الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين تسقط عنهم الجمعة:
446 -
وعن طارق بن شهابٍ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعةٍ إلا أربعًة: مملوك، وامرأة، وصبي، ومريض". رواه أبو داود، وقال:"لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم". وأخرجه الحاكم من رواية طارقٍ المذكور عن أبي موسى.
على رواية الحاكم يكون الحديث متصلًا قوله: "الجمعة حق واجب"، ما المراد بالجمعة؟ يعني: صلاة الجمعة، وقوله:"حق واجب" كلمة "واجب" صفة لحق، وهي في المعنى توكيد له، إذ إن الحق هو الشيء الواجب الثابت.
وقوله: "على كل مسلم إلا أربعة" كلمة مسلم تخرج الكافر؛ لأن الكافر لا يخاطب بالجمعة، ولا غيرها من الصلوات، يخاطب أولًا بالإسلام.
وقوله: "في جماعة" هذا بيان لكونها لا تصح على انفراد بل لابد أن تكون في جماعة، فإذا أضفت "واجب على كل مسلم في جماعة" فربما تشعر بأنه لابد من ثلاثة رجال فأكثر، يعني: عندنا هذا الذي أوجبناها عليه في جماعة قبله، وأقل جماعة في الصلاة اثنان في الجمعة ثلاثة. "إلا أربعة" أربعة معينون بالشخص أو بالوصف؟ بالوصف.
أولًا: "مملوك" المملوك العبد ليس عليه جمعة؛ لماذا؟ لأنه مشغول بخدمة سيده، فإن كان مبعضًا بعضه حر وبعضه عبد هل تجب؟ ينظر إن كان بينه وبين سيده مهايأة بحيث يصادف يوم الجمعة الوقت الذي هو فيه مالك لمنفعته فإن الجمعة تجب عليه، ومعنى مهايأة أن يقول:"لك يا سيدي يوم ولي يوم"، فإذا كان كذلك وصادف الجمعة فإنه تلزمه؛ لأنه حينئذٍ مالك لنفسه في ذلك اليوم.
ثانيًا: "وامرأة" لا تجب عليها الجمعة؛ لأنها ليست من أهل الجماعة والاجتماع مع الرجال.
ثالثًا: "وصبي" لماذا؟ لأنه ليس من أهل التكليف، فقد رفع القلم عن ثلاثة منهم:"الصبي حتى يبلغ".
رابعًا: "ومريض"، لماذا؟ لأنه لا يستطيع.
الأربعة الآن من وجهة نظر ثانية "المملوك" الآن هل هو تخلف شرط أو وجود مانع؟ وجود مانع، "والمرأة" تخلف شرط، "والمريض" وجود مانع.
فالمملوك لا تجب عليه الجمعة لوجود المانع، والمعروف من المذهب أنه لفوات الشرط؛
ولذلك لا يرون أن المملوك أهل لإمامة الجمعة ولا تكميل العدد - عدد الجمعة - على القول بأنها لها عددًا وهو المعروف بأن أقله ثلاثة، ويرون أيضًا أن المملوك لا تجب عليه الجمعة، ولو أذن له سيده وذلك لفوات الشرط، وقال بعض أهل العلم إن المملوك تجب عليه الجمعة مطلقًا، وأن حق الله مقدم على حق السيد، وأن هذا الحديث ضعيف ضعفه أهل الحديث وقالوا أن المملوك كغيره من المكلفين تجب عليه الجمعة، وحق الله مقدم على حق الآدمي وهذا مذهب الظاهرية، واستدلوا بالعموم - عموم الآية-: } يايها الذين امنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله {[الجمعة: 9]. وهو من المؤمنين فيجب عليه الحضور، وقال بعض العلماء: إن المملوك لا تجب عليه الجمعة لوجود مانع وهو اشتغاله بخدمة سيده، وبناء على ذلك إذا أذن له سيده وجبت عليه الجمعة؛ لأن المانع زال، وهذا القول أعدل الأقوال وأوسطها؛ لأن المملوك لا يملك نفسه في الحقيقة، فإذا كان هناك مانع يعني: كما إذا لم يأذن له سيده بالجمعة فإنه لا يستطيع أن يتخلص منه، فيكون معذورًا، وإذا أذن له زال العذر.
