المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أفضلية الصف الأول للرجال: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

في القلب منه شيء؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" فجعل اختلاف القلوب مبنيًا على اختلاف الأجسام، لكن إذا صار جنبك وحرص على أن يكون وزنك تمامًا تجد أنك تألفه وتحبه وتقول: هذا ليس فيه كبر، بل هو قد جعلني كنفسه.

الفائدة الأخيرة: أن الشارع إنما شرع الجماعة من أجل ائتلاف القلوب واجتماعها وكون الأمة الإسلامية جماعة واحدة.

‌أفضلية الصف الأول للرجال:

394 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرِّجال أوَّلها، وشرُّها آخرها، وخير صفوف النِّساء آخرها، وشرُّها أوَّلها". رواه مسلم.

قوله: "خير صفوف الرجال"، الصفوف: جمع صف، وهو أن يقف الإنسان إلى جنب أخيه حتى يكونوا صفًا واحدًا، وقوله "خير وأولها"، الجملة واضحة أنها خبرية (خير) مبتدأ، والخبر (أولها)، و "أولها" هو: الذي يلي الإمام وليس الذي يلي المنبر؛ لأنك لو أردت أن تعدَّ الصفوف من أين تبدأ؟ من الذي خلف الإمام، وهذا الذي نقوله في مسجد يكون منبره وسط المسجد كما يوجد الآن في المسجد النبوي وكان أيضًا في المسجد الحرام، فقد كان منبره -كما أدركته أنا- متأخرًا؛ لهذا اختلف العلماء رحمهم الله: هل الصف الأول هو الذي يلي الإمام أو الذي يلي المنبر؟ والصواب بلا شك: أنه هو الذي يلي الإمام، وقوله "وشرها آخرها"، آخرها آخر شيء منها يكون هو شرُّها، وذلك فيما لو تعمد الإنسان أن يدع الصف الأول؛ ليكون في الآخر كما يوجد في بعض الناس الآن، خصوصًا في يوم الجمعة تجده يأتي مبكرًأ ويتكئ على عمود في آخر المسجد، فيدخل في هذا.

وهنا إشكال في قوله: "خير وشر"، إن نظرنا إلى الجملة الأولى قلنا: إن الخير موجود في الصف الأول وفي الصف الأخير، وإن نظرنا إلى الثاني قلنا: إن الشر موجود في الصف الأول وفي الصف الأخير؛ لأنه قال: "خيرها وشرها"، وهذا يقتضي أن تكون الجملتان متضادتين.

والجواب على ذلك: أن يقال المراد بالشرِّ هنا: الشرُّ النسبي، فهو شر بالنسبة إلى ما قبله، ولا يلزم على هذا أن يكون في الأول شر، وقد يراد بالشر هنا: الأردأ، ولا يلزم أن يكون في الطرف المفضل شرُّ منه، كما في قوله تعالى:{أصحاب الجنّة يؤمئذ خيٌر مستقرًا} (الفرقان: 24)؛ ومن المعلوم أن مستقر أهل النار لا خير فيه إطلاقًا. ثم قال: "وخير صفوف النساء آخرها" عكس الأول، ففي هذا الحديث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم

ص: 272

أن خير الصفوف بالنسبة للرجال أولها؛ لأنه الذي يلي الإمام فيكون أتبع للإمام، ويكون من ورائه متبعًا له، ثم إن فيه حثًا للتقدم إلى الخير وترغيبًا فيه، وأن شر الصفوف بالنسبة للرجال آخرها؛ لبعدهم عن الإمام، وكلما بعد الإنسان عن الإمام قلَّت متابعته وإنصاته لقراءته، ويخبر كذلك بأن خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها لبعد الآخر عن مخالطة الرجال والقرب منهم، ويكون في ذلك بعد عن الفتنة. ففي هذا الحديث عدة فوائد أولًا: ثبوت التفاضل بين الأعمال؛ أي: أن الأعمال تتفاضل فيكون بعضها أفضل من بعض وهذا أمر ليس فيه شك، ولكن يلزم من تفاضل الأعمال تفاضل العمال، فيكون الناس أيضًا يتفاضلون بأعمالهم، فيؤخذ منه: الردُّ على طائفتين مبتدعتين وهم: الخوارج والمعتزلة؛ لأن هؤلاء يقولون: إن الإيمان لا يتفاضل إما أن يوجد كله أو يعدم كله، وهذا لا شك في أنه ضلال وخطأ.

