الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى منبر، فنصب ذلك المنبر، وتولى ذلك النجار عمل محراب حلب مشابها للمنبر في الرسم، ومن رأى الآن محراب حلب، شاهد (1) فيه مثال المنبر المقدسى.
فلما منّ (2) الله سبحانه على السلطان الملك الناصر بفتح بيت المقدس تقدم بحمل المنبر من حلب، فحمل ونصب بالمسجد الأقصى، وهو الآن منصوب.
ثم أمر صلاح الدين فعمل لجامع حلب منبر شبه المحراب والمنبر الذى في القدس، فكان كما أراد (3).
ذكر ما أزاله السلطان [صلاح الدين]
من آثار الشرك بالبيت المقدس
وكان الفرنج قد بنوا على الصخرة المقدسة كنيسة، وستروها بالأبنية، وغيّروا أوضاعها، وملؤوها بالصور، وندبوا في ترخيمها أشباه الخنازير، ونصبوا عليها مذبحا، وعينوا بها مواضع للرهبان، ومحط الإنجيل، وأفردوا فيها لموضع القدم قبة صغيرة مذهبة بأعمدة الرخام؛ فأمر السلطان بمحو تلك الآثار كلها، وأزال عن الصخرة تلك الأبنية، فأبرزها للعيون، ولم يكن يظهر منها قبل الفتح إلا قطعة منها، وكان الفرنج قد قطعوا [298] منها قطعا وحملوا منها إلى قسطنطينية (4)، ونقلوا منها إلى جزيرة صقلية، وقيل كانوا يبيعونها بوزنها ذهبا، وقيل إن بعض ملوكهم تقدم بستر الصخرة إشفاقا عليها من القطع، فتولى إصلاحها والقيام بأمرها الفقيه ضياء الدين عيسى الهكارى، وأدار عليها شبابيك من حديد.
(1) الأصل: " شاهد مثال فيه مثال " وقد حذفت مثال الأولى ليستقيم المعنى، وفى س:" شابهه فيه مثال ".
(2)
الأصل: " منا " والتصحيح عن س (23 ب).
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س (23 ب).
(4)
الأصل: " قسطنطانية ".
وأحضر الملك المظفر تقى الدين رحمه الله[إلى](1) قبة الصخرة أحمالا من ماء الورد وتولى بيده كنس ساحاتها وعراصها، ثم غسلها بالماء مرارا حتى تطهرت، ثم أفاض عليها ماء الورد، ثم طهّر حيطانها، وغسل جدرانها، ثم بخرها (2) بمجامر الطيب، وفرق مالا كثيرا على الفقراء.
وجاء الملك الأفضل رحمه الله ببسط نفيسه (3)، ففرشها فيها.
ورتب السلطان في الجامع الأقصى من يقوم بوظائف الخطبة والإمامة، ورتب في قبة الصخرة إماما حسنا، ووقف عليها (4) دارا وأرضا وبستانا، وحمل إليها وإلى المحراب والمسجد الأقصى مصاحف وختمات وربعات منصوبة على الكراسى، ورتب القومة والمؤذنين، وجدّد بهما شعار الدين.
ثم عين كنيسة صندحنّه (5) مدرسة للفقهاء الشافعية، ووقف عليها وقوفا جليلة، وعيّن دار البطرك (6) رباطا للفقراء
وكان لأمراء (7) الأفرنج ومقدمبهم مقابر مجاورة للصخرة وباب الرحمة [و](8) قباب معمورة فأزالها ومحا آثارها.
(1) أضيف ما بين الحاصرتين بعد مراجعة الأصل المنقول عنه هنا باختصار وهو العماد الاصفهانى في البرق الشامى (الروضتين ج 2، ص 114).
(2)
الأصل: " بخربها "، وقد صححت بعد مراجعة المرجع السابق وس.
(3)
هذا اللفظ ساقط من س.
(4)
الأصل: " عليه " والتصحيح عن س والمرجع السابق.
(5)
الأصل: " صيدحنه " والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 114) والمقصود كنيسة " القديسة حنا أو سنت آن " وقد ذكر العماد أن موقع هذه الكنيسة كان عند باب أسباط، أما نسخة س، فالنص فيها:" ثم بنى مدرسة جليلة للفقهاء الشافعية " دون أن يشير إلى الكنيسة.
(6)
حدد العماد (المرجع السابق) موضع هذه الدار فقال: " وهى بقرب كنيسة قمامة ".
(7)
الأصل: " الأمراء ".
