأي هذه الثلاثة الألفاظ الشامل للمعنيين الآخرين؟ حتى يفرغ من دفنها، وعلى هذا فيكون هو المعتمد، وهذا هو سر إتيان المؤلف به.
وقوله: "قيراط" القيراط في حساب الفرائض: جزء من أربعة وعشرين جزءًا أو جزء من عشرين جزءًا على اصطلاحين عند أهل الفرائض، قد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقال: المراد: جزء من أربعة وعشرين جزءًا من أجر أهل الميت الذين أصيبوا به، ولكن هذا القول ضعيف بل هو قول باطل؛ أولًا: أن كون القيراط جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا اصطلاح حادث، ولا يمكن أن تنزل ألفاظ الكتاب والسنة على الاصطلاحات الحادثة؛ لأننا لو نزلناها على الاصطلاحات الحادثة لمنعنا دلالتها عن أهل العصر الذين نزلت في عصرهم وصارت عندهم بمنزلة حروف المعجم التي ليس لها معنى، وصار المعنى إنما يستفاد في عصر متأخر، وهكذا نقول في كل من حمل ألفاظ الشرع على الاصطلاحات الحادثة؛ فإننا نقول له إذا قلت بذلك فإنك قد سلبت دلالة القرآن عن أهل العصر الذين نزل في عصرهم وكان الأحرى أن يكون بالعكس، يعني: لو فرض أن القرآن ما هو صالح إلا لعصر واحد لكانت صلاحيته لعصر من كان في عصرهم أولى، والوجه الثاني مما يبطل هذا المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها هو بنفسه لما سئل: ما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين"، ولا يمكن أن يفسر كلام أحد بخلاف ما فسره هو به، فعلى هذا نقول: إن القول بأنه جزء من أربعة وعشرين جزءًا باطل من وجهين.
قوله: "من شهدها حتى يصلى عليها" واضح أن هناك شهودًا للجنازة قبل الصلاة عليها، فمن الناس من سيأتي منذ خروجها من بينها حتى يصلى عليها، أو من وجوده منتظرًا لها حتى يصلى عليها؛ لأن الغاية لابد أن يكون قبلها شيء مغيًا وإلا لما صحت؛ ولهذا اختلف أهل العلم هل لابد أن يصاحب الجنازة من بيتها أو يكفي إذا صلى عليها وإن لم يعلم بها إلا حين قدمت في مكان الصلاة؟ فمن العلماء من قال: لابد من أن نأخذ بظاهر الحديث ونقول: من مشى معها من البيت حتى يصلى عليها أو جاء إلى المسجد منتظرًا حتى يصلى عليها، وأما من لم يكن كذلك فلا يحصل له الأجر؛ لأنه لو كان الأجر يحصل بالصلاة لقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من صلى على جنازة؛ لأن شهودها من بيته إلى أن يصلى عليها أكثر عملًا، ولا يمكن أن يساوي الأكثر عملًا ما كان دونه، وعلى هذا فمن صلى فقط فله أجر معلوم عند الله، ولا يلزم أن يكون هو هذا الأجر المقدم، وقال بعض أهل العلم: بل المقصود: الصلاة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من
شهدها حتى يصلى عليها"؛ لأنه ربما يشهدها في حملها وتجهيزها ثم لا ينتظر الصلاة، فيكون المقصود هو الصلاة، وإنما ذكر ما قبلها؛ لأنه وسيلة إليها، ولكن مع ذلك لا يستوي الأجران: أجر من مشى معها من بيتها أو جاء منتظرًا لها حتى حضرت، وأجر من صلى عليها مصادقة بدون أن يكون مستعدًا لها.
وقوله: "حتى تدفن" عرفتم الروايات فيها: "حتى توضع في اللحد، أو حتى يفرغ من دفنها) 9، وقلنا: نعتمد حتى يفرغ من دفنها؛ لأنه تجتمع فيه كل الروايات الثلاث، فإنه إذا فرغ من دفنها فقط شهدها حتى وضعت في اللحد وحتى دفن الميت ولكن لم يتم.
