الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استيلاء عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب
رحمه الله على بعلبك
وفى هذه السنة أنعم السلطان الملك الناصر ببعلبك وأعمالها على ابن أخيه الملك المنصور عز الدين فرخشاه بن أيوب، فلم يزل مالكها إلى أن مات في حياة السلطان، فأنعم بها بعده على ولده الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن فرخشاه، فلم يزل مالكها إلى أن أخذها منه الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل رحمهم الله سنة سبع وعشرين وستمائة، - على ما سنذكره إن شاء الله تعالى -، واستمر الملك المعظم شمس الدولة توران شاه بن أيوب بالديار المصرية، وأنعم عليه السلطان باسكندرية، ثم توفى بمصر - على ما سنذكره -.
وفى هذه السنة أغار عز الدين فرخشاه - صاحب بعلبك - على صفد ثامن عشر ذى القعدة، وكان قد جمع لهم من رجال بانياس وما حولها، ورجع سالما غانما.
ذكر وفاة المستضئ بنور الله بن المستنجد
وبعض سيرته
كنا قد ذكرنا تقلد الإمام المستضئ بنور الله أبى (1) محمد الحسن بن المستنجد بالله أبى المظفر يوسف بن المقتفى لأمر الله أبى عبد الله محمد بن المستظهر بالله. وأنه لما ولى الخلافه استوزر عضد الدين محمد بن عبد (2) الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء،
(1): «بن» ، والتصحيح عن (السيوطى، تاريخ الخلفاء، ص 294).
(2)
الأصل: «عبيد» والتصحيح عن (ابن طباطبا: الفخرى، ص 282) حيث أورد ترجمة مفصلة لهذا الوزير، وانظر أيضا:(ابن الجوزى: المنتظم، ج 10، ص 280 - 282).
وأنه تقدم عنده قايماز غلام أبيه، وأقطعه الحلة، وأقطع أردن وتتامش نسيبى قايماز واسطا، وطوّق الخليفة قايماز بطوق ذهب، وسماه ملك العرب؛ وسوّره بسوارين من ذهب، وحمل إلى هؤلاء الثلاثة من الأموال ما زاد على أمانيهم وآمالهم.
وفى سنة سبع وستين وخمسمائة حصل خلف بين الوزير عضد الدولة وقايماز؛ وسعى كل منهما بصاحبه [215] وطلب قايماز من الخليفة عزل الوزير، فلم يسعه مخالفته، لقوة تمكنه من الدولة، فعزل الخليفة وزيره، فلم يكتف قايماز بذلك واشتد طمعه، وأطمع المماليك والعوام في نهب دار الوزير، فنهبت، ومزقت أمواله كل ممزق، وهتك حريمه، فغضب الخليفة المستضئ لذلك، وأنكر هذا الفعل على قايماز، وشدد عليه في إعادة ما نهب من دار الوزير، وبعث الخليفة إلى الوزير نجاحا الخادم رسولا، ليسكن منه، ووعده بإعادة ما كان له من الإنعام والقرب والمعروف، ولم تزل الرسالة إليه متواترة بما يقوى قلبه ويبسط أمله.
وأطلع على ذلك قايماز، فغضب وأظهر الخلاف والعصيان؛ هو ونسيباه ومن أطاعه، فلم ير الخليفة في تلك الحال مشاققته، وأرخى له في زمامه، وأرسل إليه يرضيه بأنه يخرج الوزير من داره إلى الحريم، وأرسل إلى الأمراء الذين مع قايماز (1) في الباطن بما يغير قلوبهم عن طاعة قايماز، وأحس قايماز بذلك، فركب مع جماعة من لفيفه مظهرا للغدر والمكر، وقصدوا دار الخلافة على قصد المحاربة، فأمر الخليفة عند ذلك بأن ينادى:" من أراد النهب فعليه بدار قايماز ".
فمضت العامة إلى دار قايماز فانتهبوها، وتفلل عنه أكثر من كان معه، ومشى على وجهه حائرا في أمره، ينكت الأرض ببنان التحير، ويغيم السماء بأنفاس التحسر.
وكانت هذه الواقعة لثلاث عشرة مضت من ذى القعدة سنة سبعين وخمسمائة، فاستدعى الوزير عضد الدين عند ذلك إلى دار الخلافة بأستاذ الدار
(1) انظر (ابن الجوزى: المنتظم، ج 10، ص 254 و 255 - 256) و (ابن الأثير الكامل، ج 11، ص 160 - 161).
صندل المقتفوى، وعلى يده من الملابس ما يليق به، وحمل على فرس من خيل الخلافة، وحضر الدار، فأكرم غاية الإكرام، ثم مضى إلى منزله، واستقر في ولايته.
ثم بعد أربعين يوما ورد الخبر بوفاة قايماز، ثم اضطربت بعد ذلك أحوال الوزير عضد الدين، بسبب ظلم ولده للرغية، وانحلت منزلته عند الخليفة، فالتمس من الخليفة أن يفسح له في الحج، فأذن له، فتوجه إلى بيت الله الحرام، فوثبت عليه نفر من الباطنية فقتلوه بظاهر قطفتا (1)، ونسب قتله إلى وضع عن ظهير الدين أبى بكر منصور بن العطار صاحب المخزن، وكان متمكنا من الخليفة.
ولما [216] قتل الوزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء تمكن ظهير الدين ابن العطار (2) من الدولة تمكنا عظما، وفوض إليه الخليفة المستضئ نيابة الوزارة، واستولى على الأمور جميعا.
ولما كانت هذه السنة - أعنى سنة خمس وسبعين وخمسمائة - عرض للخليفة المستضئ مرض شديد، فأغلق ظهير الدين بن العطار أبواب الدار التي للخليفة وحمل السلاح، وأرهج البلد، وأخذ جماعة بغير جناية فصلبهم تجاه داره بباب النوبى (3)، وجرت منه أسباب تنفر منها الطباع، وتمجها الأسماع،
(1) ضبطت بعد مراجعة (ياقوت: معجم البلدان) حيث ذكر أنها محلة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغربى من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخى، بينها وبين دجلة أقل من ميل، وهى مشرفة على نهر عيسى.
(2)
انظر: (ابن طباطبا: الفخرى، ص 284) و (ابن الأثير: الكامل، ج 11، ص 173)
(3)
الأصل: «البوقى» وقد صححت بعد مراجعة (ابن الساعى: الجامع المختصر، ج 9، نشر الدكتور مصطفى جواد).