فالصواب: أن عدم وجوب الجمعة على المملوك لا لاختلاف الشرط، ولكن لوجود المانع، هل نقول: إن مثله الأجير الحر؟ فيقال مثلًا: أنا مستأجر واحد يعمل عندي يوم الجمعة، فزمنه مملوك لي، لكنهم يقولون: إن هذا - أي: حضور الجمعة - مستثنى شرعًا ما شمله عقد الإجارة بخلاف المملوك، المملوك مملوك عينه ومنفعته لسيده، وأما المستأجر فلا، وبناء على ذلك يكون الجواب ما ذكر على أن الأجراء لا يجوز أن يدعوا الجمعة من أجل أن يقوموا بما استؤجروا عليه، نعم إذا كان هناك شيء يحتاج إلى حراسة ولم يمكن أن يقوم به سوى هذا الرجل، فإن الفقهاء رحمهم الله يرون أن ذلك عذر في ترك الجمعة والجماعة.
وقوله: "وامرأة" المرأة لا تجب عليها الجمعة لفوات الشرط؛ لأنها ليست من أهل الجمعات والجماعة؛ ولهذا لا يصح أن تكون إمامة الجمعة، ولا تحسب من العدد المشترط في الجمعة لفوات الشرط.
"وصبي" لفوات الشرط أيضًا؛ لأنه ليس أهلًا للتكليف فلا تلزمه الجمعة، بل ولا الجماعة، ولا غيرها من العبادات، لكنه يؤمر بالصلاة لسبع ويضرب عليها لعشر تأديبًا له وترويضًا له على العبادة، وليس لأنها واجبة عليه.
"ومريض" المريض لا تجب عليه الجمعة لوجود المانع، وهو المرض الذي يمنعه من الصلاة، ولهذا لو حضرها المريض أجزأته وانعقدت به وصح أن يكون إمامًا فيها، وظاهر الحديث الإطلاق:"مريض" ولكنه علق بوصف وهو المرض لسبب وهو المشقة، فإذا كان المرض يسيرًا لا يشق معه حضور الجمعة، فإنه يجب عليه حضور الجمعة، فهنا المرض ليس
هو العلة لكن هو سبب العلة، والعلة الحقيقية هي المشقة، ولذلك لو كان هناك مشقة في غير مرض - كما لو كان هناك مطر ووحل - فإنه يجوز ترك الجمعة كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام لأنه فعل يجوز لأجل المشقة، فالمرض هنا ليس العلة ولكنه سبب العلة وهي المشقة، ولكنه إذا حضر أجزأته.
447 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على مسافرٍ جمعة". رواه الطبراني بإسنادٍ ضعيفٍ.
يقول المؤلف: سنده ضعيف، وعلى هذا فلا يعتمد عليه من جهة إسناده، ولكن لننظر في معناه هل هو موافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو مخالف؟ نقول: أما إذا كان الإنسان في سفر، يعني: جماعة مسافرون، فإنه لا جمعة عليهم، ولا تشرع لهم الجمعة، ولا تصح منهم الجمعة؛ لأن هدي النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره أنه لا يصلي الجمعة، ولو كانت واجبة لصلاها أو مشروعة لصلاها، فلما لم يفعل علم أنها ليست مشروعة وليست من هديه عليه الصلاة والسلام، وهاهو في أعدل مجتمع تجتمع الأمة فيه يوم عرفة كان يوم جمعة كما هو معروف في حجة الوداع وهل صلى الجمعة أو لا؟ لا، قال جابر:"فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا". هذا في المجمع الكبير الذي سينفض الناس وهم يعرفون أنه ليس في السفر جمعة وهذا واضح في أن المسافر لا تجب عليه الجمعة في نفسه ولا تشرع له ولا تصح منه.
أما إذا كان مسافرًا في بلد وسمع النداء فهل تلزمه الجمعة حينئذٍ إذا كان لا يتضرر بانتظارها، أو نقول: إنها لا تلزمه؟ المشهور من المذهب: أنه إن كان يلزمه الإتمام لزمته الجمعة في غيرها، وإن كان لا يلزمه الإتمام لم تلزمه لا بنفسه ولا بغيره؛ لأن الجمعة على المذهب لا تلزم الإنسان لا بنفسه ولا بغيره، وتلزمه بغيره لا بنفسه، وتلزمه في نفسه، ومعلوم الذي تلزمه بنفسه تلزمه بغيره من باب أولى.
