الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالوا:
" ننقسم قسمين: قسم يذهب إلى السقى مع الدواب (1)، وقسم يبقى على البلد في المنزل (2)، ويكون الشرب في اليوم مرة واحدة "
فقال الانكلتير:
إذا يؤخذ العسكر البرانى الذى يذهب مع الدواب، ويخرج (3) عسكر البلد على الباقين، ويذهب دين النصرانية ".
فانفصل الحال على أنهم حكّموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكّم الثلاثمائة اثنى عشر منهم، وحكّم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وقد باتوا على حكم الثلاثة، فما يأمرونهم به يفعلونه ".
فلما أصبحوا حكموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فأصبحوا في بكرة الحادى والعشرين من جمادى الآخرة راجعين إلى نحو الرملة، ناكصين على أعقابهم، ثم نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بذلك إلى السلطان، فركب، وركب الناس معه، وكان يوم فرح وسرور.
ذكر ما جرى
بين المسلمين والفرنج من المراسلة في معنى الصلح
ثم ورد رسول ملك الانكلتير إلى السلطان يقول:
" قد أهلكنا نحن وأنتم، والأصلح نحقن الدماء، ولا ينبغى أن تعتقد أن ذلك عن ضعف منى، بل أريد المصلحة، ولا تغتر بتأخرى عن منزلى، فالكبش
(1) عند هذا اللفظ تنتهى (ص 131 ب) من نسخة س ثم تنقطع الصلة بين النسختين بعد ذلك.
(2)
كذا في الأصل، وعند ابن شداد (الروضتين، ج 2، ص 199): " اليزك ".
(3)
الأصل: " ويذهب "، والتصحيح عن المرجع السابق.
يتأخر لينطح، ثم لا يجوز لك أن تهلك المسلمين كلهم، ولا يجوز لى أن أهلك الفرنج كلهم، وهذا أبن أختى الكندهرى قد ملكته هذه الديار، وسلمته إليك يكون هو وعسكره بحكمك، ولو استدعيتهم إلى الشرق سمعوا وأطاعوا، وإن جماعة من الرهبان والمنقطعين قد طلبوا منك كنايس فما بخلت عليهم بها، وأنا أطلب منك كنيسة، وتلك الأمور التي كانت تضيق صدرك في المراسلة لما كانت المراسلة تجرى مع الملك العادل قلت بتركها وأعرضت عنها، ولو أعطيتنى قرية أو مزرعة (1) قبلتها وقبّلتها ".
فاستشار السلطان الأمراء في جوابه، فأشاروا بالمحاسنة وعقد الصلح، لما كان قد أخذ المسلمين من الضجر والتعب، وعلاهم [402] من الديون، واستقر الحال على هذا الجواب:
" إنك إذا دخلت معنا في هذا الأمر، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وابن أختك يكون عندى كبعض أولادى، وسيبلغك ما أفعل في حقه من الخير، وأنا أعطيك أكبر الكنائس وهى القمامة، وبقية البلاد نقسمها، فالساحلية التي بيدك تكون بيدك، والتي بأيدينا من القلاع الجبلية تكون لنا، وما بين العملين يكون مناصفة، وعسقلان وما وراءها يكون خرابا لا لنا ولا لكم، وإن أردتم قراها كانت لكم، والذى كنت أكرهه حديث عسقلان ".
فانفصل الرسول طيب القلب.
ثم ورد رسوله:
" أن يكون في القدس عشرون نفرا، وأن من سكن من النصارى والفرنج في البلد لا يتعرض لهم، وأما بقية البلاد فلنا منها الساحليات والوطأة، والبلاد الجبلية تكون لكم "
(1) كذا في الأصل، وعند ابن شداد (المرجع السابق):" مقرعة أو قرية ".
وأخبر الرسول من عند نفسه مناصحة: أنهم قد نزلوا عن القدس ماعدا الزيارة، وإنما يقولون ذلك تصنعا، وأنهم راغبون في الصلح، وأن الانكلتير لابد له من الرواح إلى بلده.
فأجابه السلطان:
" بأن القدس ليس لكم فيه حديث سوى الزيارة ".
فقال الرسول:
" وليس على الزوار في القدس شئ يؤخذ منهم؟ ".
فأجابه السلطان إلى ذلك، وقال له:
" أما البلاد فعسقلان وما والاها وما وراءها فلابد من خرابه ".
فقال الرسول:
" إن الملك قد خسر في أسوارها مالا جزيلا ".
فسأل سيف الدين المشطوب أن تجعل مزارعها وقراها له في مقابلة خسارته، فأجاب السلطان إلى ذلك، وشرط أن الداروم تخرب، ويكون بلدها مناصفة، وأما باقى البلاد فيكون لهم من يافا إلى صور بأعمالها، ومهما اختلفا في قرية كانت مناصفة.
ثم جاء رسوله يقول:
" الملك [يسألك و](1) يخضع لك في أن تترك [له](1) هذه الأماكن الثلاثة عامرة، وأىّ قدر لها عند ملكك وعظمتك؟ وما سبب إصراره عليها إلا أن الفرنج [لم](1) يسمحوا بها، وهو قد ترك القدس بالكلية، لا يطلب أن يكون فيها رهبان ولا قسوس، إلا [في] القيامة وحدها، فتترك أنت له هذه [403] البلاد، ويكون
(1) زيد ما بين الحاصرتين عن (ابن شداد، ص 218) و (الروضتين، ج 2، ص 200).