الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: نعم، فيه مرفوع صريحًا ومرفوع حكمًا، فالمرفوع صريحًا هو الذي يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بأن يقال: قال النبي، أو فعل النبي، أو رأي النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمع كذا فأقره، هذا يسمي مرفوعًا صريحًا، أما المرفوع حكمًا فهو: ما ثبت له حكم الرفع ولكنه لم يصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وله أمثلة كثيرة منها: إذا قال الصحابي: من السنة كذا، فهو مرفوع حكمًا؛ لأن الصحابي عاشر النبي صلى الله عليه وسلم وله أمثلة كثيرة منها: إذا قال الصحابي: من السنة كذا، فهو مرفوع حكمًا، لأن الصحابي عاشر النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه ورأي منه، فإذا قال: من السنة، فإنما يعني: سنة من شاهده وسمع منه - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضًا إنما يعني: من سنته تشريع، أما إذا قال التابعي: من السنة كذا، فقيل: إنه موقوف، لأن التابعين إنما يعنون بالسنة: ما سنة الصحابة، وقيل: إنه مرفوع مرسل كما لو نسب التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا صريحًا، فإنه يكون مرفوعًا مرسلاً، فإذا نسب إليه مرفوعًا حكمًا صار مرفوعًا حكمًا مرسلاً، وهو محل خلاف بين المحدثين.
المهم: أن هذا الحديث يدل على أن قراءة الفاتحة من السنة، أي: من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الشاملة الواجب والمندوب، وقد دل الحديث على وجوبها.
الدعاء للميت في صلاة الجنازة:
539 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت منه دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وقه فتنه القبر وعذاب النار" رواه مسلم.
سبق أننا ذكرنا عن أهل اللغة أنهم إذا قالوا جنازة بالفتح فهي الميت، وإذا قالوا: جنازة فهي النعش عليه ميت وقوله: "حفظت من"، "من" للتبعيض وهو يدل على أن هناء دعاء آخر، هذه أدعية عظيمة جدًا، حتى قال عوف بن مالك رضي الله عنه - راوي الحديث- حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لا تمنيًا للموت ولكن تمنيًا لهذا الدعاء، نرجع إلى قوله:"اللهم" يعين: يا الله، يقولون في توجيهها: حذفت ياء النداء تبركًا للبداءة بالاسم الكريم، وعوض عنها بالميم في الآخر ولم يختر من الحروف إلا الميم لدلالتها على الجمع، فكأن الداعي جمع قلبه ولسانه وقوله بالتوجه إلى الله فقال: اللهم، وقال ابن مالك:
والأكثر اللهم بالتعويض *** وشذ ياللهم في قريض
قال الشاعر الذي أشار إليه ابن مالك:
إني إذا ما حدث ألمًا *** أقول يا ألهم يا للهما
والأكثر أن يقال: اللهم اللهم، يقول "اللهم اغفر لهم وارحمه" المغفرة هي: ستر الذنب والتجاوز عنه، ليست مجرد الستر ولا مجرد التجاوز، بل ستر وتجاوز، من أين عرفنا كلا المعنيين؟ من الاشتقاق، لأن المغفرة مأخذوه من الغفر، والمغفر هو: شيء من الحديد يوضع على الرأس عند الحرب، ففيه وقاية وستر، ويدل لذلك أيضًا أن الله عز وجل إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه، قال له:"قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"، إذن المغفرة: ستر الذنب والتجاوز عنه، "وارحمه" الرحمة فوق المغفرة، لأنه بعد إزالة العقوبات يطلب له حصول الرحمات وارحمه ففيها حصول المطلوب بعد زوال المرهوب، ولهذا دائمًا تقرن مع المغفرة متأخرة عنها، فبعد ما تزال الشوائب المانعة تأتي الرحمة، ولهذا يقولون: التحلي بعد التخلي، التحيل، يعني: التجميل وإصلاح الإنسان نفسه، وليس الحلي يكون بعد التخلي، المرأة إذا لبست الحلي ووجهها ملوث بالأوساخ، نقول: أذهبي أغسلي وجهك أولاً ثم ألبسي الحلي، فهنا تخل قبل تحل.
