الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توران شاه، ثم ملكها الملك الناصر صلاح الدين بن الملك العزيز (1) - صاحب حلب -، ثم ملكها التتر، ثم صارت بعده للملك المظفر قطز، ثم ملكها بعده الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، ثم صارت بعده لمولانا الأعظم الملك المنصور سيف الدين قلاوون (2) رحمة الله على سائر ملوك الإسلام أجمعين وعلى سائر المسلمين.
ذكر نصرة المسلمين على الفرنج ببحر القلزم
(3)
لما صعب على البرنس أرناط - صاحب الكرك - ما توالى عليه من نكاية المسلمين المقيمين بحصن أيلة - وهى في وسط البحر لا سبيل للفرنج إليها - أفكر في وجه يتأتى له به فتحها، فبنى سفنا، ونقل أخشابها على الجمال إلى الساحل، ثم ركّب المراكب وشحنها بالرجال وآلات القتال، وأوقف منها مركبين على جزيرة القلعة (4)، تمنع أهلها استقاء الماء، ومضى الباقون في مراكب إلى عيذاب [240]، فقطعوا طريق التجارة، وشرعوا في القتل والأسر والنهب، ثم توجهوا إلى أرض الحجاز، فعظم البلاء، وأعضل الداء، وأشرف أهل المدينة النبوية منهم على خطر عظيم.
(1) أنظر أسماء ملوك بعلبك من الأيوبيين وسنى حكمهم في: (زامباور: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة، الترجمة العربية، ج 1، ص 152 - 153).
(2)
هذا استطراد من نوع الاستطرادات السابقة واللاحقة التي امتاز بها المؤلف في هذا الكتاب، والتي دأب على إيرادها كلما عرض لذكر مدينة من مدن الشام، فهو يتتبع حاكميها إلى عصره، ونفيد من هذا الاستطراد كذلك أن المؤلف كان يكتب هذا الجزء من تاريخه في حياة السلطان قلاوون، وبعد سنة 678 هـ، وهى السنة التي تولى فيها هذا السلطان الحكم. أنظر أيضا ما فات هنا ص 75، هامش 1
(3)
هو البحر الأحمر الحالى، وسمى هكذا نسبة إلى مدينة القلزم التي كانت تقع في أقصى شمال خليج القلزم، وقد خربت هذه المدينة في القرن الخامس الهجرى، وعلى أنقاضها نشأت مدينة السويس الحالية في القرن السادس الهجرى، وسمى الخليج بخليج السويس كذلك.
(4)
يقصد الجزيرة التي عليها قلعة أيلة فقد قال في صدر هذه الفقرة إن حصن أيلة كان في وسط البحر (أي في جزيرة) لا سبيل للفرنج إليها.
ووصل الخبر إلى مصر، وبها نائب السلطان - وهو أخوه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب - فأمر الحاجب حسام الدين لؤلؤ يعمّر في بحر القلزم مراكب بالرجال البحرية، وسار إلى أيلة، فظفر بالمركب الفرنجى عندها، فأحرقه وأسر من فيه، ثم سار إلى عيذاب (1)، ودل على مراكب الفرنج، فتبعها، فوقع بها بعد أيام، وأوقع بها، وأطلق المأسورين من التجار، وردّ عليهم ما أخذ منهم، ثم صعد البر، فوجد هناك عربانا نازلين، فركب خيلهم، وسار وراء المنهزمين من الفرنج، فحصرهم في شعب لا ماء فيه، فأسرهم جميعهم، وكان ذلك في الأشهر الحرم، فساق منهم أسيرين إلى منى لينحروا بها كما ينحر الهدى، عقوبة لهم على قصد حرم الله وحرم رسوله؛ وعاد إلى القاهرة ومعه الأسرى (2).
