الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمرض مظفر الدين بن زين الدين - صاحب حرّان -، ثم شفى؛ ومرض بعده الملك الظافر ولد السلطان، ومرض خلق من الأكابر، إلا أن المرض كان سليما، وكان عند العدو مرض عظيم وموتان كثير، وتقدم السلطان بهدم سور طبرية ويافا وأرسوف وقيسارية وصيدا وجبيل، وانتقل أهلها إلى بيروت.
ذكر الوقعة العادلية على عكا
لما علم الفرنج أن عساكر المسلمين قد تفرقت في أطراف البلاد، وأن ميمنة العسكر قد خفّت بسبب من سار منها لأجل حماية البلاد من العدو الواصل، أجمع رأيهم واتفقت كلمتهم على الخروج من معسكرهم بغتة، والهجوم على طرف الميمنة فجأة، فخرجوا، وقصدوا الميمنة، وفيها مخيم الملك العادل، فلما نظر الناس لهم صاح صائحهم، وخرجوا من خيامهم كالأسود من آجامها، وركب السلطان، ونادى مناديه:«يا للإسلام!» (1) وكان أول [360] راكب.
قال القاضى بهاء الدين بن شداد رحمه الله:
" لقد رأيته وقد ركب من خيمته ومعه نفر يسير من خواصه، والناس لم يستتم ركوبهم، وهو كالفاقدة لولدها والثكلى لواحدها، ثم ضربت كوساته (2)، فأجابتها كوسات الأمراء من أماكنها، وركب الناس، ووصل الفرنج إلى مخيم العادل قبل استتمام ركوب العساكر، ودخلوا في وطاقته (3)، وأمتدت أيديهم في السوق وأطراف الخيم بالنهب والغارة، ووصلوا إلى خيمته
(1) الأصل: «الإسلام» ، وما هنا عن (ابن شداد: السيرة، ص 112)، وفى س:«يا ال الاسلام»
(2)
لشرح هذا المصطلح راجع: (مفرج الكروب، ج 1، ص 11، هامش 2)
(3)
س: «وطاقه» . والوطاق لفظ معرب، وأصله بالتركية (أوتاق، أو أوطاق، أو أوتاغ) معناه الخيمة؛ أو مجموعة الخيام؛ أو المعسكر؛ أو الغرفة.
أنظر: (Dozy : Supp .Dict .Arab) .
الخاصة، وأخذوا من الشراب خاناه شيئا، وركب الملك العادل، وركب معه من يليه من الميمنة، كالأمير صارم الدين قايماز النجمى، والأمير عز الدين جرديك النورى، ووقف بمن معه حتى توغل الفرنج، وطمعوا في المخيم، واشتغلوا بالنهب، وعاثت أيديهم في الخيام والأقمشة والفواكه والأطعمة.
فلما علم [الملك العادل](1) اشتغالهم صاح بالناس، وحمل رحمه الله بنفسه، يقدمه ولده الأكبر شمس الدين مودود، وهو والد الملك الجواد مظفر الدين يونس، وحمل لحملته من كان يليه من الميمنة حتى وصل الصياح إلى عسكر الموصل، فهجموا على العدو، واشتد القتال، ووقعت الكسرة على الفرنج، فولوا على أدبارهم، منهزمين نحو خيامهم، وأخذتهم السيوف من كل ناحية، وصاح صائح السلطان [صلاح الدين] (1):
" يا أبطال الموحدين، هذا عدو الله قد أمكن الله منه، وقد داخله الطمع حتى غشى خيامكم بنفسه؛ فبادروا إلى إجابته ".
[فحملت](1) حلقته وخاصته؛ ثم طلب عسكر الموصل، ومقدمهم علاء الدين ولد عز الدين، [فتقدموا وتقدم بعدهم](1) عسكر مصر ومقدمهم سنقر الحلبى، وتتابعت العساكر، وتجاوبت الأبطال، وقامت الحرب على ساق، ولم يك إلا ساعة حتى ردوا (2) القوم من حد خيام الملك العادل إلى خيامهم، ولم ينج من القوم إلا النادر، وأسر من الفرنج يومئذ نفر يسير، لأن السلطان أمر ألا يستبقى أحد، وهذا كله كان في الميمنة، وفى بعض القلب.
(1) ما بين الحاصرتين عن س (101 أ).
(2)
الأصل: «زوى» والتصحيح عن س، أنظر أيضا:(ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 113).
وأما الميسرة فما اتصل الصائح بهم إلا وقد نجز الأمر لبعد ما بين المسافتين، وكان مبتدأ هذه الوقعة منتصف النهار من يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة - أعنى سنة ست وثمانين وخمسمائة -، [361] ولم يفقد من المسلمين سوى عشرة أنفس غير معروفين، ولما شاهد المسلمون بعكا من الأسوار هذه الوقعة خرجوا من البلد، وجرى مقتلة عظيمة، وهجموا خيام العدو، ونهبوا منها جمعا من النسوان والأقمشة، حتى القدور فيها الطعام، واختلف في عدد القتلى [من الفرنج](1)، فقيل عشرة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، ولم ينقصهم أحد في الحزر عن خمسة (2) آلاف.
قال القاضى بهاء الدين:
" لقينا إنسانا عاقلا جنديا يسعى بين صفوف القتلى ويعدهم، فقلت له:
كم عددت؟ فقال: إلى ههنا أربعة آلاف ونيفا وستين قتيلا، وكان قد عدّ صفين، وهو في الصف الثالث، وكانت الصفوف خمسة، لكن ما مضى من الصفوف أكثر عددا من الباقى ".
وذكر عماد الدين الكاتب:
" أنهم كانوا مفروشين في مدى فرسخ من الأرض، وهم في تسعة صفوف من تلال الرمل إلى البحر بالعرض، وكل صف يزيد على ألف قتيل ".
وشرع الفرنج في الخداع والمراسلة، وسألوا في الصلح.
(1) ما بين الحاصرتين عن س (101 ب).
(2)
س: «سبعة الاف» ، وما هنا يتفق ونص (الروضتين، ج 2، ص 158).