ومن فوائد هذا الحديث: الحثُّ على الصفوف الأول بالنسبة للرجال، لقوله:"خير صفوف الرجال أولها"، والأول الذي له الأولوية المطلقة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لو يعلمون ما فيه لاستهمُّوا عليه؛ يعني: لكانت قرعة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن خير صفوف النساء آخرها، وهذا فيمن يصلين مع الرجال، أما إذا كانت صلاة النساء جماعة منفردة عن الرجال فالظاهر أن خيرها أولها؛ لأن الحكمة التي من أجلها كان آخرها خيرها إنما تكون في صلاتهن مع الرجال، فإذا صلين جماعة في البيت أو في مدرسة أو ما أشبه ذلك، فإن الظاهر أن الأول أفضل مما بعده.

ومن فوائد هذا الحديث: البيان الظاهر على أن الشارع يتشوف إلى ابتعاد النساء عن الرجال، وهذا أمر واضح لأنه صلى الله عليه وسلم لو كان يتشوف إلى بعد النساء عن الرجال، لكانت كالرجل يستحب لها أن تتقدم إلى الخير كما يتقدم الرجل، لكن هذا دليل واضح، يعني: حتى في أماكن العبادة لا ينبغي أن تقرب من الرجال بل تبعد عنهم فيكون في هذا: إبطال لما يلهث به بعض الناس اليوم من السير خلف ركب غير المسلمين، حيث يحاولون أن يجعلوا النساء مختلطات مع الرجال، هؤلاء في الحقيقة ما نصحوا لله ولا لرسوله ولا لأئمة المسلمين ولا لعامتهم ولا نصحوا حتى أنفسهم في الحقيقة ما نصحوا لها؛ لأنهم بذلك يضيعون رعاية أهلها؛ إذ إن أهلهم وإن حافظوا عليهم فإنهم سيفعلون ما فعلوا الناس ولا أحد يرتاب بأن مخالطة المرأة للرجل خطرها عظيم، لا يصاب في ذلك إلا أحد رجلين: إما رجل له مآرب يريد أن ينفذها باختلاط النساء بالرجال، وإما رجل عديم الشهوة لا يعرف أن علاقة الرجل بالمرأة -إذا قرب

ص: 273

منها أنها علاقة- تحرك الساكن وتثير الهادئ. المهم أن هذا الحديث واضح جدًا فالشارع يتشوف إلى ابتعاد النساء عن الرجال حتى في أماكن العبادة.

ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية المصافة بين النساء؛ لقوله: "خير صفوف النساء"، وهذه مسالة يغفل كثير من النساء عندنا في أيام رمضان، النساء يحضرن إلى المساجد -بل حسب ما بلغنا- يصلين فرادى في بعض الأحيان تجد كل واحدة تصلي وحدها مع الإمام، وهذا لا يجوز ما دام الشارع أثبت لهن المصافة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمنفرد خلف الصف"، ولا يرد على هذا أن المرأة إذا صلت مع الرجل صلت خلفه؛ لماذا لا يرد؟ لأنه لا مكان لها إلى جنب الرجل، فهي معذورة شرعًا؛ أي: أنها تصلي وراءه، أما إذا كان لها مكان شرعًا في الصف، فإنه يجب عليها أن تصلي في الصف فإن صلَّت وحدها بطلت صلاتها.

395 -

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: "صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلٍة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه". متَّفق عليه.

قوله: "صليت مع الرسول" المعية هنا معناها: المصاحبة، أي: في صحبته جماعة؛ لأن هذا هو ظاهر اللفظ، وليس المعنى: أني صليت معه، أي: صليت مثل صلاته؛ لأن من المعروف المجامعة في الصلاة أن يكون ذلك في الجماعة، وقوله رضي الله عنه "ذات ليلة"، ذات تأتي في اللغة العربية على عدة معان منها: أن تكون بمعنى الحال مثل: {وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال: 10). أي: أصلحوا الحال التي تكون سببًا للقطيعة بينكم. ومنها: أن تكون بمعنى: جهة كما في حديث إبراهيم كذب ثلاث كذبات في ذات الله، أي: في جهته ودينه، ومنه أيضًا قول خبيب (الطويل):

