الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا صلاته لا تصح؛ لأن هذا الفسق يخل بالصلاة، وكذلك لو أن الإنسان كان مسبلًا لثوبه، وإسبال الثوب محرم ومن كبائر الذنوب، وعند كثير من أهل العلم أن المسبل لا تصح صلاته؛ لأن ثوبه محرم، وبناء علي ذلك لو صلى بنا الإمام مسبلًا فالصلاة لا تصح؛ لأننا صلينا خلف إمام أتي بما يخل بالصلاة فتكون صلاة الإمام باطلة، وكذلك المأموم صلاته باطلة، أما من كان فسقه لا يتعلق بالصلاة كالغش والنميمة والغيبة وما أشبه ذلك فالصواب أن إمامته تصح.
تسوية الصفوف والمقاربة بينها:
393 -
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق". رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان.
قال صلى الله عليه وسلم: "رصوا صفوفكم"، يعني: في الصف، والرص معناه انضمام بعضهم إلي بعض وليس المراد بالرص أن يحمل الإنسان نفسه علي الآخر بحيث يضيق عليه فإن خارج عن الأمر الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم، بدليل الأحاديث الأخرى؛ ولأن هذا الرص يشغل المصلي أكثر مما يوجب له من الخشوع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "رصوا صفوفكم" يشمل الأول والثاني والثالث، كلها ترص، وقوله:"قاربوا بينها" يعني: بين الصف والصف؛ أي: لا تبعدوا، بل "قاربوا بينها"، وهذا يشمل حتى مقاربة الإمام مع الصف الأول؛ لأن الذين خلفه صفوف كلهم، ولهذا قال الفقهاء- رحمهم الله يسن تقارب الصفوف بعضها إلي بعض وقرب الإمام منها. الآن نجد في بعض الجهات الصفوف قد لا تكون متقاربة، وفي بعضها تكون الصفوف متقاربة لكن يكون الإمام بعيدًا عنهم وهذا خلاف السنة، السنة: أن يدنو من الصف الأول وكل صف يدنو من الآخر، "وحاذوا"، ما معني المحاذاة؟ هي المساواة، "حاذوا بالأعناق"، يعني: تكون أعناقكم متحاذية، والأعناق: هي الرقاب، ويلزم من تساوي الأعناق تساوي بقية الجسم؛ لأن العنق علي مستوي الجسم تمامًا، هذه كلها كما رأيتم أوامر.
يستفاد منها فوائد أولًا: مشروعية المراصة لقوله: "رصوا صفوفكم" وهل هذه المشروعية مشروعية وجوب أو مشروعية استحباب؟ جمهور العلماء علي أنها مشروعية استحباب ولكن ظاهر النص أنها مشروعية وجوب وذلك؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الشياطين تدخل من بين المصلين كالحذف، يعني: أولاد الضأن الصغار، ومعلوم أن فتح المجال للشياطين لتدخل بين المصلين أمر يقتضي تسلط الشياطين عليهم، حتى تفسد عليهم
صلاتهم، ومما يقوي الوجوب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قطع صفًّا قطعه الله" وهذا وعيد يقتضي أن يكون الأمر بالمراصة على سبيل الوجوب.
ومنها: مشروعية المصافة لقوله "صفوفكم" وهو ظاهر، ولهذا يجب على الإنسان أن يصلي في الصف كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
ومنها: مشروعية المقاربة بين الصفوف لقوله "وقاربوا بينها"، وهذا الأمر للاستحباب، وذلك لأنه لم يد في مخالفته مثل ما ورد في مخالفة المصافة، ولكن القرب بينها ما حدُّه؟ الظاهر أن حده إلى محل السجود ما دام ليس له هذا القرب، نقول: حده: أن يتمكن الصف الثاني من السجود خلف الأول براحة.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: المحاذاة بالأعناق، وعندنا في هذا أمران: محاذاة وكونها بالأعناق، أما المحاذاة فقد امر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والأصل في الأمر الوجوب، ويدل عليه الأحاديث الآتية -إن شاء الله تعالى- الدالة على وجوب تسوية الصف، وأما قوله:"بالأعناق" فهذا إرشاد إلى الوسيلة التي يحصل بها المحاذاة، وهي أن يكون عنقي حذاء، عنق جار من اليمين واليسار.
لكن لو تحاذينا بغير الأعناق بالمناكب مثلًا يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأنه قد حصل به المقصود؛ لأن هذا إرشاد إلى وسيلة تحصل بها المحاذاة، وما كان كذلك فإنه يذكر على سبيل المثال فقط وليس على سبيل التعيين.
لو قدر أن أحدًا عنده حدب من المأمومين كيف يحاذي بالأعناق؟ يتعذر، فيحاذي بالأكعب، ولهذا نصَّ الفقهاء رحمهم الله أيضًا على الأكعب؛ لأن الغالب أن الأكعب لا يخصل فيها خلاف، ثم إن الأكعب مركب عليها البدن تمامًا حتى لو خطا الإنسان بكعبه يتبعه البدن، إذن هذا من فوائد الحديث: وجوب المحاذاة بين الصفوف وهو الضحيح.
ومن فوائد هذا الحدبث: الإشارة إلى المعنى الذي من أجله شرعت الجماعة وهو الالتئام والاجتماع والتآلف، وذلك بالتقارب والمحاذاة والمراصة. ما رأيكم لو كان المسجد كبيرًا واسعًا حتى صار الصف الأول بينه وبين الثاني عشرة أمتار، وما بين الثاني والثالث عشرة أمتار وهكذا هل يحصل الاجتماع والالتئام؟ لا، بل يشعر كل واحد كأنه بعيد من الثاني، وكذلك لو حصل التفرق بين الأقدام في الصف الواحد، فلا يكون هناك اجتماع، ثم إن التساوي أيضًا بالمحاذاة سبب تام للتآلف وعدم الاختلاف؛ لأن الواحد إذا تقدم على أخيه لا شك أنه يصير