الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الجلسة هل لها ذكر؟ الجواب: لا، ليس لها ذكر، هل لها تكبير؟ الجواب: لا، ليس لها تكبير، وهذا دليل واضح على أنها جلسة غير مقصودة؛ لأنه لو كانت مقصودة لكان لها ذكر كسائر الجلسات، ولو كانت مقصودة لافتتحت بالتكبير واختتمت بالتكبير كسائر الجلسات، ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقوم من الجلسة اعتمد على يديه، وهذا واضح أنه كان يشق عليه أن ينهض مباشرة، وإلا لما احتاج إلى الاعتماد على اليدين، وهذه أيضًا مما توهم فيها بعض الناس بأن الاعتماد على اليدين في هذه الحال سنة، وليس بسنة؛ لأنه واضح أنه يقول:((اعتمد على يديه))، والاعتماد على الشيء لا يكون إلا عند الحاجة إليه، وإلا فلا حاجة إلى الاعتماد.
فإن قال قائل: إذا صار الإنسان في حال تشرع له جلسة الاستراحة، فمتى يكبر إذا رفع من السجود، هل يكبر إذا قام من الجلسة، أو يكبر إذا نهض من السجود؟
الجواب: الثاني؛ لأن الأحاديث: ((وإذا رفع من السجود كبر))، فيكبر عند أول رفعه من السجود، وهذا لا إشكال فيه إذا كان الإنسان منفردا أو كان مأموما، لكن الإشكال إذا كان إماما وكبر حين ينهض من السجود ثم جلس فإنه يخشى من مسابقة المأمومين له، فهل نقول: إنه يكبر إذا قام من السجود، والمأموم إذا عرف من حال الإمام أنه يكبر إذا قام من السجود فسوف لا يسابق الإمام، وهذا هو المتعين أنه يكبر إذا قام من السجود وهو إذا كبر إذا قام من السجود ورآه الناس جالسا جلسوا معه وزال الإشكال.
القنوت وأحكامه:
293 -
وعن أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه)). متفق عليه.
هذه مسألة القنوت في الفرائض، القنوت في الوتر لا تسن المداومة عليه، ولهذا قال بعض العلماء: إنه لا يسن القنوت في الوتر إلا في رمضان، وقال آخرون: لا يسن إلا في النصف الآخر من رمضان لا في بقية السنة، وظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده أنه لا يقنت؛ لأن جميع الواصفين لتهجده لا يذكرون القنوت، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم الحسن بن علي رضي الله عنهم دعاء القنوت وفيه:((اللهم أهدني فيمن هديت)).
أما في الفرائض فلا قنوت لا قبل الركوع، ولا بعد الركوع، وحديث أنس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا ثم تركه؛ هذا لسبب، وما شرع لسبب فإنه يزول بزواله.
قوله: ((شهرًا)) ظرف زمان، ولم يقل: من أوله ولا من وسطه ولا من آخره، فيكون المراد: مدة الشهر سواء من أوله أو وسطه أو آخره، والشهر إذا أطلق فهو ما بين الهلالين، ولا عبرة بالأيام ما دامت الأهلة ترى وتشاهد، وهل ينبني على ذلك أن جميع ما قدر بالشهور هل يعتبر بالأيام وتكمل (30) يومًا، أو بالأهلة؟ الجواب: الثاني، ولهذا إن امرأة توفي عنها زوجها وقلنا: تعتد أربعة أشهر وعشرا، فالمعتبر الهلالية من أول العدة إلى آخرها، وقول من قال: إنها بالعدد إذا مات في أثناء الشهر تكون بالعدد بالنسبة للشهر الأول والأخير، وبالأهلة بالنسبة لما بينهما فقول ضعيف والصواب أن المعتبر الأشهر الهلالية هكذا إذا أطلقت.
وقوله: ((يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه)) ((تركه)) يعني: ترك القنوت، لأي سبب هو قنت- عليه الصلاة والسلام لانجاء المستضعفين، فلما أنجاهم الله توقف، وهؤلاء قنت عليهم شهرا ثم تركه، إما لأن المسألة برزت عن أولها وزال ما في نفوس الناس، وتكره لئلا يكون سنة راتبة أو لسبب من الأسباب لا نعلمه، فما هو القنوت؟ القنوت في الأصل: الدعاء بإخلاص وإلحاح، وله معان كثيرة، حتى إنه يطلق على ((السكوت)) كما في قوله تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]. ويطلق على الدعاء المعروف في قنوت الوتر: ((اللهم أهدنا فيمن هديت)) .. ألخ، ويطلق على الدعاء المناسب للحادثة، وهذا هو المراد في هذا الحديث، إذن المراد بالقنوت في هذا الحديث: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المناسب للحادثة، ولما كان الناس يقنتون في فتنة البوسنة كان بعض الأئمة- كما بلغني- يدعو بدعاء القنوت يقول:((اللهم أهدنا فيمن هديت))، وهذا لا مناسبة له أصلا.