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا

على أيّ جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزّع

الشاهد قوله: "في ذات الإله" أي: في جهته، أي: في الأمر الذي يوصل إليه وهو الدِّين ومنها: أن تكون زائدة لا معنى لها، مثل "ذات ليلة"، و "ذات يوم" وما أشبهها، أي: صلَّيت معه يومًا من الأيام، وفائدة زيادتها هنا: المبالغة في التنكير، يعني: أنه ليلة لا أعينها وأطلقها كثير من الناس على ما يقابل "الصفة"، ولاسيما في كتاب العقائد، ولهذا يقولون الإيمان بذات الله وصفاته، فأطلقوها على ما يقابل "الصفة"، وقالوا: ذات الإنسان، أي: عين الإنسان وصفاته، أي:

ص: 274

ما يعتريه من الصفات وما يقوم به من الأفعال، فصار لها أربعة إطلاقات، ولكن هذه الأخيرة اختلف العلماء فيها هل هي عربية أو ليست عربية؟ يعني: هل هي لغة عربية أو لغة عرفية؟ فقال بعضهم: إنها لغة عربية، وقال بعضهم: إنها لغة عرفية، وكلام شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى يدل على أنها ليست من لغة العرب العرباء؛ أي: ليست عربية محضة، لكنها استعملها العرب فصارت لغة عرفية بينهم. ولها أيضًا معنى خامس: أن تكون مؤنث "ذو" فتكون بمعنى صاحبة كما تقول مثلًا: امرأة ذات علم ذات جمال، وما أشبه ذلك، أي: صاحبة جمال، أو صاحبة علم وما أشبهها.

وقوله: "ذات ليلة"، أي: ليلة من الليالي، "فقمت عن يساره فأخذ برأسي عن يساره"، أي: عن جانبه الأيسر، "قمت"، يعني: في الصلاة "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي

" إلخ، أخذ الشئ وأخذ به بمعنى: أمسك به، وتأتي أخذ من باب أفعال الشروع، وهذه يكون عملها عمل كان ويكون لها خبر مضارع، مثل: أخذ يفعل كذا، أي: شرع يفعل، أما التي هنا فليست أخذ من أفعال الشروع، ما معنى أخذ؟ بمعنى: أمسك وقبض، "أخذ برأسي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائي"، وضروري إذا أخذه من ورائه أن يجعله يمر من وراء الرسول صلى الله عليه وسلم، "فجعلني عن يمينه"، يعني: محاذيًا له صفًا واحدًا.

هذا الحديث سببه: أن ابن عباس رضي الله عنه -من حرصه على العلم- كان يتتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ليلة من الليالي بات عند خالته ميمونه رضي الله عنها إحدى أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ليرى صلاته فنام عنده، ولما قام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ظن ابن عباس نائمًا، فقام يصلي وحده فقام ابن عباس رضي الله عنه يصلي معه لكنه صف عن يساره، فأخذ برأسه فجعله عن يمينه، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا الفعل كما سيأتي -إن شاء الله-.

فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: حرص ابن عباس رضي الله عنه على العلم.

وثانيًا: جواز نوم القريب عند قريبته مع زوجها، لكنه كان نائمًا عندهما حتى إنه كان نائمًا في عرض الوسادة رضي الله عنه، وهذا ما لم يكن الزوجان يرضيان بذلك، فإن كانا لا يرضيان بذلك فلا يجوز.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز الصلاة جماعة بدون نية الإمامة، أي: أن نية المأموم تكفي عن نية الإمام، فإذا صليت وراء إنسان يصلي وأردت الجماعة، فإنه لا يحتاج إلى أن ينوي هو. وهذه المسألة سبق أن فيها خلافًا بين أهل العلم، فذهب بعض أهل العلم إلى جواز مثل هذه الصورة، أي: أن الجماعة يكفي فيها نية المأموم للائتمام ولا يشترط نية الإمام للإمامة، وهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي، أما على مذهبنا فلا يجوز، بل لابد من نية الإمام