(8)
أضيف ما بين الحاصرتين بعد مراجعة العماد، وذلك ليستقيم المعنى.
وأمر باغلاق كنيسة قمامة، وحرم على النصارى زيارتها. وشاور أصحابه فيما يعتمده في أمرها، فمنهم من أشار بهدمها وتعفية آثارها، وقالوا:
«[إذا] (1) هدمت القبة ونبشت المقبرة، وحرثت (2) أرضها وعفت، انحسمت (2) عن قصدها مواد أطماع الكفار، ومهما بقيت كانت الزيارة مستمرة» ؛ وقال أكثر الجماعة: «لا فائدة في هدمها، فإن متعبدهم موضع الصليب والمقبرة لا ما نشاهد من البناء، فلو نسفت أرضها في السماء لما انقطع عنها قصد أهل دين النصرانية؛ ولمّا فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - البيت المقدس في صدر الإسلام أقرهم على هذا المكان ولم يأمر بهدمه» ، فأعرض السلطان عن هدمها؛ ثم تقرر بعد ذلك على من يدخلها منهم قطيعة يؤديها.
قلت: ولهم في هذا المكان ضلالة تقع في كل سنة في اليوم الذى يليه يوم فصحهم، وهو أنه يزعمون أن نورا ينزل من السماء، ولقد كذبوا [299] وافتروا، وإنما هو تدليس وتلبيس من بتركهم، يغرّ به ضعفاء العقول ويستدرجهم به إلى ضلالتهم وغيهم (3)، ولقد حضرت في زمن الصبى يوم سبت النور هذه الكنيسة مرارا على سبيل التفرج، فكنت أجدهم يعكفون على القبة الصغيرة التي فيها القبر، والنصارى مجتمعون (4) بها يرفعون صلبانهم ويقرأن إنجيلهم، ويضجون، والديوان (5) - الذى للمسلمين على باب الكنيسة - والموالى يأخذون من كل رجل القطيعة المقررة، وذلك في أيام الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل - رحمهما الله - فإذا كان وقت الظهر أو بعده دخل البترك القبة، وأخرج شمعة
(1) أضيف ما بين الحاصرتين بعد مراجعة العماد، وذلك ليستقيم المعنى.
(2)
الأصل: " وحرث " و " انحسم "، والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 115)
(3)
الأصل: " وغيرهم " والتصحيح عن س (24 ب).
(4)
س: " محيطون ".
(5)
لاحظ أن المؤلف يستعمل هنا لفظ " الديوان " بمعنى الموظف.
موقدة زعم أنه أوقدها من القنديل الذى اشتعل بالنور المنزّل [من السماء](1)، فيأتيه النصارى بشمعهم فيقدونه من تلك الشمعة، فيمتلىء المكان بالشمع الموقدة، ويظهر على النصارى من الفرح والاستبشار مالا مزيد عليه، جهلا وضلالة، وظنا فاسدا أنه نور أنزل عليهم، وإنما هو نار محرقة افتعلها عدو الله البترك على سبيل المخرقة والإيهام، وهؤلاء القوم دون سائر الطوائف أكثر أمورهم مبنية على ذلك (2).
ولقد (3) حدثنى القاضى فخر القضاة ابن بصاقة رحمه الله ونحن بالكرك، وهو من أهل الفضل والمعرفة والتقدم في الدول، قال:
قلت (5): وكان الواجب على ولاة الأمر أن لا يلتفتوا إلى ما يحصل من هذا السحت، وأن يهتكوا ستر هؤلاء القوم فيما يدلسون به على الأمم، وأن يرفعوا القناع عن هذا التدليس الموقع (6) في عمايات الضلال الداعية إلى أنواع الكفر والجهالات.
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن س.
(2)
هذا استطراد من المؤلف له قيمته وأهميته.
(3)
قبل هذا اللفظ في س (24 ب): " قال جمال الدين صاحب هذا التاريخ ".
(4)
س: " يروح ".
(5)
مكان هذا اللفظ في س: " قال القاضى جمال الدين بن واصل المؤلف ".
(6)
هذا اللفظ ساقط من س.
ولما افتتح القدس [300] مدح السلطان رحمه الله الشريف النسّابة محمد بن أسعد (1) بن على بن معمر الحسينى المعروف بالجوّانى المصرى نقيب الأشراف بالديار المصرية بقصيدة منها:
أترى مناما ما بعينى أبصر؟
…
القدس يفتح والفرنجة تكسر!!
