الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما كون القيام فضل بذكره فلأن القيام فيه كلام الله عز وجل لا القيام محل القراءة وهي أفضل الذكر، بخلاف التسبيح فإنه ليس كلام الله عز وجل على أن هذا لا ينفي أن في القرآن تسبيحًا مثل:{سبح اسم ربك الأعلى} (الأعلى: 1). و {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} (الروم: 17). لكن السجود أفضل بهيئته، ولهذا كان العبد أفضل ما يكون من ربه وهو ساجد، والذي يعنينا في هذا الباب- وبالنسبة لهذا الحديث- أن من ترك التشهد الأول حتى قام فإنه لا يرجع إليه ولكن يجب عليه أن يسجد للسهو قبل السلام هذا الواجب عليه لهذا الحديث، ويعنينا منه أيضًا: وجوب متابعة الإمام فيما إذا ترك التشهد الأول سهوًا؛ لن الصحابة قاموا وتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأقرهم على ذلك؛ ولولا أن متابعة الإمام واجبة ما سقط بها الواجب الذي هو التشهد.
السجود للسهو بعد السلام وحكمه:
317 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشيةٍ في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ وفي القوم رجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقتصر، فقال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده، أو طول ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع رأسه، فكبر، فسجد مثل سجوده، أو أطول ثم رفع رأسه وكبر". متفق عليه واللفظ للبخاري.
وفي رواية لمسلم: "صلاة العصر".
ولأبي داود، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ فأومئوا، أي: نعم" وهي في الصحيحن لكن بلفظ: "فقالوا".
وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله تعالى ذلك".
قوله: "إحدى صلاتي العشي"، العشي: ما بين الزوال وغروب الشمس، وفيه صلاتان: الظهر والعصر، ويقول أبو هريرة هنا:"إحدى صلاتي العشي" وفي رواية لمسلم: أنها العصر، ولا يهم أن تكون العصر أو الظهر، المهم: معرفة الحكم الذي حصل وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسلم من ركعتين، ومعلوم أن الظهر أو العصر أربعًا، إذن سلم قبل إتمامه، وماذا حدث؟ تقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبه معروضة في قبلة المسجد واتكأ عليها ووضع خده على ظهر يده اليسرى
وشبك بين أصابعه كأنه غضبان، والسر في ذلك -والله أعلم- أنه لما لم تكن الصلاة تامة انقبضت نفسه ولم يحصل له الانشراح صلى الله عليه وسلم، وهذا من لطف الله بالعبد أنه إذا صار هناك نقص في عبادته ألا ينشرح صدره حتى يأخذ يفكر فيما حصل، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله كذا وكذا".
فالحاصل: أن من نعمة اله على العبد ألا ينشرح صدره إذا أخل بشيء من العبادات، بل تبقى نفسه منقبضة حتى يرجعها فيما فعل، وهذا من توفيق الله، هذا ما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم، وكما هو معلوم فإن هناك فئة من الناس يسرعون في الخروج عادة وهم "سرعان الناس" خرجوا من المسجد يقولون:"قصرت الصلاة" وبعضهم يقول: "أقصرت الصلاة؟ " أحدهم يستفهم، والآخر يثبت أنها قصرتّ ما كانوا يظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سينسى ويسلم من ركعتين، والصحابة كلهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك بم يجتزئ أحد أن يكلمه؛ وذلك لأن الله تعالى قد ألقى المهابة على رسوله صلى الله عليه وسلم مع حسن خلقه، لكن له هيبة عظيمة وأخص الناس به أبو بكر وعمر، ولكن مع ذلك هابا أن يكلماه في هذا الأمر الذي يجر قبله مثله، ولكن كان في القوم رجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم "ذا اليدين" لطول في يديه كأنه -والله أعلم- لكون الرسول صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول:"يا ذا اليدين" حصل منه أنه يستطيع أن يتكلم، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟
والله إن هؤلاء المناطقة لو أرادوا أن يأتوا بمثل هذه الكلمة وهذا التقسيم العجيب لكتبوا مجلدات، وهذا الصحابي ما قرأ المنطق ولا الفلسفة ولا السبر ولا التقسيم ولا شيء. قال:"أنسيت أم قصرت الصلاة؟ " لا يوجد غير هذا؛ لأنه ما بقي إلا أمر ثالث لا يمكن أن يقع من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: أن يتعمد السلام قبل التمام، الشيء الذي يمكن في حق الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنسيت أم قصرت الصلاة؟ لو قال قائل: إن القسمة هنا غير حاصلة؛ لأنه إما أن ينسى، وإما أن تقصر الصلاة، وهناك شيء ثالث وهو أن يتعمد أن يسلم من ركعتين بدون أن يقصر الصلاة، ولكن هذا الأخير غير ممكن في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا هو رضي الله عنه ما ذكر الاحتمالين الذين يمكن أن يقعا من الرسول صلى الله عليه وسلم، ـ وهذا من كمال الأدب، الاحتمالات واردان يمكن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي وسلم من ركعتين ظنًا أنها أربع، ويمكن أن الله تعالى نسخ الحكم الأول وأعاد الصلاة على ركعتين على حالها الأول، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لم أنس ولن تقصر"، وهذا ولد إشكال عند الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه من الكذب لا يمكن أن يكذب، وهنا قال:"لم أنس ولم تقصر" ما حصل لا هذا ولا هذا، ولكن الصحابي رضي الله عنه لما علم أن نفي النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير الحكم أمر لا
يلحقه النسيان، ولكن كونه يسلم قبل التمام أمر يمكن أن يكون نسيانًا، ماذا قال له؟ قال:"بلى قد نسيت"، النسيان ممكن، لكن كون الرسول ينفي أن يكون الحكم قد تغير وهو متغير هذا غير ممكن؛ لن هذا من باب البلاغ، ولا يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ خلاف الشرع. قال:"بلى، قد نسيت" لما قال: "بلى قد نسيت" وعزم عليه والنبي أشد الناس توضعًا رجع إلى المصليين الآخرين والرسول كان في الأول جازم أنه ما حصل شيء لا نقص ولا نسيان، لكن لما جزم الصحابي وقال:"بلى قد نسيت" قال: يمكن، فقال:"أحق ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، وفي رواية:"فأومئوا أن نعم" والجمع بين "قالوا" و "أومئوا" يشير جدًا، وذلك بان نقول: بعضهم أو ما يرأسه، وبعضهم قال: نعم، فلما قالوا ذلك تبين للرسول صلى الله عليه وسلم أن الصواب مع ذي اليدين، فتقدم فصلى ما ترك يعني: الركعتين الياقيتين، ثم سلم ثم سجد سجدتين مثل سجوده في الصلاة أو أطول ثم سلم.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد كثير: الفائدة الأولى: أن الجهل بالعين أو الجهل بالتعيين لا يقدح في صحة الحديث لقوله: "إحدى صلاتي العشي"؛ ولهذا قال أهل العلم بالمصطلح: إن اختلاف الرواة في مثل ذلك لا يعد اضطرابًا في الحديث ولا موجبًا لضعفه، كما ذكروا لذلك أمثلة متعددة منها: حديث فضالة بن عبيد في شرائه القلادة من الذهب اشتراها باثني عشر دينارًا، وقال بعضهم: بعشرة، وقال بعضهم بأقل أو بأكثر، لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، لماذا؟ لأنه لا يعود إلى أصله، إنما يعود إلى أمر فرعي، لهذا "إحدى صلاتي العشي"، إذا قال بعض الرواة: إنها العصر، وقال بعضهم: إنها الظهر هل يوجب هذا ضعف الحديث؟ لا؛ لأن الكلام على الأصل ودرك الحكم.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم، من أين يؤخذ؟ من قوله:"بلى قد نسيت"، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه رجع إلى قول الصحابة يسألهم. ومنها: أن المؤمن كلما كان أكمل إيمانًا صارت نفسه لها حالات عند فعل الطاعة على الكمال وعند نقصها، تجده إذا أنهى العبادة كاملى انشرح صدره؛ لأن الله يقول:{أمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} (الزمر: 22). وإذا لم يتمها صار عنده شيء من الانقباض؛ لأن العبادة لم تتم، وهذا من لطف الله بالعبد، وأظن أني قد ذكرت لكم قصة في رجل كان ورعًا لا يأخذ من مال غيره شيئًا إلا بحقه، وأنه في يوم من الأيام قطع له أثله وجعلها تيبس في الشمس ليأخذها حطبًا وكان له جار، وكان هذا الجار أيضًا قد قطع أثلته وجعلها تيبس يأخذها حطبًا، هذا الرجل خرج ذات يوم ليحمل الخشب إلى بيته فجاء إلى الخشب وأناخ البعير وشد الخشب فحمله على البعير وشده ثم نهر البعير- زجرها- لتقوم ولكنها أبت أن تقوم فأخذ يضربها ويزجرها وهي لا تقوم فتعجب!