في هذا الحديث من الفوائد: جواز القنوت بالدعاء على أحياء من العرب أو غير العرب إذا كانوا مؤذين للمسلمين، ولكن هل هذا في كل مصيبة نزلت؟ لا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت على العرب الذين حصل منهم ما حصل، كذلك أيضا في الأحزاب نزل بالمسلمين نازلة عظيمة وصفها الله تعالى بقوله:{إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا} [الأحزاب: 10]. ولم يقنت في بدر كان له عريش يدعو الله فيه لا في الصلاة، وعليه فليس كل نازلة يقنت لها، ثم القنوت لمن؟ هل كل واحد يقنت؟ فيه أقوال للعلماء: المذهب أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم فقط، الإمام الأعظم مثلًا هنا في السعودية هو الملك فهد لا غيره، فجميع الناس في جميع المساجد لا يقنتون، وعللوا ذلك بأنه لما قنت النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت أحد سواه في مساجد المدينة، ولم يأمر أحدا أن يقنت. هذه واحدة.
ثانيًا: قالوا: إن المعني بشئون المسلمين هو الإمام الأعظم ليس كل أحد، فيكون مشروعية القنوت خاصا به، وهذا القول له وجهة نظر، لكن إذا أذن بالقنوت لجميع المساجد صار
مشروعًا، بماذا يكون مشروعا؟ بإذن الإمام وأمره فيكون مشروعًا، فإن لم يأمر فليس بمشروع.
فإذا قال قائل: إن قلوبنا تفطر وأكبادنا تتفطر إذا سمعنا ما نسمع عن أخبار إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا نقنت، لا نستطيع أن نصبر.
قلنا: الحمد لله، هل إجابة الدعاء مخصوصة بالقنوت؟ لا، ادع لهم في السجود، في الجلوس بين السجدتين، فيما بعد التشهد، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، في جميع الأحوال والأوقات التي ترجى فيها الإجابة.
يرى بعض أهل العلم أن القنوت إذا نزلت بالمسلمين نازلة مشروع لكل مصل حتى الإنسان في بيته يصلي الفريضة يقنت، وهذا قد يقال: إنه وجيه إذا قنت الإنسان في بيته؛ لأنه لا يظهر فيه مخالفة ولي الأمر، أما أن يقنت في مسجده لكونه إماما دون إذن فهذا يؤدي إلى الفوضى، ولو فتح الباب لكان كل واحد يعتقد أن هذه النازلة نازلة عظمى، تحتاج إلى قنوت فيقنت، ثم لو فتح الباب صار بعض الناس يقنت وبعض الناس لا يقنت، فماذا يقول العامة؟ يقول العامة في الذي يقنت: هذا هو المؤمن حقا الذي في قلبه غيرة على المسلمين، والآخر اتركه ما في قلبه غيرة ميت، وهذا معناه: القدح في بعض أئمة المسلمين.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا رأى الإمام المصلحة في ترك القنوت فإنه يقطعه، قد يرى المصلحة في ترك القنوت إذا رأي من الناس مللا أو تضجرا أو ما أشبه ذلك، الحمد لله الأمر واسع فإذا اشتدت الأزمة أعاده.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي أن يطيل الإمام القنوت لقوله: ((يدعو على أحياء من العرب))، وهذا يحصل بمطلق الدعاء بدون إطالة، خلافا لبعض الناس الذين يطيلون القنوت، ولاسيما في قنوت الوتر في رمضان، حتى بلغني أن بعض الناس يجعل القنوت خطبة موعظة وهذا غلط، أنت إذا كان فيك رغبة للدعاء وصدرك منشرح به، لكن وراءك من ليس كذلك، وخير الكلام ما قل ودل، سمعنا أن بعضهم يبقى في قنوت الوتر في رمضان (45) دقيقة؛ هذا فيه مشقة على الناس، أنت إن أطلت أطل خمس دقائق، وإلا فالحمد لله القنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي لا يستغرق دقيقتين، فالمهم مراعاة الناس في هذه المسألة.
