الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح مجدليابة
(1)
[281]
وأقام السلطان مخيما على النل بباب عكا، وكتب إلى أخيه الملك العادل بمصر يبشره بما فتح الله تعالى على يديه، ويأمره بالمسير إلى بلاد الفرنج من جهة الديار المصرية فيمن بقى عنده من العساكر في محاصرة ما يليه منها، فسار إلى حصن مجدليابة، فحصره وفتحه وغنم ما فيه، وورد كتابه بذلك إلى السلطان، فكان فتحا عظيما.
ذكر فتح عدة حصون حول عكا
وفى مدة مقام السلطان بعكا فرّق عسكره إلى الناصرة، وقيسارية، وحيفا، وصفوريّة، ومعليا، والشقيف، والفولة، والطور، وغيرها من البلاد المجاورة لعكا، فملكوها ونهبوا ما فيها، وسبوا نساءها وأطفالها، وقدموا من ذلك بما سد الفضاء، وسيّر السلطان ابن أخيه الملك المظفر تقى الدين فنزل على تبنين ليقطع الميرة عنها وعن صور، وسيّر ابن اخته (2) حسام الدين بن لاجين إلى نابلس.
ذكر فتح نابلس
فأتى حسام الدين سبسطية، وفيها قبر زكريا عليه السلام، فأخذها من أيدى الكفار، ووصل إلى نابلس، فدخلها وحصر قلعتها، واستنزل من بها
(1) الأصل: «مجدل يافا» وفى س و (ابن الأثير، ج 11، ص 304) و (الروضتين، ج 2، ص 87): «مجدل يابا» ، وقد رسمت كما بالمتن وضبطت بعد مراجعة (ياقوت: معجم البلدان) حيث ذكر أنها قرية قرب الرملة بها حصن محكم.
(2)
الأصل: «أخيه» والتصحيح عن س (14 أ) و (الروضتين، ج 2، ص 88).
بالأمان، وتسلّم القلعة، وأقام أهل البلد - وكانوا مسلمين - تحت الذمة، فأقرّهم على أموالهم وأملاكهم.
وكتب السلطان في تلك الأيام إلى الخليفة الإمام الناصر لدين الله - أمير المؤمنين - كتابا بالإنشاء العمادى، أوله:
{" وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ (1)} ، الحمد لله على ما أنجز من هذا الوعد، وعلى نصرته لهذا الدين الحنيف من قبل ومن بعد، وجعل من بعد عسر يسرا، وقد أحدث الله بعد ذلك أمرا، وهوّن الأمر الذى ما كان الإسلام يستطيع عليه صبرا، وخوطب الدين بقوله: ولقد مننا عليك مرة أخرى، فالأولى في عصر النبى والصحابة، والأخرى هذه التي عتق بها من ذل الكآبة، وهو قد أصبح حرّا ريّان الكبد الحرّا، والزمان كهيئته استدار، والكفر قد ردّما كان عنده من المستعار، فالحمد لله الذى أعاد الإسلام جديدا ثوبه، مبيضا نصره، مخضرا نصله، متسعا فضله، مجتمعا شمله.
والخادم يشرح من نبأ هذا الفتح العظيم والنصر [282] الكريم ما يشرح صدور المؤمنين، ويمنح الحبور لكافة المسلمين، ويورد البشرى بما أنعم الله به من يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس سلخه، وتلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما، سخرها الله على الكفار، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وإذا رأيت ثمّ رأيت البلاد على عروشها خاوية (2)، ورأيتها إلى الإسلام ضاحكة وكانت من الكفر باكية:
فيوم الخميس الأول فتحت طبرية.
(1) الآية 105 (ك)، السورة 21 (الأنبياء).
(2)
الأصل: «خالية» والتصحيح عن س (14 ب) والعماد (الروضتين، ج 2، ص 89).
ويوم الجمعة والسبت نوزل الفرنج فكسروا الكسرة التي ما لهم بعدها قائمة، وأخذ الله أعداءه بأيدى أوليائه، أخذ القرى وهى ظالمة.
وفى يوم الخميس الثانى سلخ الشهر فتحت عكا بالأمان، ورفعت أعلام الإيمان، وهى أم البلاد، وأخت إرم ذات العماد.
وقد أصدر هذه المطالعة وصليب الصلبوت مأسور، وقلب ملك الكفر الأسير بجيشه المكسور مكسور، والحديد الكافر الذى كان في يد الكفر يضرب وجه الإسلام قد صار حديدا مسلما يعوق خطوات الكفر عن الإقدام، وأنصار الصليب وكباره (1) وكل من العمودية عمدته والدير داره قد أحاطت به يد القبضة، وغلق رهنه فلا يقبل فيه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وطبرية قد رفعت أعلام الإسلام عليها، ونكصت من عكاملّة (2) الكفر على عقبيها، وعمرت إلى أن شهدت يوم الإسلام وهو خير يوميها.
وقد صارت البيع مساجد يعمرها من آمن بالله واليوم الآخر، وصارت المذابح مواقف لخطباء المنابر (3)، واهتزت أرضها لموقف المسلم فيها وطالما ارتجت لموقف الكافر.
فأما القتلى والأسرى فإنها تزيد على ثلاثين ألفا (4).
وأما فرسان الداويّة والاسبتارية فقد أمضى حكم الله فيهم، وقطعتهم سيوف نار الجحيم، ودخل الداخل منهم إلى الشقاء المقيم، وقتل الابرنس كافر الكفار، ونشيدة (5) النار من يده في الإسلام كما كانت يد الكليم.
(1) س: «وكفاره» ، وما بالمتن يتفق ونص العماد.
(2)
هذان اللفظان ساقطان من س.
(3)
الأصل وس: «الخطبا والمنابر» وما هنا عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 89).
(4)
س: «ثلاثين ألف فارس» .
(5)
الأصل: «ونشده» والتصحيح عن العماد، أما س (14 ب) فإن النص فيها:«وصار إلى العذاب المقيم في النار» .