الحمل ليس بكثير والناقة جيدة لكنها أبت أن تقوم! فجلس يفتش وينظر فتبين له أن الحمل الذي عليه هو أثلة جاره فنزله منها ثم أناخها إلى جنب خشبه وشد عليها، فلما انتهى من شده ونهرها مرة واحدة قامت ومشت، هذه من حماية الله للعبد، إن الله يجول بينك وبين مالا يحل لك من حيث لا تشعر، ولكن هذا إذا كنت صادقًا مع الله عز وجل في تجنب محارمه؛ أما الإنسان الذي ليس صادق فقد لا ييسر الله له مثل هذه الحال، المهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صار منقبضًا حين سلم من ركعتين.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا سلم قبل تمام صلاته ثم ذكر أو ذكر وجب عليه أن يكملها، وإذا كان قائمًا من مكانه رجع إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى مكانه وأتم الصلاة منه، ولكن كيف يتمها؟ يتم ما بقي، وإذا كان مثلُا الآن هو جالس وسلم وقام على أن الصلاة انتهت فتبين الباقي عليه ركعة تقول: ارجع إلى مكانك، إذا رجع إلى مكانه هل نقول: اجلس لتقوم، أو لا حاجة لأن تجلس؟ يقول العلماء: يجلس ليقوم؛ لأن نهوضه الأول قبل أن يذكر هل هو للصلاة أو لينصرف؟ لينصرف فلابد أن يجلس لينهض؛ لن النهوض هنا من الجلوس إلى القيام من أفعال الصلاة.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه إذا سلم عن نقص ثم ذكر أو ذكر وأتم صلاته فإن سجود السهو يكون بعد السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام وقال: "وصلوا كما رأيتموني أصلي" فيكون السجود بعد السلام.
ويستفاد منه: أن سجود السهو كسجود الصلاة ما ينقص عن طول سجود الصلاة خلافًا لما يظنه بعض العوام أن سجود السهو يخفف لقول أبي هريرة: "فسجد مثل سجوده أو أطول" وكلمة "أو أطول" قد يقول قائل: إنه يدل على أن سجود السهو أطول من سجود الصلاة، ولكن نقول: لا؛ لأن مثل هذا التعبير في اللغة العربية يراد به تحقيق ما سبق لا إثبات ما لحق، فنقول مثل سجوده هذا المحرر وقال:"أطول" لتحقيق تلك المثلية، ومنه قوله تعالى:{وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} (الصافات: 147). قال العلماء المحققون إن معنى {يزيدون} يعني: إن لم يزيدوا لم ينقصوا، فهو لتحقيق العدد.
ولكن ماذا يقول في سجود السهو بعد السلام؟ يقول: "سبحان ربي الأعلى" مثل سجوده في الصلاة تمامًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوها في سجودكم"؛ يعني: "سبحان ربي الأعلى"، وهذا يشمل سجود صلب الصلاة، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، وسجود السهو، فيقول "سبحان ربي الأعلى"، ويقول ما ورد في أذكار السجود، وأما قول بعض العامة: إنه ينبغي أن يقول: "سبحان من كتب النسيان على الإنسان وتنزه عن النسيان" فهذا لا أصل له، ولا أعلمه مشروعًا، وإذا لم يكن مشروعًا فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعبد به، وأن يأتي بذكر من عنده.
ومن فوائده: أن الإنسان إذا سلم قبل تمام صلاته وذك أو ذكر بوقت قريب فإنه يجب عليه أن يتمها، ولا يقول انتهت الصلاة ويتصرف، بل يجب أن يتمها إذا كانت فريضة، وإن كانت نفلًا فإنه لم يتمها بطلت، ولكن النقل لا يجب إتمامه.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه إذا سلم وذكر أو ذكر وقد قام من مكانه فإنه يرجع إلى مكانه فيتم في مكانه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رجع وأتم في مكانه ولأجل ألا تتبعض الصلاة وتتجزأ فيكون بعضها في مكان وبعضها في مكان آخر.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الكلام في هذه الحالة لا يبطل الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم وذو اليدين تكلم، وتكلم من تكلم من الصحابة، وخرج السرعان وهم يقولون: أقصرت الصلاة؟ كلام كثير، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فيما إذا تكلم الإنسان بعد سلامه من صلاته سهوًا هل تبطل الصلاة ويستأنفها، أم يجوز أن يبني عليها؟ على أقوال ثلاثة:
ومنهم من قال: إنه إذا تكلم بطلت الصلاة سواء كان لمصلحة الصلاة أم لغير مصلحتها.
ومنهم من قال: إن تكلم لمصلحتها لم تبطل وإن تكلم بكلام أجنبي بطلت، ففي هذه المسألة مثلًا صلى رجل الظهر وسلم من ركعتين ثم قال لولده: يا ولدي شغل السيارة قبل أن اذهب، فقال له ولده: ما صليت إلا ركعتين الكلام الذي تكلم هل هو لمصلحة الصلاة أو لا؟ لا، فتبطل الصلاة، ولو كان يسيرًا بخلاف ما لو تكلم لمصلحة الصلاة، كالكلام الذي حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تكلم من الصحابة فإنه لا يضر، ولكن الصحيح أن الكلام لا يضر سواء كان لمصلحة الصلاة، أو لغير مصلحتها ما دام يعتقد أن صلاته قد تمت؛ لن هذا الكلام الذي صدر بعد السلام كان عن جهل ببقاء صلاته، والكلام مع الجهل لا يبطل الصلاة، وعلى هذا لو تكلم الإنسان بعد سلامه من صلاته بكلاك يتصل بالصلاة أو لا يتصل ولكنه إلى الآن ما ذكر أنها لم تتم فإن صلاته لا تبطل، ودليل ذلك عموم قوله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} (البقرة: 286).
