الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان فيه شيء من الشبهة، لكن ما سبق من تغير الرسول- عليه الصلاة والسلام تغير حاله وفزعه، وأمره بالصلاة والدعاء والاستغفار، والتكبير كل هذا يدل على الوجوب.
إذ قال قائل: الآن عندنا أربع ركوعات فبأيها تدرك الركعة هل بالأول أو بالثاني؟ يعني: حضر بعد الرفع من الركوع الأول، هذا فيه خلاف: من العلماء من يقول: إنه يكون مدركا للركعة؛ لأنه أدرك ركوعًا ويجوز أن تجعل صلاة الكسوف كالنافلة العادية، وعلى ذلك فيكون هذا الرجل أدرك الركعة. ومنهم من قال: لا بد من أن يدرك الركوع الأول؛ لأنه هو الركن وهذا سنة؛ ولأن الرسول- عليه الصلاة والسلام قال: "ما فاتكم فأتموا"، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا يكون مدركا للركعة إلا بإدراك الركوع الأول، ولو قضى الركعة يقضيها بركوعين.
ويستفاد من الرواية الثانية: مشروعية النداء إلى صلاة الكسوف بهذا اللفظ لقوله: "فبعث مناديًا".
ويستفاد منه: أنه يكرر بحسب الحاجة؛ لأن المنادي الذي ينادي جرت العادة أنه لا يقول: "الصلاة جامعة" مرة واحدة، فيتجول وينادي وهذا لا بد فيه من التكرار، فهل يكرره ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا؟ نقول: بحسب الحال والقدر الذي يحصل به الإسماع، فمثلًا إذا قلنا في مكان فيه رجة وكثر أصوات ومحركات نزيد التكرار، وإذا كنا في محل ليس هكذا فإننا لا حاجة إلى التكرار، هل نقول: نزيد على ذلك ونقول: صلوا يرحمكم الله كما يفعله بعض الناس؟ لا، الأولى اتباع ما ورد وإن كان هذا لا يظهر فيه قصد التعبد، لكن الأولى ألا نزيد، وهل نؤذن كالصلوات الخمس؟ لا؛ ولهذا بعض الناس في كسوف مضى قالوا لي: إنه أذن، فالظاهر أنه جاهل لا يدري.
صفة صلاة الكسوف:
480 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "انخسفت الشمس على عهد رسول الله فصلى، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه، ثم سجد، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس". متفق عليه، واللفظ للبخاري.
- وفي رواية لمسلم: "فصلى حين كسفت الشمس ثماني ركعاتٍ في أربع سجداتٍ".
متى كان خسوفها؟ يوم مات إبراهيم في شوال في السنة العاشرة في يوم الثلاثاء.
يقول: "فصلى فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة"، "سورة البقرة" كم جزءًا؟ جزآن ونصف تقريبًا، وقراءة الرسول- عليه الصلاة والسلام المعروف أنه يرتلها، كم تستوعب من ساعة؟ ممكن أن تستغرق ساعتين ونصفًا تقريبًا هذا في القيام الأول فقط، يقول:"ثم ركع ركوعًا طويلًا" قريبًا من قيامه إلى قوله: "دون القيام الأول" وهذا من الحكمة؛ لأن الناس بعد القيام الأول الطويل حصل لهم شيء من التعب فخفف القيام الثاني، يقول:"ثم ركع ركوعًا طويلًا دون الركوع الأول" والعلة فيه ما ذكرنا، "ثم سد ثم قام قيامًا طويلًا" هنا لم يذكر إلا سجودًا واحدًا ولم يذكر أنه طويل، لكن قد جاء في الأحاديث الأخر بأنه سجد سجودًا طويلًا نحوًا من ركوعه، وهذا هو المعروف من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر البراء من عازب أن قيامه بعد الركوع، وركوعه، وسجوده، وجلسته بين السجدتين، أنه قريب من السواء.
يقول: "ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول" أي الأول: الأول من الركعة الأولى، أو الأول الذي قبله؟ الظاهر أنه الأول الذي قبله؛ لأنك لو قلت: دون القيام الأول الذي في الركعة الأولى؛ صار القيام الأول في الركعة الثانية مساويًا للقيام الثاني في الركعة الأولى، فالظاهر خلافه.
يقول: "ثم رفع
…
إلخ"، كيف استوعبت هذه الصلاة؟ تقريبًا أربع ساعات أو أكثر؛ لأن كسوف الشمس كان كليًا كما ذكره الصحابة- رضي الله عنهم أنها صارت كقطعة نحاس أحمر، ومثل هذا قد يستوعب أربع ساعات وهو يصلي صلى الله عليه وسلم والصحابة وهم قائمون، وقد ذكر جابر بن عبد الله أنه كان في يوم حار ولا يوجد مراوح ولا مكيفات، انظر الصبر العظيم على طاعة الله عز وجل، لكن بعضهم كان يسقط مغشيًا عليه، الضعفاء تعبوا من شدة الحر ومع ذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام ما راعى هؤلاء؛ لأنه إذا كانت السنة التطويل فإن الفرد إذا تعب أو الفردان لا يؤثر كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله.
