الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى تسقط الفاتحة:
274 -
وعن عبد الله بن أبى أوفى رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا، فعلمني ما يجزئني منه. فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
…
". الحديث رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم.
قوله: "لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا" يعنى: لا أستطيع أن أقرأ القرآن في الصلاة، أو المعنى: أن آخذ شيئًا من القرآن في الصلاة، وليس المعنى: أنه لا يستطيع أن يأخذ شيئًا من القرآن بالتعليم، فإن هذا بعيد لاسيما في عهد الصحابة رضي الله عنهم.
قوله: "فعلمني ما يجزئني منه""من" هنا بدلية؛ أي: ما يجزئني بدلا عنه، وتأتي "من" للبدل، ومثالها قوله تعالى:{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [الزخرف: 60]. هنا يتعين أن تكون "من" بمعنى: بدلكم، وليس المعنى: أن يجعل الله منا ملائكة، لا المعنى: أن يجعل بدلكم ملائكة، ومنه قولك:"بعت هذا الشيء بكذا" فإن "الباء" هنا للبدل.
يقول: "فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، قال:"قل: سبحان الله" أي: تسبيحًا لله عز وجل، و"سبحان" اسم مصدر منصوب على المفعولية المطلقة وعاملها محذوف وجوبًا، ومعنى التسبيح: تنزيه الله تبارك وتعالى عن كل ما لا يليق به من فعل أو وصف مأخوذ من قولهم: "سبح في الماء": إذا مشى فيه وأبعد، وقوله:"الحمد لله" الحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، فإذا جمعت سبحان مع الحمد حصل الكمال المطلق، الكمال الخالي من أي نقص، الخلو من النقص يستفاد من قوله:"سبحان"، والكمال من قوله:"الحمد لله".
وقوله: "ولا إله إلا الله" كلمة الإخلاص -نسأل الله أن يميتنا وإياكم عليها- كلمة الإخلاص أي: لا معبود حق إلا الله عز وجل فكل ما يعبد من دون الله وإن سمي إله فإنه باطل لا يصح أن يسمى بذلك كما قال الله عز وجل: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62]. إذا كان لا معبود إلا الله، فسيأتي -إن شاء الله- في الفوائد أن ذلك يستلزم ألا تعبد أحدًا سوى الله عز وجل؛ لأنك أقررت بأنه لا معبود حق إلا الله.
"والله أكبر" يعني: أكبر من كل شيء في الذات والوصف، وفي كل شيء، فإن الله -تبارك
وتعالى- قال في كتابه العزيز: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر: 67]{وله الكبرياء في السماوات والأرض} [الجاثية: 37]. الكبرياء في المعنى، ولا يوصف أحد بالكبر سوى الله عز وجل من وصف بالكبر سوى الله فهو ناقص، فالكبر وصف نقص بالنسبة للمخلوق، ووصف كمال بالنسبة للخالق.
"ولا حول ولا قوة إلا بالله" حول بمعنى: تحول؛ فهي اسم مصدر؛ لأنها دلت على معنى المصدر ولم تضمن حروفه، المعنى: لا تحول ولا قوة على التحول إلا بالله؛ فالأول: الإرادة، والثاني: الفعل، أو إن شئت فقل: الثاني القوة ويترتب عليها الفعل، والمعنى: أنه لا أحد يستطيع أن يتحول من حال إلى أخرى إلا بالله، والباء هنا في قوله "إلا بالله" للاستعانة، و"العلي" أي: ذو العلو مكانة ومكانًا، فإن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وهو العلي بصفاته عن كل شيء، فيشمل هنا العلو المعنوي والعلو الحسي، "العظيم" أي: ذو العظمة في جميع صفاته، علمه عظيم، قدرته عظيمة، سمعه عظيم.
فهذه خمس جمل تجزئ عن الفاتحة لمن لم يستطيع أن يقرأها.
قال: "الحديث"، الحديث يقولون: إنه يجوز أن تقرأه بالنصب يعني: أكمل الحديث، أو يكون مجرورًا على نزع الخافض على تقدير المضاف، أي: إلى آخر الحديث.
في هذا الحديث فوائد وهي: سقوط قراءة الفاتحة عمن عجز عنها، ولكن هل يجب على الإنسان أن يتعلم الفاتحة أو لا؟ الجواب: يجب، وإذا لم يتعلمها، يعني: لم يجد من يعلمه إلا بأجرة وجب عليه أن يستأجره ويعلّمه إياها، لأن قراءة الفاتحة واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من عجز عن القرآن أجزأه ما ذكره، ولكن لو عجز عن الفاتحة وقدر على غيرها، فهل يلزمه أن يقرأ غيرها دون هذا الذكر، أو ينتقل من الفاتحة إلى هذا الذكر؟ الظاهر الأول، ولكن ظاهر الحديث: الثاني، وقد يقال: إن هذا ليس ظاهر الحديث؛ لأنه يقول: "لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا"، فيعم الفاتحة وغيرها، والأول هو الذي مشى عليه الفقهاء رحمهم الله وقالوا: إذا كان لا يستطيع الفاتحة ولكن معه شيء من القرآن وجب عليه أن يقرأ ما معه من القرآن، سواء كان بقدر الفاتحة أو أكثر أو أقل، لكن لا يلزمه ما زاد على الفاتحة، فلو فرضنا أنه يحفظ سبع آيات الآية منها أطول من آيات الفاتحة لم يلزمه إلا مقدار الفاتحة، وإذا لم يحفظ من القرآن إلا أقل من الفاتحة لم يلزمه سواها، وهل يكتفي به أو يكمل من هذا الذكر؟ نقول: يكتفى به؛ لأن ما معه من القرآن من جنس الفاتحة فيكتفي به.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان مؤتمن على دينه، فإذا قال: لا أستطيع. لا تقول: احلف أنك لا تستطيع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحلفه، وعلى هذا لو وجب على الإنسان كفارة ظهار وقال: لا أجد رقبة تحلفه؟ لا، قال: لا أستطيع أن أصوم تحلفه؟ لا، إذا قال: لا أستطيع أن أطعم تحلفه؟ لا، وكل هذا قد جاءت به السنة وذلك في حديث من جامع في نهار رمضان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحلف الرجل، ولا يجوز أن يحلف الإنسان على دينه؛ لأنه مؤتمن عليه، ولو قال الرجل: إني قد أخرجت زكاتي نحلفه؟ لا نحلفه، ولو قلنا له: صل. فقال: صليت لا نحلفه؛ لأن الإنسان مؤتمن على دينه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن هذه الكلمات الخمس تجزئ عن الفاتحة، مع أنها من حيث الكم أقل من الفاتحة أو أكثر؟ أقل، فيترتب عليه فائدة: وهي أن المبدل لا يلزم أن يكون مساويًا للمبدل منه. وهذا واضح وله أمثلة؛ مثًلا في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام بدل الصيام إطعام عشرة مساكين؛ فصار البدل ليس كالمبدل منه، فلا يلزم من كون الشيء بدلًا عن الآخر أن يكون مساويًا له.
ومن فوائد هذا الحديث: الجمع بين تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به والثناء عليه بما هو أهل له لقوله: "سبحان الله، والحمد لله"، وهذا هو غاية ما يكون من وصف الكمال.
ومنها: الإشارة إلى أنه يبتدأ بالتخلية قبل التحلية؛ يعني: يبتدأ بالشيء المنفي قبل الشيء المثبت، ووجهه: ليرد الشيء المثبت على شيء خال مما ينافيه، تؤخذ من قوله:"سبحان الله، والحمد لله"، بل حتى كلمة الإخلاص فيها هذا "لا إله" نفي، "إلا الله" إثبات، وقد قيل: التخلية قبل التحلية، وهذا كما أنه في المعقولات هو أيضًا في المحسوسات، فالإنسان عندما يريد أن ينظف المكان هل يأتي بالأشياء التي تجمل، أو يزيل الأشياء المؤذية الوسخة أولًا؟ الثاني، فهو في المحسوسات والمعقولات.
ومن فوائد هذا الحديث: تنزيه الله تبارك وتعالى عن كل ما يليق به لقوله: "سبحان الله" ووصفه بالكمال لقوله: "الحمد لله".
ومنها: فضيلة كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله"، وإذا اعتقد الإنسان هذا الاعتقاد صادقًا فإنه ينتفي عنه أن يعبد أي شيء سوى الله عز وجل ويكون مقصوده الأعظم هو الله عز وجل لا يلهيه عن ذلك دنيا ولا مناصب ولا أولاد ولا غيرها، ومعلوم أن عبادة غير الله أنواع كثيرة: من سجد لصنم فقد عبد غير الله فيكون كاذبًا في قوله لا إله إلا الله، ومن تعلق قلبه بالدنيا وليس له هم إلا الدنيا فإنه لم يحقق عبادة الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم،