الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس أن يصلوا جماعة في بيوتهم أو في مكاتبهم، وهذا القول يجيز من قاله أن يصلي الإنسان بامرأته ويقول: إن الجماعة تنعقد بالمرأة، نتيجة هذا القول أن يصير كل واحد هنا نحن الحاضرين يصلي في ينته مع امرأته أو أمه أو أخته أو بنته، وحينئذ ماذا تكون المساجد؟ تكون المساجد معطلة.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: "أخالف إلي رجال" يدل علي أن الرجال لو أقاموها في أماكنهم يجزئ عنهم ذلك أم لا؟ لا، ما قال: إلي رجل، قال:"إلي رجال"، حتى هؤلاء الرجال لو صلوها في بيوتهم لا يجزئ، لابد أن يحضروا إلي المسجد، وهذا القول هو الراجح؛ أي: أنه يجب إقامة الجماعة في المساجد، وأن إقامتها في المساجد فرض عين وليست فرض كفاية.
وجوب الحضور للجماعة في المسجد:
381 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة علي المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا". متفق عليه.
- وعنه قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمي فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلي المسجد، فرخص له، فلما ولي دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب" رواه مسلم.
382 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سمع النداء فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر". رواه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، وإسناده علي شرط مسلم، لكن رجح بعضهم وقفه.
هذا الحديث في باب صلاة الجماعة، يقول:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"، وهذا كما سمعتم اختلف العلماء في رفعه ووقفه، والأظهر: أنه موقوف، وهذا يدل بظاهرة علي أن الإنسان إذا سمع النداء وجب عليه أن يحضر للمسجد، فإن لم يفعل فإنه لا صلاة له، وظاهر النفي نفي الصحة؛ لأن الأصل في النفي أن يكون نفيًا لذات الشيء، فإن لم يمكن حمل علي نفي الصحة، فإن لم يمكن فهو نفي للكمال، فإذا دار الأمر بين كون الشيء نفيًا للصحة أو نفيًا للكمال، فإنه يجب أن يحمل علي أنه نفي للصحة إلا أن يمنع من ذلك مانع، فإذا قلنا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر، صار في ذلك فائدتان:
الفائدة الأولي: أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة، وأن من لم يصل مع الجماعة بلا عذر لا صلاة له، وقد سبق أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبينا أنه ضعيف، وأن الصواب صحة صلاة المنفرد في بيته بلا عذر لكن مع الإثم.
ثانيًا: أنه يفيد أنه يجب الحضور إلي المساجد وليس المقصود تحصيل الجماعة، بل المقصود الحضور إلي المسجد، ولا يجوز للإنسان أن يصلي في مكان جماعة وليس بمسجد، اللهم إلا إذا كان المسجد بعيدًا يشق عليه الذهاب إليه فهذا لا بأس به، أما أن يكون المسجد قريبًا منك وتسمع النداء وتقول لمن معك في المجلس: هيا نصلي جماعة فهذا لا يجوز ولا يجزئ عنه، وإن كان بعض أهل العلم- رحمهم الله قالوا: إن المقصود: الجماعة سواء في المسجد أو في البيت، وأنه إذا صلى جماعة في البيت ولو كان المسجد قريبًا فلا إثم عليه، وذهب آخرون إلي أن الصلاة في المساجد من باب فروض الكفايات، والصواب: أن الصلاة في المسجد فرض عين، وأنه لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر.