قوله: "قيل: وما القيراطان؟ " القائل هو: أبو هريرة كما ورد ذلك في بعض الألفاظ، ثم إنه لا يعنينا أن نعرف عين القائل؛ لن المهم الحكم، ولهذا دائمًا يحذف الفاعل أو يبهم صاحب القصة لكنه ليس هو المقصود، المقصود: معرفة الحكم.
وقوله: "مثل الجبلين العظيمين" في بعض الألفاظ: "أصغرهما مثل أحد"، وفي لفظ البخاري الثاني:"كل قيراط مثل جبل أحد"، وعلى هذا فيكون أحد جبلًا عظيمًا؛ لأنه كبير.
وعلى هذا يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: الترغيب في شهود الجنازة لإدراك هذا الأجر العظيم؛ ولهذا لما ذكر ذلك لعبد الله بن عمر قال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة"، ثم صار لا تفوته جنازة إلا خرج معها.
ويستفاد من الحديث: أن هذا الأجر مرتب على الصلاة، ولكننا لا نجرم بذلك إلا لمن شهدها حتى يصلى عليها، وأما من أدرك الصلاة فقط فالله أعلم، لكن نرجو أن يكون كذلك.
ومن فوائد الحديث: اختلاف الأجر باختلاف العمل، وجهه: أنه جعل من شهدها حتى يصلى عليها له قيراط واحد، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان اثنان، وهذا من كمال العدل.
ويستفاد من هذا الحديث: أن القيراطين لا يحصلان إلا لمن شهد الصلاة والدفن، يؤخذ من قوله:"ومن شهدها حتى تدفن"؛ لأنه من المعلوم أن الصلاة سابقة على الدفن، فإن شهد الدفن دون الصلاة مثل: أن يمر رجل بأناس في المقبرة يدفنون ميتًا فحضر وشاركهم في الدفن، هل يحصل له أجرًا؟ الحديث فيه دليل على أنه يحصل له قيراط إلا إذا انضمت إليه الصلاة ولا يلزم حصول الأجر بانضمام شيء إلى آخر أن يحصل به منفردًا، إن صلى عليها في المقبرة يكون أدركهم قبل الدفن فصلى عليها وبقي حتى يدفن هذا يرجع له ذلك، بناء على ما سبق من أنه لابد أن يشهدها قبل الصلاة حتى يصلى عليها أو يكفي حصول الصلاة.
ومن فوائد الحديث: حرص الصحابة- رضي الله عنهم على العمل لسؤالهم عن هذين القيراطين.
ومن فوائد الحديث: الرد على أهل التفويض، من هم أهل التفويض؟ أهل التفويض: هم الذين يقولون: إن نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ليس لها معنى معلوم عندنا، وإنما الواجب علينا أن نفوض علمها إلى الله، ما وجه الرد؟ ذلك أن الصحابة لما جهلوا اللفظ في هذه المسألة الجزئية استفسروا عنه، فلو كانت نصوص الكتاب والسنة غير مفهومة في أسماء الله وصفاته هل يدعها الصحابة بدون استفهام مع أنها زبدة الرسالة، فلما لم يستفهموا عنها علم أن معناها معلوم عندهم وهذا هو الواقع، لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم:{وأنزلنا إليك الّكر لتبين للنَّاس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكَّرون} [النحل: 44]. أي إنسان يقول: في القرآن شيء ما بين فقد قدح في مدلول هذه الآية؛ لأن معنى قوله هذا: أن الرسول لم يبين.