(1) كانت عيذاب ميناء هامة على بحر القلزم (الأحمر) ينتهى إليها طريق الحج والتجارة الذى يبدأ من قوص على النيل، وإليها تنتهى تجارات اليمن والحبشة والهند، وكان الحاج من المغاربة يؤثرون هذا الطريق على غيره ليتفادوا صعوبات الإبحار في بحر القلزم، أو أخطار الطريق البرى عبر صحراء سيناء وبلاد العرب، لأن عيذاب تقابل ثغر جدة على الشاطىء العربى، وتعبر السفينة المسافة بينهما في ليلة واحدة. وقال (على مبارك: الخطط التوفيقية، ج 14، ص 56) أن عيذاب تقع مكان «بيرنيس القديمة» ، غير أن محمد رمزى قال في تعليقاته على (النجوم الزاهرة، ج 7، ص 69، هامش 2) أن هذا خطأ، وأن موقعها كان جنوبى رأس أبو فاطمة على خط عرض 22 درجة و 20 دقيقة، بقابلها من الغرب على النيل قرية أبو سنبل التي بمركز الدر الواقعة شمال بلدة وادى حلفا على بعد 66 كيلو مترا منها. أنظر أيضا:(رحلة ابن جبير) و (رحلة ابن بطوطة) و (خطط المقريزى).
(2)
وزع الأسرى على المدن الكبرى ليشهروا بها ثم يقتلوا، وقد شاهد الرحالة ابن جبير عند نزوله بالاسكندرية الموكب الذى شهرقيه بعض هؤلاء الأسرى، ووصف الحادثة وصفا فيه تكملة للمعلومات الواردة هنا، قال في (الرحلة، ص 58 - 60): «. . . لما حللنا الاسكندرية في الشهر المؤرخ (ذو الحجة سنة 578 هـ) أولا عاينا مجتمعا من الناس عظيما برزوا لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ووجوههم إلى أذنابها، وحولهم الطبول والأبواق، فسألنا عن قصتهم، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزنا، وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من بحر القلزم، ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بكراء اتفقوا معهم عليه، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم، وأكلوا إنشاءها وتأليفها، ودفعوها في البحر وركبوها قاطعين بالحجاج، وانتهوا إلى بحر النعم (اليمن) فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركبا، وانتهوا إلى عيذاب =
وكتب الملك العادل إلى أخيه السلطان يعرفه ذلك، فورد عليه كتاب السلطان يأمره بضرب رقابهم، بحيث لا يبقى منهم أحد يخبر عن ذلك البحر وطريقه، ففعل ذلك وكفى الله الحرمين الشريفين شر عدو الدين؛ وكتب القاضى الفاضل عن السلطان بالبشارة منه:
" فصل: كان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا، وافتضوا من البحر بكرا، وعمّروا مراكب بحرية، شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز وأثخنوا وأوغلوا في البلاد، [واشتدت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهل القبلة لما أومض إليهم من خلل العواقب](1) وما ظن المسلمون إلا أنها الساعة، وقد نشر مطوى (2) أشراطها، والدنيا وقد طوى منشور بساطها، وانفطر (3) غضب الله لفناء بيته المحرم، ومقام خليله الأكرم، وتراث أنبيائه (4) الأقدم، وضريح نبيه الأعظم صلى الله عليه وسلم
= فأخذوا فيها مركبا كان يأتى بالحجاج من جدة، وأخذوا أيضا من البر قافلة كبيرة تأتى من قوص إلى عيذاب، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحدا، وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة - أعزهما الله -، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام، ولا انتهى رومى إلى ذلك الموضع قط، ومن أعظمها حادثة تسدّ المسامع شناعة وبشاعة، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراجه من الضريح المقدس، أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم، فأخذهم الله باجترائهم عليه وتعاطيهم ما يحول عناية القدر بينهم وبينه، ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم، فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والاسكندرية دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد من المغاربة البحريين، فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه، فأخذوا عن آخرهم، وكانت آية من آيات العنايات الجبارية، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهر ونصف أو حوله، وقتلوا وأسروا، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها، ووجه منهم إلى مكة والمدينة، وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمرا عظيما».
(1)
ما بين الحاصرتين زيادة عن نص الرسالة الوارد في (الروضتين، ج 2، ص 37).
(2)
الأصل: «مطوا» ، والتصحيح عن الروضتين.
(3)
في الروضتين: «وانتظر» .
(4)
الأصل: «بنيانه» ، وما هنا عن الروضتين.
