الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليوم أياز الطويل من مماليك السلطان، وكان من المشهورين بالبأس والشجاعة، وسبب قتله أن فرسه تقنطر به فاستشهد، ودفن على تل هناك، وقتل عليه مملوك له.
ونزل السلطان بالثقل على البركة، ثم رحل بعد العصر، فنزل على نهر القصب أيضا، فكان المسلمون يشربون من أعلاه، والفرنج يشربون من أسفله، وبينهم مسافة يسيرة، وبات الفريقان هناك.
ثم رحل السلطان وعبر شعراء أرسوف، ونزل على قرية تعرف بدير الراهب، فطلب ملك الانكلتير الاجتماع بالملك العادل خلوة، فاجتمعا، فأشار بالصلح، وكان حاصل كلامه: " أنه قد طال بيننا القتال، ونحن جئنا في نصرة أصحاب الساحل، فاصطلحوا أنتم وهم، وكل منا يرجع إلى مكانه.
فقال الملك العادل:
" على ماذا يكون الصلح؟ ".
فقال:
" على أن يسلم إلى أهل الساحل ما أخذتم من البلاد ".
فأبى الملك العادل ذلك، وأخبره أن دون ذلك قتل كل فارس وراجل؛ فرجع مغضبا.
ذكر وقعة أرسوف
ولما كان يوم السبت رابع عشر شعبان تأهب المسلمون للقاء الفرنج، وأزعجوهم وضايقوهم، فلما رأى الفرنج ما نزل بهم من الضائقة اجتمعوا وحملوا حملة واحدة.
قال القاضى بهاء الدين:
لقد رأيتهم وقد اجتمعوا في وسط الرجّالة، وأخذوا رماحهم، وصاحوا صيحة واحدة، وفرج لهم رجالتهم، فحملوا من جميع الجوانب، فانكشف المسلمون من بين أيديهم، ولم يبق في طلب السلطان إلا سبعة عشر مقاتلا (1)، والأعلام باقية، والكوسات (2) تدق لا تفتر، فلما رأى السلطان [388] ما نزل بالمسلمين سار حتى أتى طلبه، فوقف فيه والناس يفرون من القتال، وكلما رأى فارا (3) من الحرب يحضره عنده، فاجتمع في الطلب خلق عظيم، ووقف العدو في مقابلتهم على رؤوس التلول والروابى، وخاف العدو أن يكون في الشعرا كمين، وكان يومئذ مع السلطان صارم الدين قايماز النجمى وعسكر الموصل، فندبهم السلطان لقتال العدو، وركب العساكر على العدو، وجرت بهم مقتلة عظيمة، وقتل من العدو كند عظيم، وقاتل دون جماعة من مقدميهم فما قتل حتى قتلوا، والتجأ العدو إلى جدران أرسوف، ولولا ذلك لا ستأصلوا.
وجلس السلطان ينتظر عود الناس، وأحضرت إليه الجرحى، فتقدم بمداواتهم، وجرح من الطائفتين جمع كثير، وصدم يومئذ الملك الأفضل نور الدين ولد السلطان، وانفتح دمل كان في وجهه، وسال منه دم كثير، وأحضر بين يدى السلطان، وأخذ من أسرى الفرنج أسيرا فضرب عنقه.
(1) الأصل: «سبعون رجلا مقاتلا» ، والتصحيح عن:(ابن شداد، السيرة، ص 176).
(2)
راجع: (مفرج الكروب، ج 1 ص 11، هامش 2).
(3)
الأصل: «فار» والتصحيح عن المرجع السابق.