الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:
438 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام". رواه مسلم.
"من" هذه شرطية، وجواب الشرط قوله:"غفر له"، فالشرط إذن اشتمل على عدة أمور:
أولًا: "من اغتسل"، والمراد: غسل الجنابة؛ لأنه إذا أطلق الكلمات بلسان الشارع فإنها تحمل على الحقيقة الشرعية، فإن لم يكن لها حقيقة شرعية حملت على الحقيقة اللغوية، وهنا لها حقيقة شرعية؛ لأن من اغتسل غسل الجنابة ثم أتى الجمعة، يعني: أتى مكان صلاة الجمعة، أم أتى صلاة الجمعة؟ إذا قلت:"أتى مكان صلاة الجمعة"، صار فيه شيئان محذوفان مكان وصلاة، وإذا قلت:"ثم أتى صلاة الجمعة" ففيه حذف واحد، وعلى كل حال فهما متلازمان، والمراد معروف؛ أي:"أتى الجمعة فصلى ما قدر له" هنا الفعل مبني للمجهول للعلم بالفاعل، من الفاعل؟ الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى:{وخلق الإنسن ضعيفًا} [النساء: 28]. مبني للمجهول للعلم بالفاعل وهو "الله".
وقوله: "ما قدر له" القدر تقدم لنا أنه هو تقدير الله عز وجل الأمور وقضاؤه إياها، وقد قدر سبحانه وتعالى كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، نقول هذا، لكن ربما مر عليكم في قضية محاجة آدم موسى أن آدم قال له:"أتلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ ! ". وهذا فيه إشكال؛ لأن المصبية التي حصلت لآدم قد كتبت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فما هو الجواب؟ الجواب على هذا أن نقول: إن الكتابات متعددة، فالكتابة السابقة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذه الكتابة غير الكتابة الأولى وهذا هو طريق الراسخين في العلم إذا رأوا الأشياء المتشابهة أن يجمعوا بينها، وتعدد الكتابة ممكن أو غير ممكن؟ ممكن، لكن المعتزلة - أي: نفاة القدر - قالوا: هذا دليل على كذب هذا الحديث، وأن الرسول ما قاله؛ لأن المكتوبات كتبت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ولهذا هم يكذبون الحديث؛ لماذا؟ لأنه لا يتمشى على مذهبهم، مذهبهم أن الله لم يقدر أفعال بني آدم، وأن الإنسان مستقل بعمله، إذا جاء مثلًا هذا الحديث فهم يقابلونه بالرد هذه طريقة أهل البدع: إذا جاءهم ما يخالف بدعهم فطريقهم الرد إذا أمكنهم الرد، فإن لم يمكنهم - كما لو كان في القرآن مثلًا - يسلكون التأويل.
يقول: "قدر له" أي: كتب وقدره الله عليه، وقال:"ثم أنصت" أنصت لماذا؟ حتى يفرغ الإمام من خطبته، قوله:"من خطبته" الظاهر أن هذا المفرد يراد به معناه، وليس يراد به العموم، يعني: أنصت حتى خطبته الأولى مثلًا ومن خطبته الثانية؛ لأن الكلام بين الخطبتين ليس بمحرم، ويحتمل أيضًا لفظ الحديث:"من خطبتيه"؛ لأن سكوت الإنسان حتى بين الخطبتين أفضل وأتم.
قال: "ثم يصلي معه - يعني: الجمعة - حتى ينصرف غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". غفر، والغافر من؟ الله وحذف للعلم به؛ لأن الله تعالى يقول في القرآن:{ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135]. لا أحد يستطيع أن يغفر الذنوب، والمغفرة تقدم مرارًا أنها هي ستر الذنب والتجاوز عنه، وليست مجرد التجاوز بل والستر ولو مجرد الستر، من أين نعرف أنها ليست هي أحد أمرين من اشتقاقها؛ لأنها من المغفر، والمغفر: هو ما يستر به الرأس عند الحرب، ويحصل به الستر والوقاية.
وقوله: "ما بينه وبين الجمعة الأخرى" المقبلة، أما الماضية؟ فيها اختلاف؛ فمنهم من قال: الماضية؛ لأنها هي التي وقعت فيها الذنوب، أما المستقبل فلا.
وقوله: "وفضل ثلاثة أيام" كم يكون الفضل؟ عشرة أيام، قوله:"غفر له" تقدم، وقوله:"بينه وبين الجمعة الأخرى" الظاهر أن المراد بذلك: أنه لابد أن يصلي، فأما لو لم يصل الجمعة الأخرى بدون عذر فإنه لا يحصل له ذلك، ولكن لابد أن تحصل صلاة الجمعة في الأول وفي الآخر.
يستفاد من هذا الحديث إذن فوائد متعددة: أولًا: فضيلة الاغتسال.
فإن قال قائل: كيف تأخذون من هذا فضيلة الاغتسال، والثواب مرتب على عدة أفعال؟
فالجواب: أنه لولا أنه له أثر في حصول هذا الفضل لكان ذكره لغوًا من القول لا فائدة منه، وهذا هو المطلوب أن يكون له أثر بحصول الفضل، أرأيت قوله تعالى:{ما سلككم في سقر قالوا ألم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 42 - 46]. فاستدل العلماء بهذه الآية على أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة مع أن كونه يكذب بيوم الدين سبب موجب للخلود في النار، ولكن هذه الأفعال الأخرى التي لا يفعلها ذكرت؛ لأنه يعاقب عليها، فالعلماء رحمهم الله جعلوا ذكر هذه الأوصاف دليل على أن لها أثر في تعذيب هذا الرجل في النار.
يستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه ليس للجمعة سنة راتبة قبلها لقوله: "فصلى ما قدر له".
ويستفاد منه: أن أفعال العباد مقدرة الله لقوله: "ما قدر له"، فيكون في ذلك رد على القدرية