الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إذا وضعتم الميت فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله"، فسمعه أحد الرواة، فحينئذ هل يرفعه أو يقفه؟ يقفه؛ أن ابن عمر ما رفعه ثم يحدِّث به ابن عمر على سبيل التحديث فيروى عنه مرفوعًا، وهذه هي القاعدة في مسألة الرفع والوقف أنه إذا تعارض الرفع والوقف وكان الرافع ثقة فإنه يؤخذ به؛ لأن معه زيادة علم، والزيادة من الثقة مقبولة، ولأن ذلك لا ينافي الوقف، فإن راوي الحديث قد يقوله من عند نفسه لتطبيق ما دل عليه الحديث.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي إذا وضع الميت في لحده أن يقول: "باسم الله، وعلى ملة رسول الله" والذي يقوله الواضع دون الذي حوله، فلو قاله الذين حوله فإن ذلك لا يكفي؛ لأن هذه السنة تتعلق بالفاعل، كما لو أن أحدًا رأى شخصًا يريد أن يذبح ذبيحة فقال الذين حوله:"باسم الله" ثم ذبحها الذابح، فهل تحل الذبيحة؟ لا، لا تحل؛ لأن ما علق على فعل الفاعل فلابد أن يكون صادرًا من الفاعل نفسه.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه ولو بقلبه عندما يفعل الفعل أنه متابع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: "وعلى ملة رسول الله"، وقد ذكرنا سابقًا: أنه ينبغي للإنسان عند فعل العبادة أن يستحضر شيئين: الأول: امتثال أمر الله- سبحانه وتعالى كأن الله يأمره الآن فهو ينفذ، والثاني: يشعر كأن الرسول صلى الله عليه وسلم الآن أمامه ليقتدي به؛ لأن هذا هو تحقيق الإخلاص والمتابعة.
الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:
549 -
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كسر عظم الميت ككسره حيَّا". رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط مسلمٍ.
"كسر" مبتدأ، وخبره "ككسره"، و"حيًّا" حال من الضمير في قوله:"كسره" يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه لا يجوز أن يكسر عظم الميت، أو بعبارة أصح: يقول- عليه الصلاة والسلام: إن كسر عظم الميت ككسر عظمه حيًّا، يعني: في الحرمة، والاحترام وعدم التعرض له؛ لأن المسلم- بل بعبارة أعم: لأن المعصوم- معصوم في حياته وبعد مماته، فالموت لا يهدر كرامة المعصوم أبدًا بل كرامته باقية، لا يقول قائل: إن هذا ميت لا يتألم كما قيل: [الخفيف]
من يهن يسهل الهوان عليه
…
ما لجرحٍ بميتٍ إيلام
فإنه وإن كان لا يتألم لكن له حرمة.
هذا الحديث يدل على عدة فوائد: أولًا: تحريم كسر عظم الميت إذا كان معصومًا، يؤخذ من قوله:"ككسره حيًّا"، ومن المعلوم بالنص والإجماع أنه لا يجوز الاعتداء على الحي بكسر عظمه. ويستفاد من الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بعد موته لأحد بشيء من أعضائه، لماذا؟ لأنه يلزم منه فصل هذا العضو عن الجسد، وفصله لا يجوز، ولهذا قال فقهاء الحنابلة: لا يجوز أن يفصل منه عضو بعد موته ولو أوصى به، قال مثلًا: إذا مت فخذوا من جسدي كذا وكذا لفلان؛ فإنه لا يجوز.
ويستفاد من الحديث: أنه لو ضاق القبر على الميت فإنه يجب أن يوسع حتى يمتد كاملًا، ولا يفعل كما يفعل بعض الجهال- والعياذ بالله- حيث ذكر لنا أن بعضهم إذا كان الميت قبره ضيقًا كسر عظامه وضم بعضه إلى بعض- والعياذ بالله- فإن هذا شناعة عظيمة، بل الواجب أن يبقى الميت على ما هو عليه بدون إهانة له.
ومن فوائد الحديث: أنه لو وجد شخص متقطع بحادث فإنه يضم بعضه إلى بعض، كما أن الحي لو تقطع أوصاله ثم أمكن جبرها فإنها تجبر، كذلك الميت يضم بعضه إلى بعض وتربط ويصلى عليها.
فإن قلت: لو وجد بعض حي مثلًا: رجل أصيب بحادث وانقطعت يده أو رجله وهو حي: فهل يصلى على رجله؟ لا؛ لأنه ما خرجت روحه هو حي، أما لو وجد بعض ميت بأن يكون هذا الإنسان أصابه حادث وتلف جسمه إلا رجله فإنه يصلى عليه- يصلى على رجله، وكذلك لو وجد جملته وفقد بعض أعضائه فإنه يصلى عليه، وقولنا في أثناء الشرح:"كسر عظم الميت ككسره حيًّا" قلنا: لابد أن يكون الميت معصومًا وهو المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، أما الحربي فإنه يجوز أن يكسر عظمه؛ لأنه لا حرمة له، ولكن إذا كان ذلك على سبيل التمثيل فإنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل كما مر علينا في حديث بريدة:"لا تمثلوا". أما إذا لم يكن على سبيل التمثيل فإنه لا بأس به، كيف ذلك؟ يعني مثلًا: انتهت الحرب وما أردنا أن نغيظ هؤلاء الكفار، ولكننا أردنا أن ننتفع بهذه الأعضاء من هذا الميت الكافر فالظاهر أن ذلك جائز؛ لأنه ليس من التمثيل به، وقد سبق لنا أنهم إذا مثلوا بنا فإننا نمثل بهم.