الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: أنه ينبغي للإنسان أن يولي الموت عناية واهتمامًا، ويشعر نفسه بالفزع لرؤية الميت، لقوله:"فقوموا"، فإن ذلك فزع يفزعه الإنسان حتى يقوم.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز لمن قام لرؤية الجنازة أن يتبعها أو لا يتبعها؛ لقوله: "فمن تبعها"، ولم يقل: فقوموا واتبعوها.
ومن فوائد الحديث: أن حمل الميت وكذلك دفنه ليس فرض عين، وجهه: لو كان فرض عين لقال: اتبعوها، ولوجب على كل من رآها أن يتبعها، فليس فرض عين ولكنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن رأيت طفلًا صغيرًا بيد رجل حمله إلى المقبرة فهل اتباعه فرض عين؟ هل الذي وحده يتمكن من دفنه؟ لو ذهب إلى المقبرة ووضعه فجاء كلب فأكله فهذا ممكن وارد، فهو يحتاج إلى مساعدة على الأقل إلى حماية الطفل عندما يذهب ليأتي بالماء واللبن، فالظاهر أنه لا يكفي واحد في دفن الجنازة.
فالحاصل: أن أفراد المسائل تنطبق على الضوابط والقواعد، فما دمنا نقول: إنه فرض كفاية إذا وجدنا مع الجنازة من لا يكفي وجب علينا أن نتبع، كما لو رأينا رجلًا كبير الجسم لا يحمله إلا أربعة وليس معهم غيرهم والمقبرة بعيدة فيتعين الإتباع؛ لأننا نعلم أن هؤلاء سيشق عليهم مشقة شديدة.
ومن فوائد الحديث: أن النهي عن الجلوس مغيًّا بعناية وهي: "حتى توضع" فهل يستفاد منه تقييد الأحكام الشرعية بغايتها، بمعنى: أن يصدر حكم من الشارع مغيًّا بغاية إذا وجدت زال؟ ممكن: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب"، والأحكام الشرعية المغياة بغاية كثيرة.
كيفية إدخال الميت القبر:
547 -
وعن أبي إسحاق، أن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه أدخل الميِّت من قبل رجلي القبر، وقال:"هذا من السُّنَّة". أخرجه أبو داود.
"أبو إسحاق" هو: السبيعي الهمداني تابعي، وعبد الله بن يزيد صحابي، إذا قال الصحابي:"من السنة" يعني بذلك: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بالسنة المضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: الطريقة، وهي شاملة للواجب وللمستحب، بمعنى: أنه قد يقال: من السنة كذا وهو واجب، وقد يقال: من السنة كذا وهو مستحب، ففي حديث عليّ- وإن كان ضعيفًا-، ولكن نقرأ للتمثيل:"من السنة وضع اليد على اليد تحت السرة". أي سنة هذه؟ المستحب على القول بأنه حجة، قول
ابن عباس حين قرأ الفاتحة في صلاة الجنازة وقال: "لتعلموا أنها من السنة" أي سنة هذه؟ الواجبة، وقول أنس:"من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا" الواجب هذا بالنسبة للسنة المضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أما السنة التي اصطلح عليها الأصوليون فإنهم يعنون بالسنة خلاف الواجب، يعني: يقسمون الأوامر إلى قسمين: واجب محتم وسنة غير محتمة، وأكثرهم أيضًا لا يفرق بين المستحب وبين السنة، فيرى أنه يجوز أن تعبر:"يسن كذا"، أو "يستحب كذا"، وبعضهم يقول: لا، ما ثبت باجتهاد، فقل: مستحب، وما ثبت بدليل فقل: سنة.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي في دفن الميت أن يدخل القبر من عند رجلي القبر، فيكون الميت يؤتى به في مقبرتنا هذه من ناحية الجنوب ثم يدخل هكذا ينزل تنزيلًا في القبر حتى يكون أول ما يدخل القبر رأسه، فتكون الحكمة من ذلك- والله أعلم-: لأن الرأس أشرف الأعضاء؛ ولهذا عند الصلاة يقف الإمام عند رأس الرجل؛ لأن الرأس فيه الوجه، والوجه أشرف الأعضاء، فيه الناصية التي هي محل التدبير والتنفيذ المكسب الخاص هو الناصية، وهي في مقدمة الرأس ولهذا قال الله تعالى:{مَّا من دابةٍ إلَّا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56].