ص: 275

والمأموم، فينوي الإمام أنه إمام وينوي المأموم أنه مأموم، هل في هذا الحديث ما يدل على ذلك؟ الظاهر إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم نوى أن يكون إمامًا أو لم ينو، لا يمكن أن نقول: أنه ما يدري عن المأموم؛ لأنه قد علم بابن عباس، بقى عندنا حال ثالثة: أنه لا نوى هذا ولا هذا فهو: إما أن يكون نوى الإمامة أو لم ينوها، ولكن تصرفه بأخذ ابن عباس من ورائه وجعله عن يمينه، فهذا يدل على أنه نوى الإمامة، وحينئذ فلا يكون في الحديث دليل على هذه المسألة، وهذا هو الصحيح؛ يعني: أنه ليس في الحديث دليل، أما كون المسألة تصح أو لا تصح، فهذه سبق الكلام عليها.

ثانيًا: استدل به على جواز الانتقال من الانفراد إلى الإمامة في أثناء الصلاة، يعني: يجوز للمنفرد أن يكون إمامًا في أثناء الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما دخل على أنه وحده ثم انضم إليه ابن عباس، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا ممنوعًا لمنعه النبي ضلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: إنه لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى الإمامة؛ لأنه يشترط في النية أن تكون من أول العبادة، فكيف تأتي النية في أثناء العبادة؟ ! ونقول: إنها صحيحة، وأجابوا عن حديث ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن ابن عباس سيقوم معه، فقد نوى من الأصل أن يكون إمامه، والجواب على هذا أن نقول:{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ، أين الدليل على أن الرسول كان يعلم ذلك، بل في بعض طرق الحديث أن الرسول قام مستخفيًا حتى لا يستيقظ ابن عباس، وإذا كان كذلك فهو دليل على أن الرسول ما نوى أن يكون إمامًا لابن عباس في المستقبل، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك في النفل دون الفرض؛ إذ إنه يجوز أن ينتقل من الانفراد إلى الإمامة في النفل دون الفرض، دليلهم: أن الأصل في النية أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، أي: من أول الصلاة إلا أنه قد خولف ذلك في النفل لهذا الحديث، أي: لورود السُّنة به، فيبقى الفرض على أصل القاعدة، وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفريضة وفي النافلة واستدلوا لذلك بهذا الحديث، ووجه الدلالة: أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، وقد ثبت جواز ذلك في النفل فيلزم منه جوازه في الفرض إلا بدليل على الفرق، وأيضًا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم مع أصحابه، فدخل رجل فقام يصلي فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، وظاهره أنه في الفريضة؛ لأن مشروعية الجماعة والأمر بالجماعة لا يكون في النافلة، فلولا أنه كان في الفريضة ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من يتصدق على هذا فيقوم يصلي معه" وهذا دليل واضح.

ص: 276

بقى أن يقال عن قولنا: إن النية لابد أن تكون مقارنة للتحريمه؟ الجواب أن يقال: أصل نية الصلاة لابد أن يكون فعلها مقارنًا للتحريمة، والتغير هنا ليس في أصل الصلاة، لكنه في صفة الصلاة وليس في أصلها، وهذه الأدلة تدل على أن تغيير الوصف في أثناء الصلاة لا بأس به، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء وهو مريض وصلَّى بالناس بقية صلاة أبي بكر انتقل أبو بكر من كونه إمامًا إلى كونه مأمومًا، وهذا تغير صفة، ففرق بين تغير الصفة وبين تغير الأصل، فالأصل لابد أن يكون من أول الصلاة، ولهذا لو أن إنسانًا في أثناء صلاته النافلة وأراد أن يقبلها إلى فريضة قلنا: لا يصح، ولو كان في أصل الفريضة فأراد أن يقبلها إلى نفل معين كالوتر لا يصلح؛ لأن هذا تغيير لأصل الصلاة.

إذن القول الراجح في هذه المسألة: أنه يجوز أن ينتقل المنفرد إلى كونه إمامًا في الفريضة وفي النافلة.

