الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يكون مثل الذي قتل في سبيل الله، فالصحيح: أن المقتول ظلمًا يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه كسائر المسلمين.
فائدة: قال العلماء: الشهيد إذا بقي حيًّا ثم مات بعد ذلك فإنه يثبت له أحكام غيره من التغسيل والتكفين والصلاة عليه، لكن إذا قتل في نفس المعركة فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.
ظاهر الحديث أنه لا يغسل ولو كان عليه جنابة، وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما استفصل، وهو كذلك فصوابه أن الشهيد لا يغسل ولو كان جنبًا، وأما من قال: غنه كان جنبًا وجب تغسيله فإن قوله ضعيف؛ لأن غسل الجنابة إنما يجب على من قام إلى الصلاة لقوله تعالى: {يأيُّها الَّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصَّلاة} حتى قال: {وإن كنتم جنبًا فاطَّهروا} [المائدة: 6]. وهل هؤلاء الذين قتلوا يقومون إلى الصلاة؟ وأما استدلال بعضهم في القصة المشهورة في حنظلة الذي قتل في احد شهيدًا وغسلته الملائكة؛ فإن هذا على تقدير ثبوت القصة لا يدل على أن من كان جنبًا وجب أن يغسل؛ لن هذا من بابا الكراهة لهذا الرجل، ثم إن تغسيل الملائكة ليس عن تكليف ما يكلف بنو آدم ولو كان هذا من الواجب لقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، ومن كان جنبًا فافعلوا به هكذا، والصواب: أنه لا يغسل مطلقًا حتى ولو علمنا أنه قتل شهيدًا وهو جنب.
كراهة المغالاة في الكفن:
524 -
وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغالوا في الكفن، فإنَّه يسلب سريعًا)). رواه أبو داود.
((لا تغالوا)) مأخوذة من الغلو، والمعنى: لا تبلغوا الغاية في الغلو في الكفن الذي يكفن فيه الميت، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه يسلب سريعًا؛ أي: تأكله الأرض ويسلب عن الميت سريعًا، وقوله:((سريعًا)) أمر نسبي بحسب الأرض؛ لأن من الأراضي ما يتأخر فيها سلب الكفن، ومنها ما يسلب، والغالب أن الأرض إذا كانت محالة أنه يسرع فيها سلب الكفن، وأما إذا كانت رملية باردة فإنه يتأخر.
وعلى كل حال: فإن هذا الحديث يدل على أنه لا ينبغي المغالاة في الكفن، وإنما يكفن بما ليس فيه إسراف ولا مجاوزة حد.
وفي هذا الحديث من الفوائد: النهي عن المغالاة فيه والزيادة، وهو شامل للكمية والكيفية.
وفيه أيضًا: تعليًا الأحكام لقوله: (فإنه يسلب سريعًا)
وفيه: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث ذكر الحكم مقرونًا بعلته لما فيه من الفوائد، من ذلك- وقد سبقت لنا: بيان سمو الشريعة، وأن أحكامها مقرونة بالحكمة وطمأنينة المكلف.
فإذا قال قائل: المؤمن مطمئن لحكم الله سواء ذكرت العلة أو لم تذكر.
قلنا: ولكن ليزداد طمأنينة؛ لأن الإنسان كلما أتته البراهين ازداد قوة ويقينًا، فليس الخبر كالمعاينة.
وأما الفائدة الثالثة: فهو القياس على ما شارك هذا في العلة، مثال ذلك قوله تعالى:{قل لا أجد في ما أوحى إلى محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145]. قوله: {فإنه رجس} يستفاد منه تحريم كل ما كان رجسًا أي: نجسًا، وعلى هذا فيلزم من كون الشيء نجسًا أن يكون حرامًا، ولا يلزم من كون الشيء حرامًا أن يكون نجسًا كما سبق.
حكم تغسيل الرجل لزوجته والعكس:
525 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لو مت قبلي لغسلتك" الحديث رواه أحمد، وأبن ماجه، وصححه ابن حبان.
"لو" هذا شرطية غير جازمة، ولكنها شرطية فيها شرط وجوابه، وقلوه:"مت أو مت" يجوز الوجهان، إن كانت من مات يميت فهي مت، وإن كانت من مات يموت فهي مت، وإن كانت من مات يموت فهي مت، وهما لغتان في هذا الفعل.
وقوله: "لغسلتك" هذا جواب الشرط، يعني: أن الرسول (صلى الله عليه سولم) خاطب عائشة بهذه الجملة بأنها لو ماتت قبلها لغسلها، قال ذلك نم باب التحبب يعني: أنه يتولاها عليه الصلاة والسلام حتى بعد مماتها فغيسلها هو بنفسه.
وأتى المؤلف بهذا الحديث في كتاب الجنائز لفائدة- وهي الشاهد- جواز تغسيل الرجل زوجته، وجه الدلالة من الحديث: أنه قال: "لو مت قبلي لغسلتك"، ولو كان حرامًا ما غسلها، فيستفاد من الحديث هذه الفائدة وهي محل الشاهد.
ويستفاد منه: بيان منزلة عائشة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب نسائه اللاتي معه.
ومن فوائده: أنه ينبغي للإنسان أن يتودد إلى زوجته، كما ينبغي لها أيضًا أن تتودد إلى زوجها، وفي الحديث:"تزوجوا الودود الولود"، حتى أنه أبيح للرجل مع زوجته والزوجة مع زوجها الكذب الذي ينبني عليه المحبة والمودة، هو ليس كالكذب ولكنه الكذب الذي فيه مصلحة؛ لأن المودة بين الزوجين لها فوائد عظيمة.
فإن قال قائل: كيف يغسلها وقد بانت منه؟
الجواب أن نقول: لأنه قد بقى شيء من المتعلقات الزوجية وهي الإرث، وأيضًا فإن النصوص دلت بعمومها على أن الإنسان إذا مات وزوجته مع أو بالعكس فإنها تكون زوجته في الآخرة:{ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم إنك أنت العزيز الحكيم} [غارف: 8}، وقال تعالى: {والذين أمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21]، فآثار النكاح باقية.
وهل تغسل المرأة زوجها؟ نعم، من باب أولى، لأن المرأة باق حق الزوجية في حقها، وهو العدة فهي أبلغ من الزوج، فيجوز إذن للزوج أن يغسل زوجته وللزوجة أن تغسل زوجها.
هل المملوكة كذلك؟ إن قلتم: نعم؛ أخطأتم، وإن قلتم: لا، أخطأتم، فيه تفصيل: إن كانت المملوكة سرية له حتى مات فهي كالزوجة، لأنها من محللاته أو بعبارة أصح: لأنها فراش له، وإن كان لم يتسرها أو كانت مزوجة بغيرة فإنها لا تغسله.
526 -
وعز أسماء بنت عميس رضي الله عنها: (أن فاطمة رضي الله عنها أوصت أن يغسلها علي)، رواه الدارقطني.
هذا الحديث نقول فيه كما قلنا في حديث عائشة وهو جواز تغسيل الرجل زوجته.
ويستفاد منه أيضًا: جواز وصية الرجل إلى من يغسله، وجهه: أن فاطمة أوصت، وأن عليًا فعل ذلك، هل الدليل بوصية فاطمة، أو بتنفيذ علي؟ أما فاطمة فهي صحابية والاستدلال بما فعلت ينبني على الاستدلال بقول الصحابي، وأما علي إذا كان نفذ ذلك فالاستدلال بفعله ظاهر؛ لأنه [من الخلفاء الراشدين المهديين].