"وعافه واعف عنه" و"عافه" من أي شيء؟ من العذاب الحاصل بفعل الذنوب، "واعف عنه" تجاوز عنه من التقصير بفعل الواجب؛ لأن الآثام سببها أمران: إما فعل محرم، وإما ترك واجب، ففي "عافه" من آثار المحرمات، و"وأعف عنه" عن آثار التهاون بالواجبات.
لو قال قائل: هل هاتان الجملتان داخلتان فيما سبق؟
فالجواب: نعم، لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتكرار، وذكرنا فيما سبق: أن استحباب البسط والتكرار بالدعاء له فوائد متعددة، منها: أنه كلما طالت المناجاة مع من تحب كان ذلك أبلغ في إقامة الحجة والبيان على أنك تحبه، الثاني: أن الدعاء عبادة فكلما كررته زدت في عبادة الله عز وجل، الثالث: أن تكراره إلحاح من العبد، وهو دليل على شعور الإنسان بشدة الافتقار إلى ربه عز وجل، وإذا شعر الإنسان بذلك أوشك أن يمده الله بما يكون فيه الغني، أي: أن الله يحب من عبده الإلحاح والتكرار، فينال بذلك محبة الله، ومنها: أن هذا التفضيل قد يذكر الإنسان بأشياء دقيقة ليست مذكورة مثل الإجمال، يقول:"وأكرم نزله" النزل: ما يقدم للضيف
من كرامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه" فـ "أكرم نزله" يعني: أجمل نزله، أي: ضيافته كريمة، وهذا يراد به: كثرة الثواب من الله عز وجل لهذا الميت.
ووسع مدخله أو مدخله؟ إن كان من أدخل فهو مدخل، وإن كان من دخل فهو مدخل قال الله عز وجل {رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} [الإسراء: 80]، وقال تعالى:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلهم مدخلاً كريمًا} [النساء: 31] لأنها من الرباعي على وزن "مفعل"، وأما إن كانت من الثلاثي فهي على وزن "مفعل": مدخل، وهذا نقول في "مقام" و"مقام" من الثلاثي مقام، ومن الرباعي مقام، قال الله تعالى:{وإذا قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم} [الأحزاب: 13] لأنه مأخوذ من أقام في المكان فهو رباعي، وقال تعالى:{عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]، من قام يقوم وذلك في يوم القيامة، لأن يوم القيامة أيضًا محل عبور، إذن نقول: مدخله، فمدخله من الرباعي، ومدخل هذا الثلاثي، ومدخل: مكان الدخول، ما معني مدخله؟ يعني به: القبر؛ لأن المكان الذي يدخل فيه الإنسان، فوسعه يعني: أجعله واسعًا فسيحًا، فهو يوسع، ولكنه توسيع غيبي لا توسيع محسوس، وإلا لو أننا دفنا إنسانًا في قبر سعته المحسوسة مائة ذراع وليس من أهل الجنة أي: ليس من المؤمنين لا ينفعه هذا، ولو دفنا الإنسان بالتراب بدون لحد وصار التراب محيطًا به من كل جانب وهو من أهل الإيمان وسع له، فالمراد: التوسعة الغيبية التي هي خاصة بالحياة البرزخية، وهذه لا نعلم عنها إنما يعلم عنها الميت إذا مات، ولكننا علمنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم الثابت بالوحي.
"واغسله بالماء والثلج والبرد" بتنقيته من الذنوب وإزالة أوساخها، واختير الثلج والبرد، لأن هذا هو المناسب، إذا إن أثارها العقوبة بالنار وهي حارة، فناسب أن تقابل بماذا؟ بماء وثلج وبرد.
"ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس" يعني: بعد الغسل يكون نقيًا من الخطايا والذنوب، كما ينقي الثوب، "الكاف" هنا للتشبيه، و"ما" مصدرية، وعلى هذا فيسبك الفعل بعدها معها بمصدر، أي: يحول إلى مصدر فيقال: كنتقيه الثوب الأبيض من الدنس، وقوله:" الأبيض" دون غيره، لأن ظهور الوسخ في البياض أكثر، فإذا كان الثوب أبيض وليس فيه وسخ علم أنه نظيف جدًا، لكن لو كان عليك ثوب أسود وفيه أوساخ لكنها قليلة وليست كثيرة، لا تظهر؛ فلهذا وصف الثوب باللون الأبيض، "من الدنس" أي: الوسخ الحسي.
يقول: "وأبله دارًا خيرًا من داره" يعني: أجعل له دارًا خيرًا نم داره، والدار التي انتقل منها دار الدنيا: دار الهموم والغم والنصب والتعب البدني والعقلي؛ ولهذا لا تجد شيئًا في الدنيا حسنًا إلا وهو مقرون معه السيئ أبدًا حتى الزمن فيه حسن وسيء كما قال الشاعر:
فيوم علينا ويم لنا*** ويوم نساء ويوم نسر
وهذه من حكمة الله عز وجل أرأيتم لو أن ما في الدنيا من الأشياء الحسنة يبقي حسنًا لا سوء فيه، أفلا يفتن الناس بذلك؟ يفتنون جدًا، لكن قرن السوء بالحسن فيما يتعلق بالدنيا ليتعظ الإنسان ويعتبر ويطلب دارًا أخرى ليس فيها حسن وسيء:{وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (35) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فينا نصب ولا يمسنا فيها لغوب} [فاطر: 35] لا تعب ولا إعياء أبدًا، كاملة، لكن الدنيا فيها نقص كبير، والدار التي ينتقل إليها أول ما ينتقل من الدنيا هي: القبر، فهل يمكن أن تكون خيرًا نم داره؟ نعم، ولولا ذلك ما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بها، إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعو بأمر محال، والقبر يكون خيرًا من الدنيا إذا فسح للإنسان مد بصره، وقيل له: نم صالحًا، وفتح له باب إلى الجنة، وأتاه من ريحها ونعيمها وفرش له من الجنة فيكون - والله- أحسن من الدنيا ألف مرة، ولهذا قال:"أبله دارًا خيرًا من داره" لكن "أهلاً خيرًا من أهله" وأهل المرء: ما يأهلهم ويأوي إليهم كالزوجة والود والأم والوالد إذا كان عنده في البيت ولا شك أن الإنسان يأنس بأهله ويسر بهم ويطيب عيشه فيهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"أبدله أهلاً خيرًا من أهله" لأنه سوف ينتقل عن الأهل الأولين وعن الأهل الآخرين، فيقول:"أبدله أهلاً خيرًا من أهله" وذلك في جنة النعيم، "وزجًا خيرًا من زوجة" يعني: أبدله زوجًا خيرًا من زوجه، والزوج معروف، ويطلق على الرجل وعلى المرأة في اللغة العربية.
ولكن هنا إشكال وهو أن يقال: " من هذا الذي يبدل به زوجة في الدنيا ويكون خيرًا منه مع أنه يوم القيامة يكون الرجل وزوجته وذريته {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم} [غافر: 8] وثبت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يكون زوجاته في الآخرة كيف يقول: "زوجًا خيرًا من زوجة"؟
أجاب عنه بعض أهل العلم وقال: إن الإبدال نوعان: إبدال أعيان، وإبدال أوصاف، إبدال الأعيان: أن أعطيك شيئًا وتعطيني بدله كما يحصل في المبايعات، مثلاً: المشترى يعطي الثمن والبائع يعطي السلعة هذا بدل هذا ومنه قوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: 70] تكون السيئة حسنة، وإبدال أوصاف بمعني: أن العين واحدة لكن تتغير صفاتها،
ومنه قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} [إبراهيم: 48] تبدل بأوصافها {يوم تكون السماء كالمهل (8) وتكون الجبال كالعهن} [المعارج: 8، 9] كذلك الأرض تبدل فتكون قاعًا صفصفًا لا ترى فيه عوجًا ولا أمتا، وتكون بعد التكوير ممدودة:{وإذا الأرض مدت (3)} [الانشقاق: 3] فهنا نقول: أما زوجاته من الحور العين فلا ريب أنهم غير زوجاته من الدنيا وهن خير من زوجات الدنيا من وجه، وزوجات الدنيا خير منهم من وجه آخر، والزوجة في الدنيا تبدل في الآخرة بأوصافها فهذا معني قوله:"زوجًا خيرًا من زوجة".