وقمامة قمّت من الرجس الذى
…
بزواله وزوالها يتطهّر
ومليكهم في القيد مصفود، ولم
…
ير قبل ذاك لهم مليك يؤسر (2)
قد جاء نصر الله والفتح الذى
…
وعد الرسول، فسبّحوا واستغفروا
فتح الشام وطهّر القدس الذى
…
هو في القيامة للأنام المحشر
من كان هذا فتحه لمحمد
…
ماذا يقال له، وماذا يذكر؟
يا يوسف الصديق أنت لفتحها
…
فاروقها عمر الإمام الأطهر
ولأنت عثمان الشريعة بعده،
…
ولأنت في نصر النبوة حيدر
(1) الأصل: " اسماعيل "، وهو شرف الدين أبو على محمد بن أسعد بن على بن معمر الجوّانى، صاحب كتاب " النقط بعجم ما أشكل من الخطط " ولم يظهر للان ما يثبت وجود هذا الكتاب، غير أن المؤلفين المتأخرين نقلوا عنه كثيرا، وخاصة المقريزى في خططه حيث يقول عنه إنه " نبه على معالم قد جهلت وآثار قد دثرت "، وقد ولد الشريف سنة 525 هـ وتوفى سنة 588 هـ (1131 - 1192) وقال (العماد الاصفهانى: الخريدة، قسم شعراء مصر، ج 1، ص 117) إنه كان نقيب مصر في الأيام المصرية (يقصد الفاطمية)، والآن فهو ملازم مشتغل بالتصنيف في علم النسب، وهو فيه أوحد، وله فيه تصانيف كثيرة ". أنظر أيضا:(المقريزى، الخطط، ج 1، ص 6 - 7) و (ابن تغرى بردى: النجوم، ج 4، ص 43، ج 6، ص 119، 218) و (عنان: مصر الإسلامية، ص 39، 55، 89) و (الصفدى: فوات الوفيات، طبعة استانبول، ج 2، ص 202) و (لسان الميزان، ج 5، ص 74) و (ابن الأثير: اللباب في الأنساب).
(2)
س (25 ا): " يرى من قبل ذلك مليك موسر " وهو نص مضطرب.
وقال بهاء الدين أبو الحسن على بن محمد الساعاتى (1).
أعيّا (2) وقد عاينتم الآية العظمى؟
…
لأية حال تدخر النثر والنّظما
وقد ساغ (3) فتح القدس في كل منطق،
…
وشاع إلى أن (4) أسمع الأسل الصّمّا
فليت فتى الخطّاب شاهد فتحها
…
فيشهد أنّ السيف (5) من يوسف أصمى
حبا مكّة الحسّنى وثنّى بيثرب،
…
وأسمع (6) ذيّاك الضّريح وما ضمّا
وما كان إلا الداء أعيا دواؤه،
…
وغير الحسام العضب لا يحسن (7) الحسما
وأصبح ثغر الدين (8) جذلان باسما
…
وألسنة الأغماد توسعه لثما
سلوا الساحل المخشى عن سطواته،
…
فما كان إلا ساحلا صادف (9) اليما
وقال القاضى السعيد أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك (10) يمدح السلطان الملك الناصر ويهنئه بالفتوح، ويذكر وقعة حطين، وقتل البرنس، من قصيدة أولها:
لست أدرى بأىّ فتح تهنّا؟
…
يا منيل الإسلام ما قد تمنّا
(1) أنظر ما فات هنا 83، هامش 3
(2)
الأصل: " أأعيا " والتصحيح عن (ابن الساعاتى: الديوان، ج 2، ص 385) و (الروضتين، ج 2، ص 106).
(3)
الأصل: " شاع "، والتصحيح عن المرجعين السابقين.
(4)
الأصل: " وقد شاع حتى أسمع " وما هنا عن المرجعين السابقين.
(5)
كذا في الأصل والروضتين، وفى الديوان:" السهم ".
(6)
في الديوان والروضتين: " وأطرب "
(7)
في الديوان: " لا يعرف ".
(8)
في الديوان: " وأصبح ذاك الثغر ".
(9)
الأصل: " صادق " وما هنا عن المرجعين السابقين.
