المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

477 -

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف". متفق عليه. وفي روايةٍ للبخاري: "حتى تنجلي".

478 -

وللبخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم".

"عهد" بمعنى زمان، وسمي الزمان عهدًا؛ لأن الإنسان يعهد به ويعلم به، وقوله:"يوم مات إبراهيم" هو ابن محمد رضي الله عنه، - وصلى الله وسلم على أبيه- وهذا الولد سماه النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم على اسم أبيه الخليل صلى الله عليه وسلم وبشر به أهله، وقال:"ولد لي الليلة ولد فسميته إبراهيم في الحال". وبه يعلم أن التسمية مشروعة حال الولادة إلا إذا كان الإنسان لم يهيئها، فإنه يسمى في اليوم السابع، وهذا الابن رضي الله عنه توفي وله نحو ستة عشر شهرًا، وحزن عليه النبي- عليه الصلاة والسلام حزنًا عظيمًا، حتى إنه رفع إليه وهو ينزع فبكى ودمعت عيناه، وقال- عليه الصلاة والسلام:"العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". وأخبر- عليه الصلاة والسلام أن له مرضعًا في الجنة ترضعه؛ لأنه مات قبل تمام الحولين، فكان له مرضعًا ترضعه في الجنة، وكان النبي- عليه الصلاة والسلام قد أعطاه أحد بيوت الأنصار خارج المدينة، وكان يخرج إليه بنفسه للاطلاع على حال هذا الولد.

فيستفاد من ذلك: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام كغيره من البشر يحب أولاده محبة طبيعية، وأنه يصلهم ويتعاهدهم، وهذا داخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

"فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم" بناء على عقيدة سائدة عندهم هي: أن الشمس تنكسف لموت العظيم أو القمر معلوم أن ابن النبي- عليه الصلاة والسلام من أعظم الناس فقالوا: كسفت الشمس لموته بناء على هذه العقيدة، واللام في قوله:"لموته" لماذا؟ للتعليل، لموت إبراهيم.

ص: 419

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله" والآيات جمع آية، وهي العلامة، وقد سبق لنا مرارًا أن الآيات نوعان: كونية، وشرعية، وأنها سميت آية؛ لأنها علامة حيث لا يقدر عليها إلا الله عز وجل فهي آية من آيات الله في حجمها ومنافعها وانتظامها وغير ذلك مما يتعلق بها.

"ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، هذه من الأمور الفلكية، والأمور الفلكية لا يستدل بها على حدوث شيء في الأحوال الأرضية، ولا يكون شيء من الأحوال الأرضية سببًا لها، ولكن قد يعاقب الله أهل الأرض بأمور سماوية لكونهم عصوا الله.

وقوله- عليه الصلاة والسلام: "لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، قوله:"ولا لحياته" استشكلها بعض أهل العلم من حيث قالوا: إنه ليس عند العرب عقيدة بأن الشمس والقمر ينكسفان لحياة أحد، فكيف قال:"ولا لحياته"؟ وأجاب بعضهم: بأن هذا من باب التعميم، يعني: كما لا ينكسفان للموت، لا ينكسفان للحياة.

قال: "فإذا رأيتموهما"، رؤية بصرية أو علمية؟ بصرية، وفيها حال مقدرة لزومًا وتقديرها:"فإذا رأيتموهما كاسفين"، لا بد من تقدير هذه الحال؛ لأن مجرد رؤية الشمس والقمر لا توجب الصلاة، "فإذا رأيتموهما" يعني: كاسفين.

"فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف" قوله: "فادعوا الله" بماذا ندعو الله؟ بأن يكشف ما بنا، وقد بين الرسول- عليه الصلاة والسلام أن من جملة ما ندعو به الله الاستغفار، فندعوه بالاستغفار من الذنوب، وندعوه بأن يكشف ما بنا، وقوله:"صلوا" هذا مطلق، ولكنه محمول على المقيد، ما هو المقيد؟ أن نصلي الصلاة المعهودة المشروعة في صلاة الكسوف، وقوله:"حتى ينكشف" أي: حتى يزول، يعني يزول الكسوف، و"حتى" هنا هل ترونها غائية أو تعليلية؟ أن نستمر عليه حتى ينكشف، وكلاهما حق، فإن الصلاة والدعاء من أسباب انجلائه، وكذلك يشرع أن نبقى على هذه الحال إلى أن ينكشف.

قال: وفي رواية البخاري: "حتى تنجلي" أتى المؤلف رحمه الله بهذه الرواية كالشرح للرواية الأولى، لأن الانكشاف يعني: الانجلاء.

يستفاد من هذا الحديث: أولًا: حكمة الله عز وجل حيث وقع الكسوف في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، وجه ذلك: لأجل أن يكون القول بإبطال تلك العقيدة في وقته ومحله، وحضور الشيء في وقته ومحله يكون له وقع في النفس أكثر.

