الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما جرى عليه الحال في أمر أسارى المسلمين
وما تجدد من حوادث
لما تسلم الفرنج عكا لم يقفوا على الشرائط التي اشترطوها المسلمون، فاحتاطوا عليهم ومنعوهم من الخروج، ثم أخذوا أموالهم وحبسوهم، وعزم ملك افرنسيس على المسير إلى بلاده لأمر اختل عليه، فأخذ قسما من الأسارى، وسلّمهم إلى المركيس، ووكله في قبض نصيبه.
وخرج الفرنج يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة من جانب البحر، وانتشروا بالمرج، ووصلوا إلى الآبار التي حفرها اليزك، وتواقعوا مع اليزك، وأمدهم السلطان، فكسرهم المسلمون، وألحقوهم بخنادقهم، ولم تزل الرسل تتردد بين السلطان وبينهم إلى يوم الجمعة تاسع رجب، فخرج حسام الدين حسين بن تازيك المهرانى، ومعه اثنان من أصحاب الانكلتير، فأخبر أن ملك الافرنسيس صار إلى صور، وذكروا شيئا من أمر الأسارى، وطلبوا أن يشاهدوا صليب الصلبوت، وأنه هل هو في العسكر أو حمل إلى بغداد، فأحضر صليب الصلبوت، فشاهدوه وعظموه، ورموا نفوسهم إلى الأرض، ومرغوا خدودهم على التراب، وذكروا أن الملوك قد أجابوا السلطان إلى أن يكون ما أوقع عليه القرار أن يدفع في نجوم ثلاث، كل نجم في شهر.
ولم تزل الرسل تتواتر في تحرير القاعدة حتى حصل لهم ما التمسوه من الأسارى والمال المختص بذلك النجم [385] وهو: الصليب ومائة ألف دينار، وستمائة أسير، وأنفذوا ثقاتهم (1)، وشاهدوا الجميع ماعدا الأسارى المعينين من جانبهم، فإنهم لم يكونوا فرغوا من تعيينهم، ولم يكلموهم حتى يحصلوا، ولم يزالوا يطاولون ويقضون الزمان حتى انقضى النجم الأول في ثامن عشر رجب.
(1) كذا في الأصل، وعند ابن شداد - الأصل المنقول عنه هنا -:" نقباءهم ".
ثم أنفذوا في ذلك اليوم يطلبون ذلك، فقال لهم السلطان:
" إما أن تنفذوا إلينا أصحابنا، وتتسلموا الذى عيّن لكم في ذلك النجم، ونعطيكم رهائن على الباقى تصل إليكم في نجومكم الباقية، وإما أن تعطونا رهائن على ما نسلمه إليكم حتى تخرجوا إلينا أصحابنا ".
فقالوا:
" لا نفعل شيئا من ذلك، بل تسلمون ما يقتضيه هذا النجم، وتقنعون بأماننا حتى نسلم إليكم أصحابكم ".
فأبى السلطان ذلك، لعلمه أنهم إن تسلموا الصليب والأسرى وأصحابنا عندهم يؤمن غدرهم، فلما رأوه قد امتنع من ذلك أخرجوا خيامهم مبرزين في الحادى والعشرين من رجب.
وخرج الانكلتير وجماعة من الخيالة والتركبلى (1)، وركبوا في وقت العصر السابع والعشرين من رجب، وساروا حتى أتوا إلى الآبار التي تحت تل العياضية، ثم أحضروا من الأسارى المسلمين من أراد الله تعالى شهادته (2)، ووقفوهم وحملوا عليهم فقتلوهم صبرا، واليزك الإسلامى يشاهدهم ولا يعلمون ما يصنعون لبعدهم عنهم، وكان اليزك قد أنفذ إلى السلطان وأعلمه بركوب القوم، فأنفذ إلى اليزك من قوّاه، وبعد أن فرغوا منهم حمل المسلمون عليهم، وجرت بينهم حرب عظيمة، جرى فيها جروح كثيرة وقتل من الجانبين.
وأصبح المسلمون فوجدوا المسلمين الشهداء في مواضعهم صرعى، وعرفوا من عرفوا منهم، ولم يبق العدو من المسلمين إلا رجلا معروفا مقدّما، أو قويا له يد للعمل في عمائرهم، وتصرف السلطان في المال، وأعاد الاسارى إلى أربابها.
(1) الأصل: «التوكيل» ، وقد صححت بعد مراجعة:(الروضتين، ج 2، ص 189)، ولشرح اللفظ راجع ما فات هنا ص 149، هامش 1
(2)
بعد هذا اللفظ في الروضتين: «وكانوا زهاء ثلاثة آلاف مسلم في الحبال» .