الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
476 -
وعن أبي هريرة فقلت: "أنَّهم أصابهم مطرٌ في يوم عيدٍ، فصلَّى بهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد". رواه أبو داود بإسنادٍ ليِّنٍ.
"اللين" يعني ضد القوي، وهو أقوى من الضعيف ودون الحسن، وفي مرتبة بين الحسن وبين الضعيف.
وقوله هنا: "أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم في المسجد" يستفاد منه: أن الأصل في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم العيد خارج المسجد وهو كذلك.
ويستفاد منه: أنه إذا حصل عذر فإنه يصلي في المسجد داخل البيت، والعذر إمَّا مطر، وإمَّا برد شديد، وريح، وإمَّا حر شديد، كما لو جاء خبر العيد متأخرًا في ارتفاع النهار، وإمَّا خوف من عدو، المهم: أي عذر يكون إذا كان هناك عذر فإنهم يصلون في المسجد، وإذا صلوا في المسجد هل يصلونها كالعادة أو كالصلاة المفروضة؟ كالعادة؛ لأنه إذا سقطت سنَّة المكان لعذر فإنها لا تسقط سنَّة الأفعال، تبقى الصلاة كما هي عليه، فيصلي أولًا ثم يأتي بالخطبة، ثم قال المؤلف:
* * * *
15 - باب صلاة الكسوف
"صلاة الكسوف" هنا من باب إضافة الشيء إلى سببه، يعني: الصلاة التي سببها الكسوف، يقال: الكسوف والخسوف بمعنى واحد، وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، لقوله تعالى:{وإذا برق البصر * وخسف القمرْ} [القيامة: 7 - 8]. فالخسوف للقمر، والكسوف للشمس، ولكن الأظهر أن معناهما واحد.
معنى الكسوف وأسبابه:
فما هو الكسوف؟ فسره الفقهاء بقولهم: ذهاب ضوء أحد النَّيرين أو بعضه؛ أي: ذهاب بعضه، ولكنه في الحقيقة ليس ذهابًا لضوئهما ولكنه احتجاب؛ إذ إن الضوء باقٍ، ولكن الذي حصل حجاب هذا الضوء، وطبعًا احتجاب بغير الغمام والسحاب وما اعتيد هذا لا يسمى كسوفًا، وإلًا قد ينحجب ضوء الشمس أو القمر بالسحاب، وبالضباب، وبالغبار، لكن هذا ليس كسوفًا.
إذن بماذا ينحجب ضوء الشمس؟ يحجب ضوء الشمس بجرم القمر فتنكسف، وينحجب ضوء القمر بجرم الأرض فينكسف القمر، كيف ذلك؟ أسباب كسوف الشمس هو أن القمر
يحول بينها وبين الأرض؛ ولذلك لا يكون الكسوف إلا في آخر الشهر لإمكان حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وأسباب كسوف القمر حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولذلك يكون كسوف القمر في ليالي الإبدار؛ لأن ضوء القمر مستقاد من الشمس، قال الله تعالى:{فمحونا ءاية الَّيل} [الإسراء: 12]. ويدل على أنه مستفاد منها: أن منازل القمر كلما كان القمر قريبًا من الشمس كان ضوؤه أقل لعدم المقابلة، وكلما أبعد ازداد ضوؤه لكثرة المقابلة؛ لأن الفلك مثل القبة يعني: مكور، فإذا قابلها القمر من هنا وهي من هنا امتلًا نورًا، وإذا قرب منها ضعفت المقابلة فقلَّ النَّور.
إذن سبب الكسوف معلوم من الناحية الحسية، وهو بالنسبة لكسوف الشمس حيلولة القمر بينها وبين الأرض، وبالنسبة للقمر حيلولة الأرض بينه وبين الشمس، هذا هو السبب - الحسي الفلكي.
وهناك سبب شرعي ما يعلم ألا من طريق الرسل، السبب الأول الحسي: معلوم من طريق الحساب، ويعرفه أهل العلم بالفلك، لكن السبب الشرعي ما يعلم ألا من طريق الوحي، وهو الأهم وهو تخويف الله العباد، يخوف الله عباده بهذا الكسوف، يخوفهم أو يعاقبهم؟ يخوفهم، والفرق بين التخويف والعقوبة ظاهر، التخويف معناه: أن الله ينذر العباد من أن يقع بهم عقوبة وليست عقوبة.
ولهذا بعض الجهال يقولون: كيف يصير إنذار ولم يحدث شيء لا زلازل ولا صواعق، ولا غيره، ابن الإنذار.
نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "يعاقب الله بهما" وقال: يخوف الله بهما فهو إنذار قد يقع المنذر به وقد لا يقع؛ ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بأن يصلى حتى ينكشف ما بنا، هذا السبب الشرعي، فهل يعارض السبب الحسي؟ لا؛ لأن الفاعل واحد، فالذي جعل القمر يحول بين الشمس والأرض، أو الأرض بين الشمس والقمر هو الله، والمخوف هو الله؛ فلا تنافي بين هذا وهذا؛ لأن الله تعالى يقدر ذلك خلقًا لحكمته شرعًا، وهو التخويف، وأما إنكار بعض الناس للسبب الحسي بحجة أن إثباته يستلزم إبطال السبب الشرعي فلا يقرون بذلك بحجة أن ذلك يؤدي إلى تكذيب حديث الرسول في قوله:"يخوف مهما عباده"، فنقول: إن هذا تصور من هؤلاء لأنه لا تنافي بينهما، فالله يقدر الشيء بأسبابه تخويفًا لعباده، الصواعق أليس لها أسباب؟ بلى، لها أسباب ويخوف الله بها العباد، والزلازل لها أسباب حسية معلومة ويخوف الله بها العباد، وكذلك الرياح وغيرها، فالأسباب الكونية لا تنافي الحكم الشرعية؛ لأن الفاعل واحد وهو الله عز وجل.
إن قال قائل: كلامكم هذا يعارض ما جاء في التاريخ من أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في اليوم العاشر من شهر ربيع الأول، أو في الثاني عشر منه، أو في الثامن منه، وهذا على قولكم لا يتطابق مع ما قررتموه، لأنه إذا كان في اليوم الثاني عشر، أو العاشر، أو الثامن والشمس هي التي كسفت فالقمر بعيد منها لا يمكن أن يحول بينها وبين الأرض؟
فالجواب على ذلك: أن هذا لا يصح، قول المؤرخين هذا لا يصح؛ ولهذا اختلفوا فيه، فليس هناك سندٌ صحيح يقول: إنه في اليوم الثاني عشر، أو الثامن، أو العاشر، ولهذا حسبه المتأخرون من أهل الفلك ووجدوا أنه - أي: كسوف الشمس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان في يوم الثلاثاء الموافق تسع وعشرين شوال سنَّة عشر من الهجرة، وعلى هذا فلا إشكال فيه؛ لأن يوم التسع والعشرين يكون القمر قريبًا من الشمس يمكن أن يحول بينها وبين الأرض فيحصل الكسوف.
كذلك أيضًا قد يقول قائل: إن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا وقع الكسوف يوم الوقوف بعرفة - يعني: كسوف القمر - بعد أن غابت الشمس كسف القمر، فإنه يصلى الكسوف ثم يدفع على كلام الفقهاء فيدل على أن الأمر غير ما ذكرتم لأنهم قالوا هذا ثم عللوا، قالوا: "يتصور كسوف الشمس والقمر كل وقت والله على كل شيء قدير، التعليل صحيح لكن ما ينطبق على المعلل، الله على كل شيء قدير، التعليل صحيح لكن ما ينطبق على المعلل إنه يتصور كل وقت لأننا نقول: إذن ويتصور أن تطلع الشمس عند مغيب الشفق والله على كل شيء قدير، فالشيء ليس بالنسبة لقدرة الله، قدرة الله لا يحول دونها شيء، لكن الكلام على العادة المنتظمة التي أجراها الله عز وجل التي تقتضيها حكمته ألا يقع الكسوف - كسوف الشمس - إلا في وقت الاستتار في آخر الشهر ولا يقع كسوف القمر ألا في وقت الإبدار الرابع عشر أو الخامس عشر، ونحو ذلك.
الكسوف هل يمكن أن يكون على بعض الأرض دون بعض؟ نعم يمكن، وهذا يدل على أن نور الشمس والقمر لا يذهب وإنما يستتر وينحجب، لا يذهب لأنه لو ذهب لكان الكسوف إذا وقع في أرض لزم أن يكون واقعا في كل الأراضي وليس الأمر هكذا، بل ربما يقع في نقطة من الأرض كليًّا، وفي نقطة أخرى جزئيًّا، وفي نقطة ثالثة لا شيء كما هو معلوم، كما أنه الآن لو حالت سحابة بيننا وبين الشمس صارت على النقطة التي تحتها الشمس محجوبة لكن على النقطة الأخرى الشمس بادية، وعلى النقطة التي بينهما الشمس نصفها ظاهر ونصفها محجوب، صلاة الكسوف ما دام الكسوف آية من آيات الله ليس من الأمور العادية وإنما هو شيء خارج عن العادة لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كان من الحكمة أن تكون له صلاة من آيات الله خارجة عن المعتاد بالصلوات، السبب خارج عن المعتاد، والصلاة خارجة عن المعتاد أيضًا، وهذا مما يدلك على تناسب الشرع والقدر، وأنه لا تنافر بينهما ولا تنافي بينهما.