وفيه أيضًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يصاب بالمصائب الدنيوية كما حصل بموت ابنه إبراهيم، وقد

ص: 420

قال- عليه الصلاة والسلام: "العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

ومن فوائد الحديث: استحباب التسمية بإبراهيم؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام سمي به لأجل أن يكون موافقًا لأسماء الأنبياء.

وفي الحديث أيضًا من الفوائد: أن الناس في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام عندهم من الصراحة ما يقتضي بيان الأمر على حقيقته حين قالوا: "انكسفت الشمس لموت إبراهيم"، مع أن هذا الأمر في السنة العاشرة من الهجرة، يعني: بعد أن رسخ الإيمان والتوحيد في قلوبهم، ومع ذلك قالوا هذا القول، ولكن لحكمة؛ أي: لأجل أن يبطله النبي- عليه الصلاة والسلام.

ويستفاد من الحديث: وجوب رد الباطل، وإن أجمع الناس عليه؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام رد هذا الباطل وإن كان الناس كلهم يقولون ذلك.

ومن فوائد الحديث: بيان أن الشمس والقمر من آيات الله عز وجل لقوله: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله".

ومن فوائده: أن آيات الله تعالى لا تنحصر في الشمس والقمر، لأنه قال:{من آيات الله} ، وآيات الله كثيرة، لكن أين المتأمل والمتدبر؟ ولهذا قال الله تعالى:{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} [فصلت: 37]. والغريب أن بعض أهل العلم استنبط من هذه الآية مشروعية صلاة الكسوف لا كيفيتها، وجه ذلك: يقولون: لأن العابدين لهما إذا كسفا فإنهم يرغبون عن عبادتها؛ لأنهما تغيروا وفسدا فلا يصحان إلها، وبعضهم عكس قال:"إنهما إذا كسفتا" فهو دليل على غضبهما على العابدين لهما، وحينئذ لا يسجدون لهما، فقال الله: لا تسجدوا لهما حين يسجد لهما هؤلاء، واسجدوا لله.

وعلى كل حال: فنحن في غنى عن هذا اللغط البعيد لكن ذكرته على سبيل الاستطراد.

ومن فوائد الحديث: أن الحوادث الأرضية لا تؤثر في الأحوال الفلكية، من أين تؤخذ؟ من قوله:"لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، فالموت والحياة وغيره لا تؤثر في الشمس ولا القمر ولا النجو، نعم قد تكون سببًا لأشياء أخرى- الحوداث- مثل المعاصي ممكن أن تكون سببًا لعدم نزول المطر أو سببًا للرياح المدمرة أو الصواعق المهلكة وما أشبه ذلك.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يعمل بالحساب في صلاة الكسوف "فإذا رأيتموهما"، وعلى هذا فلو أن الحساب أطبق على أن الليلة سيكون كسوفًا وصارت السماء غيمًا ولم يتبين هل نصلي أو لا؟ لا نصلي؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام علق ذلك بالرؤية.

ص: 421

ومن فوائد الحديث: أنه لابد أن يظهر ذلك الأثر أو يتبين لقوله: "إذا رأيتموهما"، فعلى هذا لو كانت بالشمس كسوف جزئي ما يرى إلا بطلبه فإن الظاهر أنه لا تشرع الصلاة؛ لأن هذا ليس فيه تخويف إذا كان لم يتبين ولم يظهر إلا بطلبه، فإننا نقول: الحمد لله الذي جعله لم يتبين، ولا نصلي حتى لو كنا نتوقع ذلك بسبب قول أهل الهيئة فإننا لا نصلي.

ومن فوائد الحديث: أنه لو حدثت آيات أخر أفقية أو أرضية لكنها خلاف العادة، فإننا هل نصلي أو لا نصلي؟ هذا موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه يصلي لكل آية خرجت عن المألوف فلو حدثت صواعق عظيمة متتابعة فخاف الناس منها فإنهم يصلون، ولو حدث زلزال في الأرض فإنهم يصلون، ولو حصل رياح مزعجة غير مألوفة فإنهم يصلون، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن بعض أهل العلم قال: لا يصلي إلا لكسوف الشمس والقمر فقط؛ لأنه في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام وجدت الرياح، والعواصف، والرعد، والبرق، ولم يكن يصلي- عليه الصلاة والسلام.

وقال بعض العلماء: يصلى للزلازل فقط دون غيرها من الحوادث، واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى للزلزلة، فمن نظر إلى التخصيص- الشمس والقمر- قال: لا يصلي، ومن نظر إلى العلة- وهي: التخويف والخروج عن العادة والمألوف- قال: إنه يصلى صلاة الكسوف لكل آية الزلازل وغيرها، ومنه لو فرض أنه حصل في الليل ضياء خارج عن العادة بدون قمر كأن الشمس قريبة الطلوع فإنه يصلى؛ لأن هذا يرعب ويوحش، وكذلك لو حصل ظلمة في النهار غير مألوفة يعني: ما سبقها أسباب- من غيم أو قطر، ظلمة هكذا- فإنهم يقولون: هذه من الآيات المروعة، وهي أشد ترويعًا من كسوف الشمس؛ لأنها أقل وقوعًا فيصلي لها.