وهناك دليل آخر خاص بالمسألة وهو بان معاوية بن الحكم رضي الله عنه تكلم في صلاته جاهلًا ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فقد عطس رجل من القوم فقال:"الحمد لله" فقال له معاوية: "يرحمك الله" كلام يخاطبه "يرحمك الله" فرماه الناس بأبصارهم فقال: "واثكل أمياه" كلام آخر، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فكست، فلما قضى الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: بأبي وأمي هو ما رأيت معلمًا أحسن تعليمًا منه، والله ما قهرني ولا نهرني وإنما قال:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ولو كانت الإعادة واجبة عليه لأمره بها كما أمر
المسيء في صلاته أن يعيد صلاته، وهذا القول هو الراجح، يعني أنك لو تكلمت بعد أن سلمت نسيانًا فإنه لا يضر ما دمت باقيًا على النسيان، ولكن هل إذا طال الفصل يجب عليه أن تستأنفها أو تكلمها ولو طال الفعل؟ نقول: إذا طال الفصل فاستأنف الصلاة من جديد، أما إذا كان الفصل قليلًا فإنك تكمل الصلاة ولو حصل كلام أو مشي أو ما أشيه ذلك.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا تعارض ظنه وظن غيره لم يلزمه الرجوع إلى قول غيره؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رجع إلى قول ذي اليدين؛ لن عنده في ظنه أن الصلاة تامة، ولهذا قال "لم أنس ولم تقصر"، فلما رجع إلى الصحابة ترجح جانب ذي اليدين فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم به، ولهذا قال الفقهاء: إن الإمام إذا سبح به واحد فقط فإنه لا يرجع إلى قوله، بل إذا سبح به ثقتان رجع إلى قولهما إلا إذا جزم بصواب نفسه فإنه لا يرجع إلى قول أحد أبدًا، لو أن الإمام مثلًا سبحوا به ولكن هو متأكد فهذا لو سبح كل الجماعة لا يرجع إليهم؛ لأنه إذا جزم بصواب نفسه فلا يمكن أن يرجع إلى قول غيره؛ لن رجوعه إلى قول غيره ظن وصواب نفسه الجازم يقين.
فإذا قلت: ما شأن الذين خرجوا وقالوا: "أقصرت الصلاة؟ " هل رجعوا وأتموا، أو صرفوا على ما هم عليه؟ نقول: الأحاديث ليس فيها بيان لحال هؤلاء، وإذا لم يكن فيها بيان لحال هؤلاء نرجع إلى القواعد العامة في الشريعة فنقول: أما من بقى منهم لا يدري عن الأمر فإنه معفو عنه، وأما من علم بأن الصلاة لم تتم فإنه يجب عليه إعادة الصلاة إذا طال الفصل، فعليه إعادتها من جديد، وهذا قد يقع؛ أفرض أنك صليت في جماعة وسلمت من ثلاث ركعات في الظهر ولم يقل لك أحد شيئًا، وخرج الناس، ثم علمت بعد ذلك أنك صليت ثلاثًا فقط، إذا كانت المدة الزمنية قريبة فأكملها، وإذا لم تعلم إلا بعد مدة فإنك تستأنف الصلاة من جديد، ولكن افرض أن أناسًا صلوا معم وذهبوا- وقد يكونون من غير البلد- فما شأن هؤلاء فيما بينهم وبين الله؟ نقول: إذا بقوا غير عالمين فإن صلاتهم تبرأ بها الذمة لأنهم ما علموا.
ويستفاد من هذا الحديث: أن سجود السهو يكون بعد السلام، إذا سلم الإمام أو المأموم أو المنفرد قبل تمام الصلاة فإنه يكون بعد السلام، كيف يمكن للمأموم أن يسلم قبل أن تتم الصلاة؟ افرض أن المأموم فاته ركعة ولما سلم الإمام سلم ناسيًا، وهذا يقع كثيرًا، فإذا ذكر فعليه أن يقوم ويأتي بالركعة ثم يسجد بعد السلام؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام فيكبر ويسجد ويرفه بتكبير ويسجد ثانية ثم يسلم، وعلى هذا كم يكون في الصلاة من تسليم؟ ثلاث تسليمات، وهي التسليم الأول الذي سها فيه، والتسليم الثاني للخروج من الصلاة، والتسليم الثالث لسجود السهو.