ورجوا أن تشحذ البصائر آية [كآية](1) هذا البيت إذ قصده أصحاب الفيل، ووكلوا إلى الله الأمر وكان حسبهم ونعم الوكيل، وكان للفرنج مقصدان:
أحدهما قلعة أيلة التي هى على فوهة بحر الحجاز [و](1) مداخله، والأخرى الخوض في هذا البحر الذى تجاوره بلادهم [من](1) سواحله، وانقسموا (2) فرقتين، وسلكوا الطريقين؛ [241] فأما الفريق الذى قصد قلعة أيلة فإنه قدر أن يمنع أهلها [من](1)، مورد الماء الذى به قوام الحياة، ويقابلهم بنار العطش المشبوب الشباه، وأما الفريق القاصد سواحل الحجاز واليمن فقدر أن يمنع طريق الحاج عن حجه، ويحول بينه وبين ثجه، [ويأخذ تجار اليمن، وأكارم عدن](1)، ويلم بسواحل الحجاز، فيستبيح - والعياذ بالله - المحارم، ويهيج جزيرة العرب بعظيمة دونها العظائم ".
" وكان الأخ سيف الدين بمصر قد عمّر مراكب، وفرقها على الفرقتين (3) وأمرها بأن تطوى وراءهم الشقتين فأما السائرة إلى قلعة أيلة فمنها انقضت على مرابطى منع الماء انقضاض الجوارح على بنات الماء، فقذفتها قذف شهب السماء مسترقى سمع الظلماء، [فأخذت مراكب العدو برمتها، وقتلت أكثر مقاتلتها، إلا من تعلق بهضبة وما كاد، أو دخل في شعب وما عاد، فإن العربان اقتصوا آثارهم، والتزموا إحضارهم، فلم ينج منهم إلا من ينهى عن المعاودة، ومن قد علم أن أمر الساعة واحدة] (1) ".
" وأما السائرة إلى بحر الحجاز فتمادت في الساحل الحجازى إلى غابر (4) إلى سواحل الحوراء، [فأخذت تجارا وأخافت رفاقا، ودلها على غوارب البلاد من الأعراب من هو أشد كفرا ونفاقا](1)، فهناك وقع عليها أصحابنا، وأخذت
(1) ما بين الحاصرتين زيادات عن النص الوارد في (11 الروضتين، ج 2، ص 37).
(2)
الأصل: «واقتسموا» : والتصحيح عن الروضتين.
(3)
الأصل: «وفرقها فرقتين» وما هنا عن الروضتين.
(4)
في الروضتين: «رابغ سواحل الحوراء» .
المراكب بأسرها، وفرّ فرنجها (1) بعد إسلام المراكب، فسلكوا في طريق الجبال مهاوى المهالك، ومعاطن المعاطب؛ وركب أصحابنا وراءهم خيل العرب فشلوهم شلا، واقتنصوهم أسرا وقتلا، وما زالوا يتبعونهم خمسة أيام خيلا ورجلا، نهارا وليلا، حتى لم يتركوا منهم مخبرا، ولم يبقوا لهم أثرا، وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا، وقيد منهم إلى مصر مائة وسبعون (2) أسيرا [وسيّر هذا الكتاب إلى الديوان العزيز ببغداد (3)] ".
ومن كتاب آخر:
(1) بهذا اللفظ يلتقى النص مرة أخرى بنسخة س (78 ا).
(2)
كذا في الأصل و (الروضتين، ج 2، ص 37)؛ وفى س (78 ا): «مايتى وسبعون» وفى (الروضتين، ج 2، ص 36 - 37) مقتطفات من جملة رسائل كتبها الفاضل عن هذه الحادثة تزيدها إيضاحا، فانظرها هناك.
(3)
ما بين الحاصرتين عن س.
(4)
كذا في الأصل، والروضتين؛ وفى س:«جماعة» .
(5)
في الأصل: «وجدوا» ؛ والتصحيح عن الروضتين.
(6)
الأصل وس: «الأعمار» ، والتصحيح عن الروضتين.
(7)
الأصل: «لينبتوا» ، وس «ليبتنوا» ، وما هنا عن الروضتين.
(8)
يقابل هذه الفقرة في س جملة مضطربة ونصها: «عسكرية بلغت أقصى إفريقية وهى مفتوحة
(9)
نص هذه الفقرة في الأصل وفى س: «وعاديه في شخص تلك البلاد روحه» ، وقد صححت بعد مراجعة الروضتين.
وفى هذه السنة - أعنى سنة ثمان وسبعين (1) وخمسمائة - أنعم السلطان بأعمال قلعة الهيثم على نور الدين محمد (2) بن قرا أرسلان صاحب الحصن (3)، وكانت جارية في عمل [242] الموصل، فلما تسلمها سلمها إليه؛ وكان نور الدين [محمود بن زنكى]رحمه الله حين توجه إلى الموصل في أوائل سنة ست وستين عند وفاة أخيه قطب الدين [مودود] وعد ابن قرا أرسلان بقلعة الهيثم، ثم سلمها إليه دون أعمالها، تحلة ليمينه ووفاء بوعده؛ ولما جاء نور الدين بن قرا أرسلان لمساعدة السلطان [صلاح الدين] في هذه السنة خصه عاجلا بها، ثم وهبه قلعته الجديدة، [وهى قريبة من نصيبين](4) ووعده بفتح آمد له.
ذكر اتفاق (5)
صاحب أخلاط وصاحب ماردين وصاحب الموصل
على حرب السلطان رحمه الله
وترددت رسل عز الدين مسعود بن مودود بن زنكى - صاحب الموصل - إلى شاه أرمن (6) سكمان ظهير الدين - صاحب أخلاط - يستنجده ويستنصره على السلطان، فأرسل شاه أرمن (6) ظهير الدين إلى السلطان عدة رسل في الشفاعة
(1) الأصل: «وسبعون» .
(2)
الأصل «محمود» والتصحيح عن (الروضتين) و (وزامباور: معجم الأنساب، الترجمة العربية، ص 344).
(3)
المقصود «حصن كيفا» .
(4)
ما بين الحاصرتين عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 38) زيد للايضاح.
(5)
الأصل: «نفاق» وما هنا عن س (78 أ) وهو الصحيح.
(6)
رسمت في الأصل: «شاهر من» .
إليه بالكفّ عن الموصل وما يتعلق بعز الدين، فلم يجبه إلى ذلك وغالطه، فأرسل إليه مملوكه سيف [الدين](1) بكتمر، فأتاه وهو يحاصر سنجار يطلب منه أن يتركها، وقال له إن رحل عنها وإلا تهدده بقصده ومحاربته، فأبلغه بكتمر الشفاعة، فسوّف في الجواب رجاء أن يفتحها، فلما رأى بكتمر ذلك أبلغه الرسالة الثانية بالتهديد وفارقه (2) غضبان، ولم يقبل منه خلعة ولا صلة، وأخبر صاحبه الخبر، وخوّفه عاقبة الإهمال والتوانى عنه، فسار ظهير الدين من أخلاط وكان مخيما بظاهرها، وسار إلى ماردين وصاحبها ابن أخيه وهو قطب الدين إيلغازى (3) بن ألبى بن تمرتاش بن إيلغازى بن ارتق، وقطب الدين ابن خال عز الدين صاحب الموصل وحموه (4)، وحضر مع ظهير الدين دولة شاه - صاحب بدليس وأرزن -، وسار عز الدين - صاحب الموصل - في عسكره جريدة من الأثقال، واجتمعت عساكرهم على حرزم (5)، وهى ضيعة من أعمال ماردين.
وكان السلطان قد ملك سنجار، وعاد منها إلى حران، وتفرقت عساكره كما ذكرناه، فلما سمع اجتماعهم (6) أرسل إلى ابن أخيه الملك المظفر تقى الدين - صاحب حماة - يستدعيه، فوصل إليه مسرعا، وأشار عليه بالرحيل إليهم، وحذره آخرون، فكان هوى (7) السلطان في الموصل، فرحل إلى رأس عين
(1) ما بين الحاصرتين عن س والروضتين.
(2)
س: «وفارق السلطان» .
(3)
س: «ابن ايلغازى» .
(4)
س (78 ب): «وحماه» وما بالأصل هو الصحيح، فهو يقصد أن قطب الدين كان والد زوجة عز الدين صاحب الموصل.
(5)
س: «حزم» وقد ضبط هذا اللفظ بعد مراجعة (ياقوت، معجم البلدان) حيث عرفها أنها يلدة في واد ذات نهر جار وبساتين بين ماردين ودنيسر من أعمال الجزيرة، وأكثر أهلها أرمن نصارى
(6)
س: «فلما سمع باجتماع العساكر مع صاحب المرصل» .
(7)
الأصل، «هوا» والتصحيح عن س.