نقول: إن كانت الزوجة من الحور العين فالأمر ظاهر، وأما إن كانت من زوجاته في الدنيا فالمراد إبدال الأوصاف.
يقول: "وأدخله الجنة" الجنة: سبق لنا أنها في اللغة: البستان ذو الأشجار الكثيرة، وسمي بذلك، لأن يحن من فيه، أي: يفتنه، ولكنه لا ينبغي أن يعرف بهذا التعريف في جنة الخلد، لأن جنة الخلد إذا عرفت بهذا التعريف سوف يتصورها أكثر الناس بأقل ما هي عليه في الحقيقة، ولكننا نقول: إن الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى للمتقين وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: "وقه فتنه القبر وعذاب النار" قوله: "قه" هذه فعل أمر وتنصيب مفعولين: المفعول الأول الهاء، والمفعول الثاني "فتنة" وهي من حرف واحد، لأن فعلها مثال ناقص، وإذا كان الفعل مثالاً ناقصًا صار فعل الأمر منه على حرف واحد، الفتنة في اللغة تطلق على معان منها: الاختبار، ومنها: الصد، قال الله تعالى:{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35] هذه بمعنى: اختبار، وقال تعالى:{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا} [البروج: 10] أي: صدوا، وقال تعالى: {فإنكم وما تعبدون [161، 162]، أي: بصادين، فتطلق على معان منها: الصد، ومنها: الاختبار والامتحان، والمراد بها هنا: الاختبار وهو سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه، وهي ثابتة لكل من يدفن، إذا دفن الإنسان فإنه يسأل عن هذه الأمور الثلاثة، إلا أن العلماء اختلفوا في الصغير والمجنون: هل يسأل أو لا يسأل؟ على قولين، ويستثني من ذلك الشهداء فإنهم لا يسألون كما رواه النسائي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنه" وهل يستثني الأنبياء؟ قال بعض العلماء، يستثنى الأنبياء لأنهم أولى من الشهداء، ولأن المسئول عنهم هم الأنبياء والرسل، حيث إن الأسئلة هناك هي: من ربك؟ وما دينك؟ ما نبيك؟ فلا يسألون، ومتى تكون هذه الفتنة؟ تكون إذا دفن الميت، فإن بقى يومًا أو يومين
لانتظار جماعة أو لتحقيق في أمره أو ما أشبه ذلك فإنه لا يسأل حتى يدفن؛ لأن النبي قال: "إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان"، فإن لم يدفن مثل أن يموت في بر وتأكله السباع فإنه يسأل؛ ولهذا نقول: فتنة القبر، "القبر" في اللغة: الحفرة التي يدفن فيها الميت، ويراد بها هنا: البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، قال الله تعالى: {حتَّى جاء أحدهم الموت قال ري ارجعون (99) لعلى أعمل صالحًا
…
} [المؤمنون: 99].
قال" "قه فتنة القبر" هذا فيه إشكال وهو إذا كان السؤال عامًا لكل أحد- ولابد منه- فكيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يقي هذا الميت فتنة القبر مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أوحي إلىَّ أنكم تفتنون في قبوركم- مثل أو- قريبًا من فتنة الدجال".
الجواب أن يقال: إن المراد: وقاية شرها وأثرها لا وقاية فعلها أو السؤال نفسه، هذا لابد منه.