ويستفاد من هذا الحديث: أن المشهور فيما إذا كان إمام ومأموم أن يكون المأموم عن يمين الإمام. الاستدارة هل هي على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ ذهب بعض أهل العلم -وهوالمشهور من مذهب الحنابلة- إلى أنها على سبيل الوجوب، وأنه لو صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه فصلاته باطلة، وذهب أكثر أهل العلم: إلى أن هذا على سبيل الاستحباب، وأن الأفضل أن يكون عن يمينه ولو صلَّى عن يساره مع خلو يمينه فصلاته صحيحة، الذين قالوا بأنه يجب أن يكون عن اليمين، وأنه لو صلَّى عن اليسار فصلاته باطلة، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقرَّ ابن عباس على أن يكون في يساره وفعل حركة في الصلاة، وهي أنه تحرك وحرك ابن عباس وهذا عمل في الصلاة، ولا يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرتكب هذا العمل إلا لأمر واجب، فدل هذا على أن الصلاة على يمين الإمام واجبة، وما كان واجبًا فإن تركه يبطل الصلاة، والذين يقولون: إنه على سبيل الاستحباب قالوا: إن هذا مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، ولو كان هذا على سبيل الوجوب لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعد كما قاله لأبي بكرة، فلما لم ينهه عنه بعد انصرافه من الصلاة علم أنه على سبيل الاستحباب، ثم إنهم يقولون أيضًا: الأصل براءة الذمة فلا تشغلها بأمر يلزم المكلف به إلا بدليل، وما دام هذا الدليل محتملًا فإننا لا نلزم عباد الله بشئ محتمل، ثم إننا نقول: الأصل الصحة أيضًا حتى يقوم دليل على بطلانها بكونه عن اليسار، وأجابوا عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك ويحرك ابن عباس بأن التحرك لفعل السنن أمر مستحب، حتى ولو كان من أجل فعل السُّنة فإنه أمر مستحب، فهنا نحن نقول: إذا أبعد الصف عنه يدنو من الصف مع أنه على سبيل السُّنة إذا قلنا: بأن المراد به: السُّنة، كذلك أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك لما هو مباح في صلاته

ص: 277

حينما حمل أمامة بنت زينب، فكان إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، فليست الحركة دالة على أن ما تحرك من أجله فهو واجب، وهذا القول أصحُّ؛ أي: كونه عن اليمين من باب الاستحباب، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله.

ويستفاد من هذا الحديث: أن المصلي منفردًا خلف الصف صحَّت صلاته، وجهه: أن ابن عباس حينما صار خلف الرسول عليه الصلاة والسلام تلك اللحظة صار منفردًا، فلم تبطل صلاته، هكذا استدل به بعض العلماء، وقال: هذا دليل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف، ولكن هذا الاستدلال فيه نظران:

النظر الأول: أن ابن عباس لم يستقر في هذا الموضع، فهو مرَّ به مرورًا، أفلا يقال: إنه صلَّى خلف الصف؟

الثاني: أن وقوفه هذا لو فرض أنه وقوف كم أخذ من الصلاة ركعة ركعتين سجدة سجدتين؟

لا شيء، فلهذا لا وجه للاستدلال بهذا الحديث على صحة صلاة المنفرد خلف الصف.

ويستفاد من هذا الحديث: أن موقف الواحد مع الإمام كموقفه في الصف، يعني: أنهما يكونان سواء، على هذا بوَّب الإمام البخاري رحمة الله بأنهما يكونان حذاء سواء لا يتقدم أحدهما على الآخر، وهذا بلا ريب مقتضى النصوص؛ لأننا إذا قلنا: الواحد مع الإمام صف، فما الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في الصفوف؟ المراصة، والمحاذاة، واستحسان بعض أهل العلم أن يتقدم الإمام في هذه الصورة استحسان في غير محله، قال: ينبغي أن يتقدم ليتبين أنه الإمام، فيقال لهم: تبين أنه الإمام، بماذا يكون؟ بأفعال الصلاة والتكبير والانتقالات، والصواب في هذه المسألة: أنهما يكونان سواء؛ لأنهما يعتبران صفًّا واحدًا، وإذا كانا كذلك فإن الواجب أن يكون أحدهما بحذاء الثاني.

ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه تجوز الحركة في الصلاة للمصلحة أو الحاجة، ولكن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام، يعني: أن تعتريها الأحكام الخمسة: واجبة، ومندوبة، ومباحة، ومكروهة، وحرام، فتكون واجبة إذا توقفت عليها صحة الصلاة، وهذه تشمل مسائل كثيرة، منها: لو قيل له: إن القبلة عن يمينك يجب عليه أن يتحرك، ولو رأى في غترته نجاسة وهو يصلي وجب عليه أن يتحرك لطرحها، هذان مثالان أحدهما لفعل واجب، والثاني للتخلص من محرم، والأمثلة كثيرة، تكون مندوبة إذا توقف عليها فعل المندوب في الصلاة، مثلًا: كالتقدم للمحاذاة في الصف أو يحتاج إلى الحركة للحكة، المهم: أنه إذا كان يترتب عليه فعل مندوب في الصلاة -سواء كان فعل مندوب لتحقيق مصلحة أو للتخلص من الحكة- فهذا للتخلص من المشغل، لو كان أمامه وهو يصلي شيء ملون فتقدم ليزيله حتى لا

ص: 278

يشوش عليه هذه مستحبة، وأما التي لتحقيق مصلحة فما قلتم لتتميم الصف وشبهه، ومثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس إذا قلنا: إن الوقوف على يمينه على سبيل الاستحباب يكون مباحًا إذا كانت الحركة يسيرة لحاجة، لكن ما تتعلق بالصلاة؛ لأن اليسيرة التي تتعلق بالصلاة مستحبة، مثل: إنسان جاء إليه وقال: أعطني المفتاح كي أفتح أفتح دخل يده في جيبه وأعطاه المفتاح هذا مباح، ومثل إنسان صبيه يصيح وامه تطبخ الغداء وهو يصلي فقال: أعطني إياه وجعله معه يصلي، فينزله إذا سجد ويحمله إذا قام، هذا يكون مباحًا.

ويستفاد من هذا الحديث: جواز الجماعة في النافلة، والنوافل بالنسبة للجماعة تنقسم إلى قسمين: أحدهما: ما تشرع فيه الجماعة كصلاة الاستسقاء، فإنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام صلَّى الاستسقاء بالناس جماعة، وكذلك صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، أما على القول الراجح فإنها واجبة فلا تدخل في هذا التخصيص، وكذلك صلاة الليل في رمضان سنة ثبتت بهدي النبي عليه الصلاة والسلام وهدي الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه.

القسم الثاني من التطوع: ما لا تشرع فيه الجماعة، فهذا إن صلَّى الإنسان جماعة فيه على وجه راتب مستمر فهو مبتدع، وكل بدعة ضلالة، وإن فعله أحيانًا فهذا لا بأس به؛ لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، والحديث الذي بعده -حديث عتبان بن مالك- فهو جائز ولا بأس به، وبهذا نعرف الفرق بين اتخاذ الشئ مشروعًا دائمًا وبين فعله أحيانًا، وهذا فرق ينبغي للإنسان أن يعتبره، يعني: فعل الشئ أحيانًا قد يسامح فيه إذا كان من الأمور المشروعة، لكن اتخاذه سنة راتبة هذا لا يجوز إلا بدليل، ومن ذلك مثلًا الدعاء بعد النوافل، أو بعد الفرائض يرفع اليدين، فهذه إن فعلها الإنسان أحيانًأ نقول: لا بأس به؛ لأن رفع اليدين في الدعاء من الأمور المشروعة، لكن كونه يتخذه سنة راتبة كلما صلَّى تقول: من أين لك هذا؟ فهو بدعة ينهى عنه، ومنها: أن بعض الناس إذا قدم إليه الطيب يتطيب بالبخور، قال: اللهمَّ صلِّ على محمد كأنه يتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب فبناء على ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول له: لا تفعل؛ لأنَّ كونك تجعل هذا سببًا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعد من البدعة؛ لأن السُّنة كما تكون بالفعل تكون أيضًا بالترك، فما وجد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يتخذه سنة فاتخاذه سنة يعتبر من البدعة، ومن ذلك أيضًا كون بعض الناس إذا تئاءب قال:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأن هذا ليس بمشروع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشدنا إلى سنة فعلية في هذا المقام وسكت عن السنة التي يزعمها بعض الناس، ماذا أرشدنا إليه؟ الكظم، ثم وضع اليد على الفم إذا لم يستطع، ولم يأمرنا بالتعوذ، لكن بعض

ص: 279