فأنا أقول- والله أعلم-: إن الاقتصار على ما جاء به النص أولى؛ لأن الذي جاء به النص يختلف عن الآيات التي ذكروها لأنه عام، فالقمر يشاهده كل من على وجه الأرض من ناحيته والشمس كذلك، لكن الزلازل نجدها في مناطق معينة، وكذلك العواصف والفيضانات وما أشبهها، والأصل في العبادات التوقيف حتى يتبين لنا أنها مشروعة.

ومن فوائد الحديث: مشروعية الصلاة والدعاء لقوله: "فادعوا الله وصلوا" والمشروعية ثابتة بالاتفاق لم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، ولكن هل ذلك واجب أو سنة؟ وإذا قلنا بالوجوب فهل هو فرض كفاية أو فرض عين، فها هنا ثلاثة احتمالات؛ نقول: أما الدعاء فإنه لا يجب بالاتفاق، وأما الصلاة ففيها خلاف، فمن أهل العلم من قال بوجوبها، وأنها فرض عين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على أنه لغير الوجوب،

ص: 422

وأيضًا فإنها صلاة لتهديد وإنذار، فلو تركت لكان ذلك عنوانًا على عدم المبالاة بإنذار الله وتخويفه، وهذا أمر ليس بالهين أن الله ينذرنا ونقول: ما يهم، وذهب كل واحد إلى عمله ولا يهتم، فهذا مظهر غير لائق أن الرب العظيم يخوفك ونبيه يأمرك، ثم تدع هذا كأنك غير مبالٍ لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بتخويف الله.

وأما القائلون بأنها فرض كفاية فقالوا: إنه لا يظهر أن الرسول- عليه الصلاة والسلام أمر كل أحد، وأن الناس كلهم حضروا إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام، وأننا نلزم جميع المسلمين بأن يصلوا بل إذا حصل المظهر العام للمسلمين وأنهم قاموا بما ينبغي أن يقوموا به من الإنابة إلى الله عز وجل، والرجوع إليه فإن هذا كافٍ، وأنا متردد بين كونها فرض كفاية، أو فرض عين، أما الاقتصار على أنها سنة فقط فهذا ضعيف وإن كان جمهور أهل العلم على ذلك، لكن كيف تدفع أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام وقوله:"صلوا حتى ينكشف ما بكم وينجلي"، وقوله:"يخوف الله بهما عباده" وأمثال ذلك هذه أمور عظيمة ولا مدفع للجمهور لذلك إلا بحديث الأعرابي، وهو:"هل علي غيرها. قال: لا، إلا أن تطوع"، وقد سبق لنا غير مرة أن هذا لا يمكن أن يستدل به على عدم وجوب الصلاة المقرونة بسبب؛ لأن المراد بالحديث: الصلوات الخمس اليومية المتكررة، بدليل أن الإنسان لو نذر أن يصلي ركعتين لكانت الصلاة واجبة بالنص والإجماع مع أنها غير الصلوات الخمس، فكذلك الصلوات الشرعية التي لم تجب بنذر لكن لها أسباب أخر علقها الشارع بها.

ومن فوائد الحديث: استمرار الصلاة والدعاء حتى ينكشف لقوله: "حتى تنكشف"، "حتى تنجلي"، ونحن في الشرح قلنا:"حتى" هنا للغاية أو للتعليل؟ قلنا: إذا كان للغاية فإنها تدل على استمرار ذلك للانجلاء، وإذا كانت للتعليل فإنه يكفي أن يصلي ويقول: عن الرسول- عليه الصلاة والسلام قال: "صلوا لأجل أن تنجلي"، فإذا صلينا فعلنا السبب، والانجلاء عند الله عز وجل، وعلى هذا فإذا صلينا ورأينا الكسوف بدأن ينجلي نقف لأن العلة انتهت، ولكن المشهور عند أهل العلم أنها للغاية، يعني:"صلوا وادعوا إلى كذا" إلا أنهم قالوا: إنها لا تعاد مرة أخرى على صفتها، ولكن لا حرج إذا انقضت الصلاة من أن تصلى تطوعًا على صفة التطوع المعهود.

ومن فوائد الحديث: أن الكسوف غمة على العباد؛ ولهذا قال: "حتى تنجلي" وفي لفظ آخر: "وحتى ينكشف ما بكم" فهو غمة؛ لأنه ما دام تخويفًا من الله عز وجل فإنه يخشى أن يقع العذاب، وهذا لا نأمنه إلا إذا انجلى.

* * *

ص: 423