القنوت عند النوازل هل يكون في الفجر والمغرب فقط، أو في جميع الصلوات؟ الثاني، في جميع الصلوات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ومن خصه بالفجر والمغرب قال: لأن المغرب مستقبل فرائض الليل، والفجر مستقبل فرائض النهار، ولكن ما دامت السنة ثبتت بأنه يقنت في جميع الصلوات فلا عدول عنها.
-ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر، وزاد:((وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا)).
وهذه الزيادة ضعيفة، وقد أنكرها ابن القيم إنكارًا شديدًا وحق له أن ينكرها؛ لأن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ترك القنوت على هؤلاء تركه مطلقًا، ولا يمكن أن يدعي مدع أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على قنوت الوتر في الصبح ثم لا يعرفه كبار الصحابة؛ لأنه لو فعل هذا طول حياته لكان نقله أمرًا ضروريا، فالصواب: أن القنوت في الفجر كغيره، إن وجدت نازلة نزلت بالمسلمين قنت فيها كما يقنت في غيرها وإلا فلا.
294 -
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم)). صححه ابن خزيمة.
هذا بيان سبب القنوت: الدعاء لقوم كمستضعفين مضطهدين، أو على قوم كمعتدين ظالمين.
إذا نزلت بالمسلمين نازلة لا تتعلق بالآدمي كالأوبئة والفيضانات والزلازل، فهل يقنت الإنسان أو لا يقنت؟ الجواب: لا يقنت؛ لأن هذه تقع كثيرًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يقنت لها، وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع عدم المانع ففعله بدعة، وهذه قاعدة ينبغي أن يعض عليها الإنسان بالنواجذ؛ لأنها مفيدة جدًا، وبه ندحض حجة الذين يقولون بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو بالاحتفال بذكرى بدر، أو بالاحتفال بذكرى القادسية، أو ما أشبه ذلك، فبدر موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرت عليه في حياته إحدى عشرة مرة، والقادسية أيضًا مرت بزمن الخلفاء الراشدين ولم يحتفلوا بها، فنقول: ما دام السبب موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعل مقتضاه ولا مانع فإن فعله يكون بدعة.
حكم القنوت في الفجر:
295 -
وعن سعد بن طارق الأشجعي رضي الله عنه قال: ((قلت لأبي: يا أبت، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني، محدث)). رواه الخمسة، إلا أبا داود.
قال: ((قلت لأبي: إنك قد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي)) وهؤلاء هم الذين يصدر الناس عن سنتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).
((أفكانوا يقنتون في الفجر؟ )) والاستفهام هنا استفهام استعلام واستهداء واسترشاد، الهمزة للاستفهام، والفاء عاطفة، وإذا كانت عاطفة لزم من هذا ألا تكون الصدارة للهمزة؛ لأن العطف يقتضي أن يكون هناك معطوف عليه، اختلف المعربون في مثل هذا التركيب، فمنهم من قال: إن الهمزة داخله على شيء محذوف يقدر بما يناسبه، فتكون همزة مصدرة في جملتها المحذوفة، ومنهم من قال: بل إن الفاء عاطفة على ما سبق، إن كان قد سبق كلام، وتكون مزحلقة، بمعنى: أن الأمر يتطلب أن تكون الفاء عاطفة على مقدر مناسب للمقام، ونسلم كذلك أيضًا تأتي الهمزة وبعدها الواو مثل:{أو لم يسيروا في الأرض} ، نقول فيها مثل قولنا في ((أفكانوا يقنتون)) الهمزة للاستفهام، و ((الواو)) حرف عطف، والمعطوف عليه مقدر بما يناسب المقام.
وقوله: ((أي بني، محدث)) ((أي)) حرف نداء؛ لأن حروف النداء ستأتينا في الألفية بعد زمن قريب إن شاء الله، وإن كان بعضكم يقول: بعد عشر سنين، الله أعلم.
حروف النداء كثيرة، ((أي)) للقريب، فهي تنوب مناب الياء لكنها للقريب، و ((بني)) مصغرة، هل التصغير للرأفة والعطف والحنان، أو لأن الابن صغير؟ الأول؛ لأن ظاهر سؤاله أنه كبير فاهم، فيكون هذا التصغير للرأفة والرحمة والتلطف مثل ما يقول العوام عندنا: يا وليدي ما تدر ما الحل، ((يا وليدي)) بدل ((يا ولدي)) تحننًا وتعطفًا، وقوله:((محدث)) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو محدث وهذا في غاية ما يكون من الإنكار؛ لأنه إذا كان محدثًا، فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.