قال: وفي رواية لمسلم: "صلى حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات" أي: ثماني ركوعات في أربع سجدات، هذا يبين قوله:"ثم سجد" أنه سجد سجودين في كل ركعة ليوافق الأحاديث الأخرى، لكن في مسألة الركوع إذا صلى ثماني ركعات كم كل ركعة من ركوع؟ أربع ركوعات، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن حديث عائشة في الصحيحين يدل على أنه صلى أربع ركوعات في كل ركعة ركوعان، وحديث ابن عباس المتفق عليه كم من الركوع فيه؟ أربع ركوعات، ومعلوم أن ما اتفق الشيخان مرجح على ما انفرد به مسلم لا شك فيه، ومن المعلوم أن الكسوف في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام لم يقع إلا مرة واحدة بالاتفاق، وعلى هذا فيكون المقصود: أربع ركوعات وأربع سجدات، وما عدا ذلك فهو شاذ؛
لأن الشذوذ ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه وأحسن منه وأوثق منه، إذن المعتمد الذي فعله الرسول- عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف كم؟ أربع ركوعات وأربع سجدات فقط.
نرجع إلى فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما، يستفاد منه: قوة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة؛ لأنه قام هذا القيام الطويل.
ويستفاد منه: أنه- بأبي وأمي- أهل لأن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إذا كان هذا عبادته لربه هذه العبادة التي لا يلحقها لاحق؛ فهو أهل لأن يغفر الله له ما تقدم وما تأخر.
ويستفاد منه: تحقيق قول الرسول- عليه الصلاة والسلام: "إني لأعلمكم بالله وأخشاكم لله". يقول عن نفسه- عليه الصلاة والسلام وهو صادق إذا كان يقوم في الليل حتى تتفطر قدماه هذه الخشية وهذه العبادة وهذه التقوى.
ويستفاد منه: أن الناس كثيرون، من أين يؤخذ؟ لأن حديث عائشة صرح بالجهر، ولم يصرح ابن عباس بأي شيء قرأ، ففيه دليل على أنه لم يسمع بل كان في المؤخر، وهذا يدل على أن الجمع كثير، وبه نرد على من قال: إن صلاة الكسوف لا يجهر فيها بالقراءة، واستدل بهذه الجملة؛ لأن بعض أهل العلم يقولون ذلك ويستدلون بقوله:"نحو من قيامه"، قالوا: لو كان يجهر لكان ابن عباس يسمع ويدري ما قرأ، لكننا نقول: كيف نرد اللفظ الصريح في حديث عائشة جهر بشيء محتمل ونحمله على وجه صحيح، ولا يلزم منه أنه لا يجهر وهو كثرة الجمع.
ويستفاد من حديث ابن عباس: أنه ينبغي تطويل صلاة الكسوف ولو شق ذلك على بعض الناس، لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام أطال وهذا يشق على بعض الناس، وقد ثبت في الصحيح أن بعضهم سقط من الغشية.
ويستفاد منه: أن الإنسان ينبغي له اتباع السنة وتطبيق المشروع، ولو شق ذلك على أفراد الناس إلا الأمور العارضة، لو قال لنا بعض الناس: أنا أحب أن يكون مسجدنا مسجدًا جامعًا، فلا نوافقه؛ لأن هذا يخل بمقصد الشرع باجتماع الناس كل أسبوع في مسجد واحد، ولهذا ما صار تعدد الجمعة للمسلمين إلا في القرن الثالث، يعني: مضى قرنان على المسلمين ما تعددت الجمع في مكان واحد إلا في القرن الثالث في بغداد، كل هذا حماية لهذا الجمع العظيم أن يتفرق، وأما ما يفعله بعض الناس من التهاون- حتى إني أسمع أن في بعض البلاد
الإسلامية كل مسجد تقام فيه الجماعة فإنها تقام فيه الجمع- فهذا منكر، اللهم إلا إذا كان الناس كثيرين والمساجد تضيق بهم فإنه على حسب الحاجة.
ويستفاد من حديث ابن عباس: تفصيل صلاة الكسوف: قيام، ثم ركوع، ثم قيام، ثم ركوع، ثم سجود، لكن القيام الذي بعد الركوع الثاني ليس فيه قراءة، في القيام الذي بعد الركوع الأول يقرأ القرآن، لكن هل يقرأ الفاتحة أو لا؟ اختلف في هذا أهل العلم، فمهم من قال: إنه يقرأ الفاتحة، ومنهم من قال: إنه لا يقرؤها، الذين قالوا: إنه لا يقرأ الفاتحة، قالوا: إن هذه ركعة واحدة، وقد قرئت فيها الفاتحة ولا حاجة إلى إعادتها، والذين قالوا: يقرأ الفاتحة، قالوا: لما كانت هذه القراءة يعقبها ركوع صار لا بد فيها من قراءة الفاتحة كالركوع الأول، وأنا إلى الآن ما اطلعت على شيء في الأحاديث يبين أنه قرأ الفاتحة بعد الركوع الأول، ونريد منكم تحرير هذه المسألة: هل أنه يقرأ الفاتحة بعد الركوع الأول أو يقتصر على الفاتحة التي قبل الركوع الأول.