(10)
أنظر ما فات هنا ص 137، هامش 3
[301]
أنهنيّك إذ تملّكت (1) شاما؟
…
أم نهنيّك إذ تملّكت عدنا؟
قد ملكت الجنان قصرا فقصرا،
…
إذ فتحت (2) الشآم حصنا فحصنا
ومنها:
قمت في ظلمة الكريهة كالبدر
…
سناء، والبدر يطلع وهنا
لم تقف قطّ في (3) المعارك إلا
…
كنت يا يوسف كيوسف حسنا
تجتنى النصر من ظباك (4) كانّ العـ
…
ـضب قد صحفوه (5) أو صار غصنا
قصدوا نحوك الأعادى
…
فردّ الله ما أمّلوه عنك وعنّا
حملوا كالجبال عظما، ولكن
…
جعلتها حملات خيلك عهنا
جمعوا كيدهم وجاءوك أركانا،
…
فمن هدّ فارسا هد ركنا
لم تلاق الجيوش منهم
…
ولكنك لاقيتهم جبالا (6) ومدنا
كلّ من يجعل الحديد له ثوبا
…
وتاجا (7) وطيلسانا وردنا
خانهم ذلك السلاح، فلا
…
الرمح تثنا ولا المهند ظنا
وتولّت تلك الخيول ولم
…
يثنى عليها بأنها ليس تثنا
(1) س: " ملكت "، وما هنا هو الصحيح ويتفق والنص في (شفاء القلوب، ص 41 أ).
(2)
س: " وفتحت " والنص هنا يتفق وشفاء القلوب، ولم يورد صاحب الشفاء من هذه القصيدة غير الأبيات الثلاثة الأولى.
(3)
هذا اللفظ ساقط من س.
(4)
س: " طباعك "
(5)
س: " صفحوه ".
(6)
س: " جبالا منك ومدنا ".
(7)
هذا اللفظ ساقط من س.
واستحالت شقاشق الكفر ضمنا
…
حين عادت الشجاعة جبنا
وتصيّدتهم بحلقة صيد يجمع
…
الليث والغزال الأغنا
وجرت منهم الدماء بحارا،
…
فجرت فرقها الجزائر سفنا
صنعت فيهم وليمة عرس
…
رقّص المشرفىّ فيها وغنىّ
وحوى الأسر كلّ ملك يظن
…
الدهر يفنى وملكه ليس يفنى
والمليك العظيم فيهم
…
أسير يتثنا في أدهم يتثنا
يحسب النوم يقظة، ويظن الشخص
…
طودا، ويبصر الشمس دجنا
كم تمنّى اللقاء حتى رآه،
…
قتمنى لو أنه ما تمنّا
ظنّ ظنا، وكنت أصدق في الله
…
يقينا، وكان أكذب ظنّا
[302]
رق من رحمة له القيد
…
والغل عليه، فكلما أنّ أنا
واللعين الابرنس أصبح مذبوحا
…
بيمين لم يعدم الدين يمنا
أنت ذكيته فوفيت نذرا
…
كنت قدمته فجوزيت حسنا
وتهادت عرائس المدن نخلا،
…
وثمار الآمال منهن تجنا
لا يخصّ الشام منك التهانى،
…
كلّ صقع وكل قطر يهنّى
قد ملكت البلاد شرقا وغربا،
…
وحويت الآفاق سهلا وحزنا
وتفرّدت بالذى هو أسما،
…
وتوحّدت بالذى هو أسنا
واغتدى الوصف في علاك حسيرا
…
أىّ لفظ يقال أو أىّ معنى؟
ورأينا الاله قال أطيعوه
…
سمعنا لربنا وأطعنا
وقال الملك المظفر تقى الدين أبو الفتح عمر بن شاهنشاه بن أيوب - قدس الله روحه - يهنىء عمه السلطان الملك الناصر رحمه الله بفتح القدس بقصيدة مطلعها يقول فيها:
دع مهجة المشتاق مع أهوائها
…
بالائمى ما أنت من نصحائها
ومنها:
جاءتك أرض القدس تطلب ناكحا
…
يا كفؤها، ما العذر من عذرائها
زفّت إليك عروس خدر تجتلى
…
ما بين أعبدها وبين إمائها
إيه صلاح الدين، خذها (1) غادة
…
بكرا، ملوك الأرض من رفقائها
كم طالب لجمالها قد ردّه
…
عن نيلها أن ليس من أكفائها
وكان الملك المظفر رحمه الله فاضلا متأدبا حسن الشعر، وكان أخوه عز الدين فرخشاه كذلك.