فعلى هذا نقول: في هذا الحديث رد على أهل التفويض، وقد علمتم ما نقلناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية من أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد، مع أن بعض الجهَّال الآن يظنون أن هذا هو مذهب السلف، ولهذا يقولون عبارتهم- الكاذبة من وجه والصادقة من وجه- يقولون:"طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم"؛ لأن السلف عندهم بمنزلة الأميين الذين يقولون: ما ندري: فالذي يقول: ما أدري عما لا يدري فهو سالم بلا شك، ومع ذلك يقولون: طريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا تناقض بيّن؛ لن مبنى السلامة الحقيقية على العلم والحكمة، فيلزم من كون طريقة الخلف أعلم وأحكم أن تكون أسلم، أو نقول: يلزم من كون طريقة السلف أسلم أن تكون أعلم وأحكم، ولذلك هذه العبارة وإن قالها من قالها من العلماء الأجلاء فهي في الحقيقة مردودة على قائلها، وطريقة السلف- بلا شك- أسلم وأعلم وأحكم، أهل التفويض شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن قولهم شر أقوال أهل البدع؛ لأن قولهم يستلزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق في أسماء الله وصفاته، بل إن الله عز وجل ما بين الحق في أسمائه وصفاته، وهذا شر، يستلزم شيئًا آخر استطال أهل التخييل من الفلاسفة وغيرهم على أهل السنة زعموا أنهم ممثِّلة وقالوا: إذا كنتم لا تعلمون معاني الكتاب والسنة فاذهبوا نحن نعلمها، فالنبوات والمعاد والإله لا حقيقة له، إنما هو تخييل قام به عباقرة الإنسانية حتى يسنوا للناس طرقًا فيمشوا عليها بسبب هذا البعبع، يعني: الذي يخوفون به الصبيان، هم يقولون: جاء عباقرة من بني آدم وسنوا لهم طرقًا يعبرون عنها بالإصلاح أو التهديد، لكنهم يقولون: هناك رب، وهناك جنة ونار، والذي لا يطيعنا يدخله هذا الرب النار،
والذي يوافقنا يدخله الرب الجنة، وإلا فإن الحقيقة لا يوجد شيء، يقولون: كل هذا القرآن والسنة المقصود به: التخويف والتقويم، وأنتم لا تدرون ما معناهما؟ فنحن أعلم منكم.
المهم: أن أهل التفويض قولهم باطل لا شك، وهذا الحديث مما يبطل قولهم.
ومن فوائد الحديث: تفسير المعقول، أو إن شئت فقل: تفسير الموعود بالموجود، يؤخذ من قوله:"كالجبلين العظيمين"؛ لأن الجبلين مشهودان، والقيراطان موعودان، فيفسر الموعود الذي لا يرى بالمشهود الذي يرى:{وتلك الأمثل نضربها للنَّاس وما يعقلها إلَّا العالمون} [العنكبوت: 43].
قوله: "وللبخاري أيضًا"، كلمة "أيضًا" هذه تكرر كثيرًا في كلام الناس، وهي مصدر آضى يئيض أيضًا كباع يبيع بيعًا، ومال يميل ميلًا، وما معناها؟ معنى "آضى" أي: رجع، فعلى هذا يكون "أيضًا" يعني: رجوعًا على ما سبق، لكنها محذوفة العامل وجوبًا، مثل:"سبحان" ما يذكر معها عاملها، هذه أيضًا لا يذكر معها عاملها، فهي إذن إعرابها منصوبة على أنها مفعول مطلق عاملة محذوف وجوبًا، ومعناه: رجوعًا يعني: على ما سبق.
قوله: "من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا"، وعلى هذا فلا يكون من تبع جنازة الكافر لا يكون له مثل الأجر، بل لابد من أن يكون المتبوع مسلمًا، وهذا الحديث مقيد للحديث السابق:"من تبع الجنازة حتى يصلى عليها" مقيد له على أننا قلنا: إن الأول فيه ما يدل على أن المراد بها جنازة المسلم من قوله: "حتى يصلى عليها"، والكافر لا يصلى عليه، إذن فهو عام أريد به الخصوص، وخص من قوله:"حتى يصلى عليه".
وقوله: "إيمانًا واحتسابًا" أي: إيمانًا بما عند الله- سبحانه وتعالى من الأجر، أو إيمانًا بما جاء به الشرع من الحث على اتباع الجنائز؟ الثاني، "واحتسابًا" يعني: انتظارًا وحسبانًا للأجر على الله- سبحانه وتعالى، فالاحتساب بمعنى: أنه يحتسب بهذا العمل الأجر عند الله، وهذا يدل على إيمانه بالجزاء، وأما "إيمانًا" فهو الإيمان بأن هذا من الأمور المشروعة التي حث عليها الشرع.