ويستفاد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: الخطبة بعد الصلاة لقوله: "فخطب الناس" هذه الخطبة هل هي خطبة راتبة أو خطبة عارضة؟ فيها خلاف، فقال بعض أهل العلم: إنها خطبة راتبة، وأنه يشرع لصلاة الكسوف خطبة، واستدلوا بأن الرسول- عليه الصلاة والسلام خطب وحمد الله وأثنى عليه ووعظ الناس وهذه خطبته، ولم يقع لكسوف مرة أخرى يتركها الرسول- عليه الصلاة والسلام حتى نعرف أنها خطبة عارضة، ففي الحقيقة لما لم يقع الكسوف مرة أخرى، ويدع الرسول- عليه الصلاة والسلام هذه الخطبة فإننا لا ندري، لا نستطيع أن نقول: إنها خطبة عارضة، ونجزم بذلك، فالذين قالوا: إنها خطبة لازمة مشروعة لهذه الصلاة لهم وجهة قوية وهو مذهب الشافعي، وأنه يشرع أن يخطب لها لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه حمد الله وأثنى عليه، وخطب الناس ووعظهم والمشهور من مذهب الحنابلة أن هذه الخطبة خطبة عارضة لا لازمة للصلاة، وأنه إن رأى ما يوجب الخطبة خطب، وإلا فلا واستدلوا لذلك بأن الرسول- عليه الصلاة والسلام أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والتكبير والعتق ولم يذكر الخطبة، وعندي أن في هذا الاستدلال نظرًا؛ لأن الخطبة إنما يخاطب بها الإمام بخلاف الأشياء الأخرى.
فالقول بأن الخطبة خطبة راتبة لا عارضة قول قوي، ولكن إذا كان الإمام لا يعرف الخطبة، فما الجواب؟ الجواب: أن هذا الإيراد غير وارد؛ لأننا قلنا: إن المشروع أن تكون في الجوامع، وأئمة الجوامع غالبًا يستطيعون الخطبة، لكن على حسب الواقع وهي أنها تقام في كل مسجد، فإن بعض أئمة المساجد لا يستطيع أن يخطب، نقول: يمكن أن ينوب عنه واحد
من الحاضرين- إذا كان يعرف الخطبة- يقوم فيخطب ويذكر الناس، وعندي أنه في وقتنا الحاضر حتى لو قلنا: إن الخطبة عارضة لا راتبة، فإنه ينبغي أن يخطب؛ لأن الناس عندهم جهل عظيم وإعراض عن الآيات كبير، ولاسيما وأنه ينشر في الصحف وبين الناس الحديث عن الكسوف ووقته، فيأتي الكسوف وكأنهم متفتحون له منشرحو الصدور، ما كأنه أمر يخشى منه أو يفزع منه، وهذا لا شك أنه يقلل أهمية الكسوف في قلوب الناس، فإذا قام أحد بعد صلاة الكسوف ووعظ فيكون في هذا خير.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي في صلاة الكسوف أن تكون كل ركعة أقصر مما قبلها، كل قراءة وركوع تكون قصر مما قبله لهذا الحديث؛ ويتفرع على هذه الفائدة فائدة أخرى وهي الحكمة في التشريع ومراعاة أحوال الناس، لكن بدون أن نهدر الأمر المشروع، وأنه فيما يظهر لنا أن تخفيف الرسول- عليه الصلاة والسلام كل ركعة عما قبلها من أجل مراعاة أحوال الناس.
ويستفاد منه أيضا: وجوب الرفع من الركوع ومن السجود، وأنه أمر لا بد منه، ووجوب الركوع والسجود، لكن الركوع الثاني من كل ركعة عند أكثر أهل العلم سنة وليس بواجب.
روايات في كيفية صلاة الكسوف:
481 -
وعن علي رضي الله عنه مثل ذلك.
482 -
وله عن جابرٍ رضي الله عنه: "صلى ست ركعاتٍ بأربع سجداتٍ".
483 -
ولأبي داود: عن أبي كعب رضي الله عنه: "صلى، فركع خمس ركعاتٍ وسجد سجدتين، وفعل في الثانية مثل ذلك".
كم يكون الجميع إذا كان خمس في الأولى، وخمس في الثانية؟ عشرة، وذكر الفقهاء أنه يجوز إلى ست يكون ركوعين وثلاثًا، وأربعًا، وخمسًا وستًا؛ لأن هذه وردت عن الصحابة- رضي الله عنهم، ومثل هذا من المرفوع حكمًا؛ لأنه لا مجال للرأي فيه؛ ولهذا قال أهل العلم: إذا فعل الصحابي فعلًا يتعبد به لله فليس للرأي فيه مجال فيكون له حكم الرفع، ومثلوا بصلاة علي رضي الله عنه في الكسوف، ثلاث ركوعات في كل ركعة فيكون الجميع ستا.
المهم: هل هذا على سبيل التخيير والتشهي، يعني: كونه يزيد على ركوعين في كل ركعة