وقوله: "وعذاب النار" يعني: العذاب الذي يكون في النار، والإضافة هنا بمعنى:"في"؛ لأن الإضافة تكون بمعنى: اللام، وبمعنى:"من"، وبمعنى:"في"، تكون على تقدير "في" إذا كان ما بعد المضاف ظرفًا للمضاف، يعني: على تقدير "في"، وتكون على تقدير "من" إذا كان المضاف إليه جنسًا للمضاف، وتكون على تقدير اللام فيما عدا ذلك، فخاتم حديد: على تقدير من، وقوله تعالى:{بل مكر الَّيل والنَّهار} [سبأ: 33]. على تقدير "في"، وعليه فقوله:"عذاب النار" يكون على تقدير "في" والباقي على تقدير اللام، وهذا كثير مثل: كتاب زيد؛ أي: كتاب لزيد، قال:"وعذاب النار" النار هي: الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، {واتَّقوا النَّار الَّتي أعدَّت للكافرين} [آل عمران: 131]. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها فضّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، قال:"ناركم هذه الذي توقدون". هذه فضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا، ونارنا هذه كافية في التعذيب، لكن هذه فوقها بتسعة وستين ومع ذلك عذاب- والعياذ بالله- متنوع ولا وقاية ولا سلامة، حتى إنهم- والعياذ بالله- يمنون فيدفعون إلى أعلاها كأنهم سيخرجون، ولكن يعادون فيها ويوبخون:{كلَّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النَّار الَّذي كنتم به تكذبون (20)} [السجدة: 20]. نسأل الله العافية؛ ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الميت أن يقيه الله تعالى عذاب النار.
* ففي هذا الحديث عدة فوائد:
أولًا: أنه ينبغي أن ندعو لميتنا بهذا الدعاء، الدليل: فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن كل واحد محتاج إلى الدعاء حتى الصحابة، ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك النفع لأحد، وجهه: لو كان يملك ما دعا.
ومن فوائد الحديث: إثبات نعيم القبر من قوله: "وأكرم نزله ووسع مدخله".
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الإنسان ينتقل من الدنيا إلى دار أخرى، فكلاهما دار أبدله دارًا خيرًا من داره، وينتقل أيضًا إلى أهلين آخرين وإلى زوجات أخر، كل هذا مستفاد من قوله:"دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه"، والدُّور أربع: في البطن، في الدنيا، في البرزخ، في الآخرة: إما نار، وإما جنة.
ومن وفوائد الحديث: إثبات الجنة؛ لقوله: "وأدخله الجنة" وإثبات النار؛ لقوله: "وعذاب النار".
ومن فوائده: إثبات فتنة القبر؛ لقوله: "وقه فتنة القبر"، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى:{يثبت الله الَّذين ءامنوا بالقول الثَّابت في الحية الدُّنيا وفي الآخرة ويضلُّ الله الظَّالمين ويفعل الله ما يشاء (27)} [إبراهيم: 27]. فإن هذه تدل أيضًا على فتنة القبر، وفي هذا الحديث إشكال، وهو إذا كان الإنسان لم يتزوج من قبل، هل نقول: أبدله زوجًا خيرًا من زوجه؟ يعني: زوجًا خيرًا من زوجه الذي يتزوجه لو بقي، يعني: هل نأخذ بالعموم؛ لأن هذا الميت الذي مات في عهد الرسول ما ندري هل له زوجة أو لا، فهل نقول بالعموم وننوي زوجًا خيرًا من زوجه- أي: ممن يفترض أن يتزوجه في الدنيا من النساء-؟ يمكن أن نقول: هكذا، وإذا كانت امرأة لها زوج واحد هل نقول: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها؟ ما دمنا نقول: إن الإبدال يكون إبدال أوصاف وإبدال أعيان يمكن أن نقول هذا، بمعنى: أن الله سبحانه بينها وبين زوجها في الجنة، وإذا اجتمعوا في الجنة سيكون أحسن حالًا من الدنيا.
ويستفاد من الحديث: الجهر بالدعاء؛ لأن الصحابي سمعه.
ويستفاد أيضًا من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على هذا الدعاء لقوله "من دعائه"، فإما أن يكون لم يسمع إلا هذا، وإما أن يكون نسي ولم يحفظ إلا هذا.