ومن جملة شعر الملك المظفر رحمه الله:
يعاتبنى قوم يعزّ عليهم
…
مسيرى، ما هذا السرى في السباسب
فقلت لهم: كفّوا، فما وكفت لكم
…
جفون (2) ولا ذقتم فراق الحبايب
ومن شعره:
إنى لأكتم لوعتى وأظنّه
…
يوم التفرّق بالمدامع فاضحى
[303]
لا تجمحوا في هجركم، فلربما
…
خشى العثار على الحصان الجامح
ومن شعره:
أأحبابنا إنّ الوشاة إليكم
…
سعت، لا سعت أقدام من كان واشيا
يرومون بتّ الحبل بينى وبينكم
…
فلا بلغوا مما أرادوا الأمانيا
(1) ص: " ايه صلاح الدين عادت ".
(2)
ص: " فما وكفت جفونى ".
ومن شعره:
كلّ يوم يسعى إلى الملك قوم
…
في ازدياد وعمرهم في انتقاص
شرك هذه الأمانى، فيا
…
لله كم واقع بغير خلاص (1)
ومن شعره:
إن كنت واحد ذا الجمال
…
فإننى في الحزن واحده
كلّ يبوح بحبّه،
…
وأنا كتوم الحبّ جاحده
ومن شعره يخاطب عمه الملك السلطان الناصر صلاح الدين - رحمه الله تعالى -
أصلاح دين الله أمرك طاعة،
…
فمر الزمان بما تشاء فيفعلا
فكأنما الدنيا ببهجة حسنها
…
تحلا على إذا رأيتك مقبلا
قلت: كان السلطان رحمه الله يحب الملك المظفر تقى الدين أكثر من محبته لسائر أهله لما كان خص الملك تقى الدين [به] من الشهامة والنجابة والإقدام العظيم، الذى لم يكن لأحد مثله من بنى أيوب، ولفرط طاعته لعمه صلاح الدين وانقياده إليه، ولأنه كان ألصقهم به قرابة، لأن والده الملك المظفر ركن الدين شاهنشاه رحمه الله كان أخا الملك الناصر لأمه وأبيه؛ والملك العادل، وتاج الملوك، وسيف الإسلام، كانوا أخوته لأبيه فقط.
وقيل ركن الدين شاهنشاه قتل شهيدا على باب دمشق لما حاصرها الفرنج، ولم يدرك الدولة الأيوبية، وقد ذكرنا ذلك.
وكتب السلطان إلى الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين وإلى ساير ملوك الأطراف يبشرهم بهذا الفتح العظيم، فمن جملته كتاب فاضلى إلى الديوان العزيز:
(1) هنا تنتهى ص 26 ب من نسخة س، ثم تضطرب الصفحات مرة أخرى وتنقطع الصلة بين النص فيها والنص في الأصل المعتمد للنشر وهو نسخة (ك).
" تقلص ظل الكفر المبسوط، وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط وقع المشروط، واسترد المسلمون تراثا كان عنهم آبقا، وظفروا يقظة بما لم يصدقوا أنهم يظفرون به طيفا على النائم طارقا "
ومنه [304] فصل في وصف نقب السور:
" فأخلى السور من الستارة (1)، والحرب من النظّارة، وأمكن النّقاب أن يسفر للحرب النقاب، وأن يعيد الحجر إلى سيرته من التراب، فتقدّم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله، وحلّ عقده بضربة الإحراق الدالّ على لطافة أنمله، وأسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترقّ لمقتله، وتبرّأ بعض الحجارة من بعض، وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض ".
فصل:
" واستقرت على الأعلا أقدامهم، وخفقت على الأقصى أعلامهم، وتلاقت على الصخرة قبلهم، وشفيت بها - وإن كانت صخرة - كما يشفى الماء غللهم، وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان، فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان، لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم، وأرضى أهل الحق وأسخطهم.
وأوعز الخادم بردّ الأقصى إلى عهده المعهود، وأقام له من الائمة من يوفيه ورده المورود، وأقيمت الخطبة فيه يوم الجمعة رابع شعبان فكادت السموات (2) للنجوم يتفطرن، والكواكب منها للطرب ينتثرن، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طريقها مسدودة، وطهّرت قبور الأنبياء وكانت بالنجاسات مكدودة،
(1) كذا في الأصل، وفى (الروضتين، ج 2، ص 100): «السيارة»
(2)
الأصل: «السماء» ، والتصحيح عن:(الروضتين، ج 2، ص 101).
وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها، وجهرت الألسنة (1) بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها، وجهر باسم أمير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر، فرحّب به ترحيب من برّ بمن برّ (2)، وخفق علماه في حفافيه (3)، فلو طار سرورا لطار بجناحيه.
وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه [المنقبة](4) العظمى، ولا يقاسى تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى، ولا يحارب من يستظلمه إلا لتكون الكلمة مجموعة فتكون كلمة الله هى العليا، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنا من الدنيا، وكانت الألسنة ربما صلقته فانضج قلوبها بالاحتقار (5)، وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار، ومن طلب خطيرا خاطر (6)، ومن رام صفقة رائجة جاسر (7)، ومن سما لأن تجلى غمرة غامر ".
ومنه فصل في وصف يوم حطّين:
" وكان [305] اليوم مشهودا، والملائكة شهودا، وكان الصليب (8) صارخا وكان الإسلام مولودا، وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه، وأكّد وصلته بالدين وعلائقه، وهو صليب الصلبوت، وقائد أهل الجبروت، مادهموا قط بأمر إلا وقام بين دهمائهم يحرّضهم، يبسط لهم باعه، وكان مد اليدين في هذه الدفعة وداعه، لا جرم أنه تهافت على ناره فراشهم، وتجتمع في ظل ظلامه خشاشهم،
(1) الأصل: «الأنس» ، والتصحيح عن:(الروضتين، ج 2، ص 101)
(2)
صيغة الروضتين: «ترحيب من بر» فقط.
(3)
الأصل: «علماؤه في حقاقيته» ، والتصحيح عن الروضتين.
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة عن الروضتين.
(5)
النص في: (الروضتين، ج 2، ص 101): «بالاكتفاء والاقتصار» .
(6)
الأصل: «لخاطر» ، والتصحيح عن الروضتين.
(7)
الأصل: «كان رابح أو خاسر» ، والتصحيح عن الروضتين.
(8)
النص في الروضتين: «وكان الضلال» .
ويقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه، ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشدّ عقد وأوثقه، ويعدونه سورا لا تحفر الخيل خندقه (1)، و (2) بعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية السوداء صبغا، البيضاء صنعا، الخافقة هى وقلوب أعدائها، العالية هى وعزائم أوليائها ".
وكتب السلطان إلى أخيه سيف الدين ظهير الدين طغتكين بن أيوب صاحب اليمن يبشره بالفتح بإنشاء عمادى، من جملته:
" وهو فتح بيت المقدس الذى غلق نيفا وتسعين سنة مع الكفر رهنه، وطال في أسره سجنه، واستحكم وهنه، وقوى مكره وضعف ركنه، وزاد حسنه وزال حزنه، وأجدبت من الهدى أرضه وأخلف مزنه، وواصله خوفه وفارقه أمنه، واشتغل خاطر الإسلام بسببه وساء ظنه، وذكر فيه الواحد الأحد الذى تعالى عن الولد، أن المسيح ابنه، وأربع فيه التثليث فعز صليبه وصلبه، وأفرد عنه التوحيد فكاديهى (3) متنه، ودرج الملوك المتقدمون على تمنى استنقاذه، فأبى الشيطان غير استيلائه واستحواذه، وكان في الغيب الإلهى أن يعاد إلى معاذه، (4) وطيب أوطانه بقراءة القرآن ورواية الحديث وذكر الدروس، وجليت الصخرة المقدسة جلوة العروس، وزارها شهر رمضان مضيفا لها نهار صومها بالتسبيح، وليل فطرها (5) بالتراويح ".
(1) كذا في الأصل، والنص في الروضتين:«سورا تحفر حوافر الخيل خندقه» .
(2)
في (الروضتين، ج 2، ص 101) بين لفظى: «خندقه» و «وبعد» فقرة أسقطها المؤلف ولم ينقلها هنا، وهى:" ولم يفلت منهم معروف إلا القمص، وكان لعنه الله جليا يوم الظفر بالقتال، ومليئا يوم الخذلان بالاحتيال، فنجا ولكن كيف، وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح وجناح السيف، ثم أخذه الله بعد أيام بيده، وأهلكه لموعده، وكان لعدتهم فذالك (كذا)، وانتقل من ملك الموت إلى مالك ".
(3)
الأصل: «وأفرد التثليث فكاد يهمى متنه» ، والتصحيح عن:(الروضتين، ج 2، ص 99)
(4)
النص في الروضتين: «أن معاده في الآخرة إلى معاذه» .
(5)
الأصل: «وليلها» ، والتصحيح عن الروضتين.