شرح حديث أبي هريرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة علي المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر" المنافقون هم: الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، مأخوذ من نافقاء اليربوع وهو: القشرة الرقيقة التي يجعلها في آخر جحره لأجل أن يخرج من باب حجر آخر إذا حصر من هذه النافقة، فكأن المنافق- والعياذ بالله- تستر بما يكون علي ما في قلبه، فإنهم يقولون: إنهم مسلمون ويحلفون علي ذلك، ويشهدون علي أنفسهم بالإسلام، لكن هم كاذبون- والعياذ بالله-، وأول ما ظهر النفاق بعد غزوة بدر؛ لأن الناس قبل غزوة بدر ليس عندهم من القوة ما يهابهم الكفار بها، فلما كانت غزوة بدر وانتصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهزم أولئك الكفار من قريش وقتلت صناديدهم قوي الإسلام وعندئذ نبع فجر النفاق- والعياذ بالله- وصار الإنسان يأتي إلي المسلمين ويقول: إنه مسلم، ويذهب إلي قومه يقول:{إنا معكم إنما نحن مستهزءون (14)} [البقرة: 14]، وكثر النفاق في المدينة- والعياذ بالله- {ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [التوبة: 101]، المنافقون يظهرون ويأتون إلي الصلوات مع المسلمين
يحضرونها لكنها ثقيلة عليهم، لماذا؟ لأنهم ليس في قلوبهم إيمان يحثهم إلي أن يأتوا إلي مناجاة الله- سبحانه وتعالي-، قلوبهم أبعد ما يكون عن الله وأكفر ما يكون بالله-والعياذ بالله-، فهم تثقل عليهم الطاعات؛ لأنهم ليس عندهم الرغبة الصادقة في طاعة الله-سبحانه وتعالي- وتثقل عليهم الصلوات لأنها آكد أعمال البدن، وكلما كانت الطاعة أوكد كانت علي المنافق أثقل، وعلم من هذا الحديث أن جميع الصلوات ثقيلة عليهم، كما قال الله تعالي في آية آخري: {وإذا قاموا إلي
الصلوات قاموا كسالي} [النساء: 142]، لكن أثقل الصلوات صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لماذا؟ لأن هاتين الصلاتين لا يتبين فيهما الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت المساجد والبيوت ليس فيها مصابيح، ليس فيها كهرباء حتى يعرف الناس بعضهم بعضًا فيأتون وهم لا يعرفون في صلاة العشاء فتثقل عليهم لا تخف في نفوسهم، وكذلك أيضًا في صلاة الفجر حيث إن الناس ليس عندهم أنوار فإذا ذهبوا صارت أثقل عليهم، وقيل: إن ثقلهما علي المنافقين أكثر من غيرهما؛ لأنها أوقات نوم، ويحتمل هذا وهذا.
علي كل حال: صلاة العشاء وصلاة الفجر ثقيلة علي المنافقين أكثر من غيرهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا" يعني: ولو كانوا يحبون علي ركبهم، "لو يعلمون ما فيهما لأتوهما" ما معني "ما فيهما": هل المراد: ما فيهما من الأجر، أو المراد: ما فيهما من الوزر عند الترك، أو الأمران؟ الأمران أولي، يعني: ما فيهما من الأجر عند الفعل، وما فيهما من الوزر عند الترك لو يعلمون ذلك لأتوهما ولو حبوا ولما تأخروا عنها، هم إذا سمعوا هذا الحديث علموا، لكن انتفاء العلم عنهم لعدم انتفاعهم به، والشيء قد ينفي لعدم الانتفاع به؛ {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (21)} [الأنفال: 21]. لا ينتفعون بهذا السماع فهم لو علموا ما فيهما لكن هذا العلم لا ينفعهم فيكون كالجهل تمامًا.
يستفاد من هذا الحديث فوائد عديدة أولًا: وجوب الحضور إلي المسجد في صلاة العشاء وفي صلاة الفجر وغيرهما من باب أولى.
ثانيًا: أن الصلوات كلها ثقيلة علي المنافقين، ولكن أثقلها العشاء والفجر.
الفائدة الثالثة: أن المصلي لا ينفعه عمله ولو كان صالحًا في ظاهره، ما الدليل؟ الدليل ثقل الصلاة عليهما ولو نفعتهما لكانت خفيفة وسهلة عليهما كما قال الله تعالي:{وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين (45)} [البقرة: 45].
الفائدة الرابعة: أن من أحس بنفسه بثقل الصلاة عليه فليعلم أن في قلبه نفاقًا وأنه مشابه للمنافقين، في هذه الحال فعليه أن يحاسب نفسه وأن يفكر في أمره.
ومن فوائده أيضًا: أن المؤمن الخالص تكون الصلاة عليه خفيفة، لأنه يحبها، ولأنه يؤمن بفائدة الوقوف بين يدي ربه عز وجل يناجيه بكلامه ويتقرب إليه بأفعاله وأقواله ويسأله حاجاته، ولهذا كانت الصلاة قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لماذا؟ لأنه أكمل الناس إيمانًا وأعلمهم بالله عز وجل، وهي راحة القلب لمن كان مؤمنًا حقًا، أما المنافق فإنها ثقيلة عليه- والعياذ بالله-.