[زيادة توضيح]: المرأة مثلًا: لا تلزمها الجمعة لا بنفسها ولا بغيرها، حتى لو سمعت النداء لا يجب عليها أن تحضر، لا بنفسها ولا بغيرها، حتى لو أقيمت الجمعة لا يلزمها، المسافر الذي أقام في البلد مدة تقطع السفر على المذهب فوق أربعة أيام هذا يقولون: تلزمه الجمعة بغيره لا بنفسه، ما معنى ذلك؟ يعني: إن أقيمت الجمعة يلزمه حضورها، وإن لم تقم لم
تلزمه، وأيضًا هو نفسه لا يصح أن يكون إمامًا فيها ولا خطيبًا، ولا يحسب من العدد؛ لأنه ليس ممن تلزمه بنفسه، إذا كان هذا المسافر لا يلزمه الإتمام كما لو كانت نيته أن يقيم أقل من أربعة أيام وهذا التفريع على المذهب، أو كان مقيمًا لحاجة ولا يدري متى تنقضي فقد يبقى عدة سنوات فهذا الرجل يقولون: لا تلزمه الجمعة لا بنفسه ولا بغيره؛ يعني: أنه لو أقيمت ما يلزمه، عند عتبة المسجد ويسمع النداء لا نقول: ادخل صل لماذا؟ لأنه مسافر فلا تلزمه الجمعة لا بنفسه ولا بغيره، ولو دخل لا يكمل به العدد، ولا يصح خطيبًا، ولا يصح إمامًا، وبناء على كلامهم رحمهم الله المسافرون الآن الذين يسافرون للدراسة ويبقون أربع سنين، أو خمس، أو عشر سنين وهم يعلمون ذلك، هل يحسبون من العدد؟ لا، ولا تنعقد بهم الجمعة، ولا تلزمهم وإذا فعلوا لم تصح، وعلى هذا لو وجدنا ولاية من الولايات في أمريكا أو غيرها كل الذين فيها من المسلمين كلهم جاءوا للدراسة ليسوا مستوطنين ثم أقاموا الجمعة فإن الجمعة على المذهب لا تصح منهم ويلزمهم أن يعيدوها ظهرًا، فإذا قدموا إلينا مثلًا وهم قد أقاموا هناك خمس سنين، وقالوا المدة هذه كنا نقيم الجمعة نقول: لا تصح الجمعة منكم، كم يقضون؟ يقضون الجمعة ظهرًا خمس سنين، وهل يقضونها ظهرًا تامًا أو مقصورًا؟ تامًا على المذهب؛ لأنهم يقولون: إن من وجب عليه صلاة السفر ثم ذكرها في الحضر وجب عليه الإتمام أربعًا، هذا هو معنى قولنا:"تلزم بغيره أو بنفسه، أو لا تلزم لا بغيره ولا بنفسه".
ولكن ظاهر الأدلة الصحيحة عندنا أن المسافر تلزمه الجمعة ولو كان لا يريد البقاء إلا يومًا أو يومين أو أكثر، ما دام سمع النداء يجب عليه الحضور لعموم قوله تعالى: } يأيها الذين أمنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع {[الجمعة: 9]. هذا نداء عام، نقول: من أخرج المسافر الذي أقام ينتظر حاجته ثم يرجع من أخرجه من هذا العموم فعليه الدليل، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى وهو الصحيح؛ لأنه ينبغي لنا إذا جاءنا عموم أن نحكم بهذا العموم على جميع الأفراد ما لم يرد تخصيص، هذه القاعدة الشرعية التي مشى عليها النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما علمنا أن نقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - قال: "إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض"؛ إذن صار العموم يعم جميع الأفراد، مع أني في ظني أن المصلي ما كان يقصد بذلك وهو يسلم على الملائكة أنه يسلم على الأموات السابقين أو الأموات الذين سيأتون من الصلحاء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يسلم على كل عبد صالح في السموات والأرض، إذن} يأيها الذين أمنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع {الآية [الجمعة: 9]. نحن قد عرفنا أن اسم الموصول يفيد العموم، وهذا المسافر من الذين آمنوا فيجب عليه السير إلى الجمعة.
448 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا". رواه الترمذي بإسنادٍ ضعيفٍ، قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.
هذا الحديث يقول: "إذا استوى"، معنى "استوى": علا عليه واستقر، "استقبلناه بوجوهنا" يعني: صرفنا وجوهنا إليه لأجل أن يطابق الوجه القلب، ولا شك أن كون الإنسان ينظر إلى الخطيب ببصره يقوي نظره إليه بقلبه، فلهذا يعطي النظر إلى الخطيب، يعطيه قوة في وعي الخطبة.
وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند ولكنه من حيث المعنى قوي، إلا أنه كما قال بعض أهل العلم: خاص بمن كان قريبًا؛ بحيث إذا صرف وجهه عن الخطيب لا ينحرف عن القبلة، أما البعيد الذي لا يمكن إلا بانحرافه عن القبلة، فإن استقبال القبلة أهم ثم هو يعالج نفسه في إحضار قلبه، وبه نعرف أن الخطيب نفسه لا يلتفت، خلافًا لمن استحسنه من بعض الخطباء أن الخطيب يلتفت يمينًا ويسارًا، فنقول: الخطيب مقصود وليس بقاصد، الناس يتجهون إليه ولا يتجه إليهم هذا هو المعروف من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الإنسان المعلم فلا بأس به، وأيضًا إن التفات المعلم فيه فائدة لأجل تذكير الغافل وإيقاظ الذي ينعس حتى لا يحصل غفلة، المهم أن الخطيب يستقر على المنبر ويقصد - كما قال الفقهاء رحمهم الله تلقاء وجهه، أما الذين حوله فيلتفتون إليه؛ لأنه أبلغ في حضور القلب فيتطابق الوجه والقلب في الاتجاه إلى الخطيب.
- وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة.
أحيانًا نسمع في كلام المحدثين "شاهد"، "متابع"، أو ما أشبه ذلك ما الفرق بين الشاهد والمتابع؟ الشاهد في المتن معناه: أن هذا المتن له شاهد من حديث صحابي آخر، وأما المتابعة فهي بأن يوافق الراوي لفظًا آخر، ثم إنها تكون تامة إذا كان الأخذ عن الشيخ، وتكون قاصرة إذا كان الأخذ عمن فوقه؛ أي: فوق شيخه.
حكم الاعتماد على عصًا أو قوس للخطيب:
449 -
وعن الحكم بن حزنٍ رضي الله عنه قال: "شهدنا الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام متوكئًا على عصًا أو قوسٍ". رواه أبو داود.
قوله: "شهدنا" يدل على أن معه جماعة، وهو كذلك، عندي في الحاشية يقول: "قدمت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، أو تاسع تسعة" فيكون معه جماعة، وهؤلاء - فيما يظهر - قدموا وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يقدمون إليه وفودًا، كما أنه كان يبعث إلى الناس من يدعوهم إلى الله، وبهذا انتشرت الدعوة الإسلامية من المدين جميعًا مد من مكان الدعوة إلى مكان المدعوين، والمد الآخر بالعكس يأتي المدعوون إلى مكان الدعوة فينتفعون، نظير ذلك الآن أننا من هنا - من هذه المملكة - نعطي منحًا لأناس بعيدين يدرسون في الجامعة، ونبعث أناسًا يدعون إلى جهات بعيدة يدعون بعد أن يدرسوا فتكون الدعوة الإسلامية من الناحيتين تعطي فتتبع الناس وتفتح المجال لمن أراد أن يحضر ويتفقه في الدين.
وقوله: "فقام متوكئًا على عصًا أو قوس""أو" هنا للشك من الراوي، هل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عصًا أو قوس، هذا إذا كان الشك من الحكم نفسه، أما إذا كان الشك ممن بعده فيكون الشك هل قال: الحكم قوس أو عصًا؟ وقوله: "فقام متوكئًا" ما معنى التوكأ، أي: الاعتماد، وإنما يعتمد من أجل أن يكون أثبت له وأنشط وأقل تكلفًا، الاعتماد يعطي الإنسان قوة ونشاطًا وثباتًا كما أنه أيضًا يعفيه من الضعف أو يمنعه من الضعف.
وقوله: "متوكئا على عصًا أو على قوس" أخذ أهل العلم من ذلك أنه يستحب للخطيب أن يعتمد على قوس أو عصًا، وزاد بعضهم:"أو سيف"، لكن السيف لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، إنما ورد القوس أو العصا، على أن ابن القيم رحمه الله يقول: إن اعتماده على القوس أو العصا إنما كان قبل أن يبنى له المنبر، أما بعد أن بني له المنبر فإنه لم يكن يعتمد على شيء، وربما يقال: إن مسألة الاعتماد ليست من المسائل التعبدية، وإنما هي مسألة ترجع إلى الحال التي تقتضيها، فإذا كان الخطيب يحتاج إلى الاعتماد لكونه ضعيف البدن، أو كبير السن، أو ليس عنده ما يعتمد عليه في الخطبة فإنه يأخذ العصا أو القوس من أجل أن يعتمد عليها، وأما إذا لم يكن كذلك فإننا لا نطلب منه أن يستصحب العصا أو القوس، وأما السيف فإننا لا نستحبه مطلقًا خلافًا لمن قال به من الفقهاء؛ وذلك لأنه لم يرد؛ ولأن فيه إرهابًا للناس، والمقام ليس مقام إرهاب؛ لأن الذي أمامه أعداء أو أولياء؟ أولياء فلا حاجة إلى أن نرعبهم بالسيف.
وأما ملاحظة بعض العلماء بأنه إشارة إلى أن هذا الدين فتح بالسيف ففيه أيضًا نظر؛ لأن السيف إنما يستعمل عند الحاجة إليه، أما إذا لم يحتج إليه فإن الدعوة تكون بالبيان والعلم، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا الناس بالبيان والعلم، وفتح صدور العالم بما جاء به من