والعلماء يقولون: إن المخ فيه عدة مخازن، كل مخزن له خاصية، المخزن المقدم خاصيته التدبير، يعني: تلقي الأوامر من القلب، نحن لا نوافقهم على أن التدبير في المخ، نقول: كذبتم، التدبير في القلب؛ لأن الله تعالى نص على هذا:{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها} . وقال تعالى: {فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الَّتي في الصُّدور} [الحج: 46]. يعني: ما وراء هذا التدبير من بيان على أن القلب هو محل العقل وهو محل التدبير، لكن لا شك أن المخ- بإذن الله- سكرتير موصل ومنفذ، فالتصور في المخ، يتصور الشيء ويحرره ويزينه من كل وجه، ثم يرسل للقلب يقول: ماذا تقول أيها الملك؟ يوقع الملك على أنك تفعل كذا أو دبر كذا فيشتغل الدماغ يوزع الأعضاء، فيكون الدماغ مصدرًا للقبول والتنفيذ؛ يعني: ورود وصدور، صادر ووارد، هذا الدماغ، لكن القلب لا شك أنه هو الأصل ولو جاءوا بكل ما يأتون به قلنا: كذبتم؛ لأن قول الله عز وجل واضح وصريح.
الحاصل: أن الحكمة- والله أعلم- في إدخال القبر من قبل رأسه- وهو رجلي القبر- لأن الحقيقة أن جر الإنسان وقيادته تكون من الناصية، وهذا الحديث رواه أبو داود، ومن أهل العلم من قال: إنه حديث ضعيف؛ ولهذا مذهب الحنفية أن الميت يدخل من قبل القبلة- قبلة القبر- يدخل عرضًا من جهة قبلة القبر كما هو المتبع الآن عندنا، وهذا الأمر ليس على سبيل
الوجوب حتى نتكلف بحيث لو كان بجانب رجليه قبر نتعب، هذا الأمر إذا صح فهو على سبيل الاستحباب.
548 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وضعتم موتاكم في القبور، فقولوا: باسم الله، وعلى ملَّة رسول الله". أخرجه أحمد، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان، وأعلَّه الدَّارقطنيُّ بالوقف.
أولًا يقول: "إذا وضعتم موتاكم في القبور" يعني: عند الوضع "فقولوا" هذا جواب الشرط، "باسم الله" الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: أضع، ذكرنا فيما سبق أن المتعلق يقدر بحسب الفعل الذي تريد أن تفعله.
وقوله: "وعلى ملة رسول الله" يعني: ودفناه على ملة رسول الله "والملة" هي: الدين كما قال الله تعالى: {ثمَّ أوحينا إليك أن اتَّبع ملَّة إبراهيم حنيفًا} [النحل: 123]. وقال وتعالى: {مِّلة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78]. فالملة هي: الدين، وفي حديث آخر:"باسم الله وعلى سنة رسول الله"، والمعنى متقارب؛ لأن المراد بالسنة: الطريقة.
وقوله: "وعلى ملة رسول الله" أو سنته بماذا؟ أي: في وضعه ولحده وتوجيهه إلى القبيلة، ولكن الحديث يقال: إنه معلول بالوقف، وقد سبق لنا أن من شروط صحة الحديث أن يكون سالمًا من الشذوذ ومن العلة القادحة، ولننظر في الوقف: هل هو علة قادحة أو لا؟ هذا يرجع إلى من رفعه إذا كان من رفعه ثقة، فإن الزيادة التي صار بها مرفوعًا تكون زيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة؛ لأن عندنا مثلًا إنسان حدَّث بهذا الحديث وساق السند إلى ابن عمر ثم وقف، وقال:"إذا وضعتم"، وآخر ساق سند الحديث، ووصل إلى ابن عمر، وقال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" صار مع هذا الرافع زيادة علم، هذه الزيادة إذا كانت من ثقة فإنها مقبولة، ولهذا إذا تعارض الرفع والوقف وكان الرافع ثقة فإن الوقف لا يكون إعلالًا، لماذا؟ لأنه من الجائز، بل قد يكون كثيرًا أن يكون الرافع له أحيانًا يحدِّث به رافعًا له إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأحيانًا يحدِّث به بنفسه، كما لو كنا الآن نتحدث حديثًا وقلنا: ينبغي للإنسان أن يحسن نيته وألا ينوي بعمله إلا الله فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، هذا الحديث لا شك أنه مرفوع، لكن قد يقوله المحدث استشهادًا على حال من الأحوال، ربما كان ابن عمر خارجًا في جنازة فقال لهم: