الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرنا بعضه، فأصيب السلطان بموته، لأنه كان من أعظم أعوانه على ما يكابد من الشدائد، غير أنه كان قد تغير قلبه عليه في آخر وقت بسبب اشتغاله بمحاربة جيرانه، وخذلانه له في وقت الحاجة إلى مساعدته على ما هو بصدده من الجهاد.
واتفق أنه في ليلة الجمعة المذكورة أصيب السلطان أيضا بالأمير حسام (1) الدين محمد ابن عمر بن لاجين، وهو ابن أخته، فأصيب في تاريخ واحد بابن أخيه وابن أخته، وحمل حسام الدين إلى دمشق، ودفن في التربة الحسامية (1) المنسوبة إليه، من بناء والدته ست الشام بنت أيوب، وهى المدرسة الشامية (2) ظاهر دمشق.
وفى الجمعة التي (3) توفى فيها الملك المظفر توفى قاضى بلده أمين الدين أبو القاسم ابن حبيش، وذلك حادى عشر شهر رمضان، وكان أمين الدين هذا رئيسا جوادا عظيم القدر بحماة، وكان مشهورا عند الملوك.
ذكر استيلاء الملك المنصور ناصر الدين محمد
ابن الملك المظفر تقى الدين على حماة وبلادها
وتملك الملك العادل البلاد الشرقية
لما توفى الملك المظفر تقى الدين رحمه الله راسل الملك المنصور عمّه السلطان يخبره بأنه قام مقام أبيه فيما كان له من البلاد، وطلب منه شروطا نسبه السلطان بسببها إلى العصيان، وكاد أمره يضطرب، وطلب الملك الأفضل
(1) الأصل: «ناصر» ، والتصحيح عن:(الروضتين، ج 2، ص 195).
(2)
راجع ترجمة ست الشام أخت صلاح الدين، وأخبار التربة والمدرسة في:(النعيمى: الدارس في تاريخ المدارس، نشر جعفر الحسنى، ج 1، ص 277 - 300)
(3)
الأصل: " الذى " والتصحيح عن س.
من أبيه ما كان بيد الملك المظفر قاطع الفرات، ونزل عن جميع ماله من الولايات، فأجابه السلطان إلى ذلك، ورحل من القدس ثالث صفر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأطلق له السلطان عشرين ألف دينار، سوى ما أصحبه من الخلع والتشريفات ووصل إلى حلب فاحتفل به أخوه الملك الظاهر صاحبها، وقام بواجب خدمته، وأحضر له مفاتيح البلد، وقدم له تقدمة كثيرة.
ولما سمع الملك [394] المنصور بذلك اشتد انزعاجه، وراسل عمه الملك العادل - وهو إذ ذاك بالقدس - ملتجئا إليه ومحتميابه، فخاطب الملك العادل السلطان في حقه، واستعطفه له، وقال:" أنا أمضى إليه وأحضره "
وكان مقترح الملك المنصور أحد قسمين: إما حرّان والرّها وسميساط وميّافارقين؛ وإما حماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم، وأنه يكفل أخوته.
فامتنع السلطان من الإجابة إلى شئ منه، فراجعه الملك العادل مرارا فلم يفعل، وكثرت الشفاعة إليه في معناه فحلف له أولا على الرّها وحرّان وسميساط، على أنه إذا عبر الفرات أعطى المواضع التي اقترحها، ويكفل أخوته، ويتخلى عن تلك المواضع التي في يده، فالتمس الملك العادل خط السلطان، فأبى، وألّح عليه، فخرّق (1) نسخة اليمين، وانقطع الحديث، وأخذ من السلطان الغيظ كيف يخاطب بمثل ذلك في جانب بعض أولاد أولاد أخيه، ثم أعطاه خطه بما استقرت به القاعدة عليه.
ثم إن الملك العادل التمس من السلطان البلاد التي كانت بيد الملك المظفر تقى الدين أولا قبل أن يعطى البلاد الجزرية، ثم أعطى البلاد الجزرية عوضا عنها وآخر ما استقر الأمر عليه أن الملك العادل يتسلم البلاد الشرقية، وينزل عن كل ماله في الشام ماخلا الكرك والشوبك والصلت والبلقاء، ونصف خاصّه بمصر، وعليه في كل
(1) الأصل: «مخرق» ، والتصحيح عن (الروضتين، ج 2، ص 197)
سنة ستة آلاف غرارة [غلة](1) تحمل للسلطان من الصلت والبقاء إلى القدس، واستزاد الملك العادل قلعة جعبر على البلاد الشرقية، فأجيب إلى ذلك، فامتنع الملك الظاهر من تسليمها إليه، ثم أجاب بعد ذلك (2).
وسار الملك العادل من القدس في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
وكتب السلطان إلى الملك الأفضل يأمره بالعود إليه، فعاد منكسر القلب متعتبا، ووصل إلى دمشق، ولم يصل إلى خدمة السلطان؛ فلما (3) أشتد خبر الفرنج سيّر إليه يطلبه، فما وسعه التأخير، فسار إليه بطلبه وصحبته العساكر الواصلة من الشرق، فلقيه السلطان، وترجّل له جبرا لقلبه وتعظيما له (3).
وأما الملك العادل فإنه وصل [395] إلى حرّان والرّها، وقرر أمرهما، واستقر للملك المنصور حماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم.
وعاد الملك العادل في آخر جمادى الآخرة إلى خدمة السلطان، وفى صحبته الملك المنصور [محمد بن تقى الدين](4)، فلقيه الملك الظاهر ولد السلطان إلى بيت نوبة، ودخل به على السلطان، فنهض إليه واعتنقه، وضمه إلى صدره، وغشيه البكاء، فصبّر نفسه حتى غلبه الأمر فبكى، وبكى الناس لبكائه ساعة، ثم باسطه، وسأله عن الطريق، وكان معه عسكر جميل، فقرت عين السلطان به، وأنزله في مقدمة عسكره.
(1) ما بين الحاصرتين عن المرجع السابق.
(2)
بعد هذا اللفظ في س (127 ب): " وللملك المنصور البلاد الشامية التي كانت بيد والده ".
(3)
هذه الفقرة غير موجودة في س في هذا الموضع، وإنما وردت فقرة أخرى تؤدى معناها بعد كلمة " قلعة نجم " في السطر التالى، ونصها:" ثم إن السلطان استدعى بولده الملك الأفضل إلى عنده فاسترضاه، وقام له قائما عند لقياه، ووعده من البلاد بما هو خير مما أخذ منه من البلاد الشرقية، ثم خلع عليه خلعة سنية، وأسرفه إلى منزله، وقد طاب قلبه بما وعده ".
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س.
وفى آخر ذى الحجة سنة سبع وثمانين وخمسمائة توفى علم الدين سليمان بن جندر وهو شيخ الدولة وكبيرها.
وفى هذه السنة في ربيع الأول نازل عز الدين مسعود بن مودود بن زنكى - صاحب الموصل - الجزيرة وبها ابن أخيه معز الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازى بن مودود بن زنكى، وحاصرها، وكان السبب في ذلك سوء سيرة معز الدين وخروجه عن طاعة عمه عز الدين، ومساعدة أعدائه عليه، فإنه انتقل عنه (1) إلى الملوك المجاورين له ما يوحشهم منه، وبقى محاصرا لها إلى رجب من هذه السنة، ثم صالحه على قاعدة استقرت (2) بينهما، وتحالفا وخرج معز الدين إلى خدمة عمه عز الدين، واعتذر إليه بأعذار قبلها منه، ثم رحل عائدا إلى الموصل (3).
ودخلت سنة ثمان (4) وثمانين وخمسمائة والسلطان مقيم بالقدس، مجتهد في عمارته.
وفى ثالث المحرم منها رحل الفرنج إلى عسقلان، ونزلوا بظاهرها، وأظهروا الاجتهاد في عمارتها، ورأى ملك الأنكلتير دخانا على بعد فقصده، وكان ثمّ جماعة من الأسدية، وسيف الدين. . . كوج (5)، وعلم الدين قيصر، فوصل إليهم، وهم غارون [عمّا دهمهم، فوصل اللعين إليهم](6) وقت المغرب، وكانوا قد نزلوا مفترقين في موضعين، فلما وقع على أحدهما ركب الفريق الأول وواقعه حتى ركب الفريق الآخر، فدافعوهم، وساقوا، وقد ربحوا الفرنج أثقالهم، وخلصوا ناجين، وسلم الله أنفسهم منهم، ولم يفقد من المسلمين إلأ أربعة، وكانت نوبة عظيمة، وقى الله شرها.
(1) س: " عن عمه ".
(2)
الأصل: " استمرت "، والتصحيح عن س.
(3)
س: " إلى الجزيرة ".
(4)
الأصل: " ثمانية ".
(5)
الأصل: " باركوج " والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 196).
(6)
ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها إتمام المعنى، أضفناها عن المرجع المنقول عنه هنا، وهو العماد الأصفهانى (الروضتين، ج 2، ص 196).