قال: "وكان معها حتى يصلى عليها"، هذا القول مشعر بأنه كان متبعًا لها من بيتها، "ويفرغ من دفنها"، وهنا نقول: إننا نأخذ بهذا؛ لن الحديث الذي سبق فيه لفظان: "حتى تدفن"، "حتى توضع في اللحد"، و"حتى يفرغ" يشمل الجميع.
وقوله: "فإنه يرجع بقيراطين" يرجع من المقبرة يعني: مصطلحبًا لقيراطين، الباء هنا للمصاحبة، وقوله:"كل قيراط مثل جبل أحد" يدل على عظم هذين القيراطين، ويبطل قول من يقول: إنهما جزآن من أربعة وعشرين جزءًا من أجر المصاب، فإن هذا لا وجه له بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويستفاد من هذا الحديث: أولًا: أنه ينبغي للإنسان أن يلاحظ الإيمان والاحتساب حتى تكون أعماله مبنية على قاعدة من الشرع وعلى انتظار الجزاء، وأما بقية الحديث فمستفاد مما سبق.
كيفية السير في الجنازة:
544 -
وعن سالمٍ عن أبيه رضي الله عنه: "أنَّه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر، وهم يمشون أما الجنازة". رواه الخمسة، وصحَّحه ابن حبَّان، وأعلَّه النَّسائيُّ وطائفةٌ بالإرسال.
من سالم وأبوه؟ سالم بن عبد الله بن عمر، وأبوه عبد الله بن عمر، قوله:"رأى النبي" أي: رؤيا بصرية، وعلى هذا فتكون جملة "يمشون" في موضع نصب على الحال؛ لأن "رأى" البصرية لا تنصب مفعولين، وإنما تنصب مفعولًا واحدًا، فإذا جاء بعدها ما قد يوهم أنه المفعول الثاني فاجعله حالًت تقول:"رأيت زيدًا راكبًا على الجمل"، فـ "راكبًا" حال، ولا يصح أن تقول:"راكبًا" مفعول ثانٍ؛ لأن "رأى" البصرية لا تنصب إلا مفعولًا واحدًا، وقوله:"وأبا بكر" معطوف على "النبي" وجملة "صلى الله عليه وسلم" جملة اعتراضية دعائية، وهي بلفظ الخبر، لكن معناها: الإنشاء، وقوله:"وهم يمشون" هذه الجملة حالية "أمام الجنازة" يعني: قدامها.
يستفاد من هذا الحديث: مشروعية كون الماشي أما الجنازة، لأن ابن عمر أخبر بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر يمشون، وهذا يحتمل أنه رآهم جميعًا، ويحتما أنه رأى كل واحد على انفراد، لكن المهم: أن الجميع كانوا يمشون أمام الجنازة، ووجه كون المشي أمامها على ما قال أهل العلم: أن المشيِّع كالشافع للجنازة، فكان الأولى أن يكون أمامها يتقدمها، ولكن الحديث يقول: إنه معلُّ بالإرسال، وما معنى الإرسال؟ الإرسال: يطلق على معنى خاصٍّ وهو ما رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، هذا المرسل بمعناه الخاص، وتارة يطلق الإرسال على كل ما لم يتصل سنده لسقوط راوٍ بين المحدث به وبين من عزاه إليه، وهنا الحديث متصل بالنظر إلى سالم عن أبيه، فإذا جعلناه مرسلًا بالمعنى الخاص فالذي يسقط منه ابن عمر- أبوه- يكون الرافع له تابعيًا وهو سالم، وأما إذا جعلناه بالمعنى العام فيمكن أن بعض سنده فيه انقطاع.
على كل حال: الإرسال يوجب ضعف الحديث حتى تعلم من الساقط، فإن علم الساقط ممن تقبل روايته قبل وإلا ردّ، وهذه المسألة- أعني: مسألة المشاة- أين يكونون من الجنازة؟