الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر من ورعه أنه قال:
" رأى لى يوما دواة محلاة بالفضة فأنكرها، وقال: هذا حرام، فقلت له على سبيل المدافعة والممانعة والمناظرة: أو ليس يحل حلية السلاح واستصحابه في الكفاح؟ ودواتى أنجع، ومداد دواتى أنفع، ويراع يراعتى القصير أطول، وسلاح قلمى أحد وأفتك وأقتل، وما اجتمعت هذه العساكر الإسلامية إلا بقلمى، ولا تفرقت جموع الكفر إلا بكلمها بجوامع كلمى، فقال: ليس هذا دليلا صالحا، فقلت له: إن الشيخ أبا محمد والد إمام الحرمين قد ذكر وجها في جوازه ".
ثم لم أعد بعدها أكتب بتلك الدواة عنده.
وقال:
وما رأيته صلى إلا في جماعة، ولا أخّر صلاة عن وقتها، وكان له إمام راتب ملازم، فإن غاب صلى به من حضر من أهل العلم، وكان إذا عزم على أمر من الأمور توكل على الله تعالى، ولا يفضل يوما على يوم، ولا زمانا على زمان.
وحكى القاضى بهاء الدين بن شداد رحمه الله قال:
" كان للسلطان رحمه الله ركعات يركعها قبل الصبح إن استيقظ بوقت من الليل، وإلا أتى بها قبل صلاة الصبح، قال: لقد رأيته يصلى في المرضة التي مات فيها قائما، وما ترك الصلاة إلا في الأيام الثلاثة التي تغيب فيها ذهنه.
وذكر من عدله:
أنه استغاث إليه رجل من أهل دمشق يقال له " ابن زهر " على تقى الدين ابن أخيه، فأنفذ إليه ليحضر في مجلس الحكم فما خلّصه إلا أن أشهد عليه [425] شاهدين أنه قد وكل للقاضى أمين الدين أبى القاسم - قاضى حماة - في المخاصمة
فأقاما (1) الشهادة عندى في مجلسه، فأمرت أمين الدين بمساواة الخصم فساواه، وكان القاضى أمين الدين أبو القاسم الحموى - قاضى حماة - من أكابر جلساء السلطان، ثم جرت المحاكمة بينهما، واتجهت [اليمين](2) على الملك المظفر تقى الدين، وكان من أعز الناس على السلطان وأعظمهم عنده.
قال القاضى بهاء الدين:
" وكنت يوما في مجلس الحكم بالقدس الشريف إذ دخل على رجل تاجر معروف يسمى (3) " عمر الخلاطى "، ومعه كتاب حكمى، وسأل فتحه، وقال:
خصمى السلطان، وهذا بساط الشرع، وقد سمعت أنك لاتحابى "
فقلت:
" وفى أي قضية هو خصمك؟ "
فقال:
إن سنقر الخلاطى هو مملوكى، ولم يزل على ملكى إلى أن مات، وكان في يده أموال عظيمة كلها لى، ومات عنها واستولى عليها السلطان، وأنا مطالبه "
فقلت:
" يا شيخ، وما الذى أقعدك إلى هذه الغاية؟ "
فقال:
" الحقوق لا تبطل بالتأخير، وهذا الكتاب الحكمى ينطق بأنه لم يزل في ملكى إلى أن مات "
(1) الأصل: «فأما» والتصحيح عن (الروضتين، ج 2، ص 220).
(2)
أضيف ما بين الحاصرتين عن ابن شداد (الروضتين، ج 2، ص 22).
(3)
الأصل: «ومعه» والتصحيح عن المرجع السابق.
فأخذت الكتاب وتصفحت مضمونه، فوجدته يتضمن: حلية سنقر الاخلاطى، وأنه قد اشتراه من فلان التاجر بأرجيش (1) في اليوم الفلانى في الشهر الفلانى من سنة كذا، وأنه لم يزل في يده إلى أن شذّ عن يده في سنة كذا، وما عرف شهود هذا الكتاب خروجه عن يده بوجه ما، وتمم (2) الشرط إلى آخره.
فتعجبت من هذه القصة، وأعلمت السلطان بذلك، فأحضره واستدناه، حتى جلس بين يدى، وكنت إلى جانبه، ثم انفرك عن طراحته حتى ساواه رحمه الله، ثم ادعى الرجل، وفتح كتابه، وقرأ تاريخه؛ فقال السلطان.
" [إن لى] (3) من يشهد أن هذا سنقر في هذا التاريخ كان ملكى وفى يدى في بمصر، وأنى اشتريته مع ثمانية أنفس في تاريخ متقدم على هذا التاريخ بسنة، وأنه لم يزل في يدى وملكى إلى أن أعتقته "
ثم أحضر جماعة من أعيان الأمراء المجاهدين فشهدوا بذلك، وحكوا القصة [426] على ما ذكره، وذكروا التاريخ كما ادعاه السلطان، [فأبلس الرجل، فقلت له: " يا مولانا هذا الرجل ما فعل ذلك إلا طلبا لمراحم السلطان](4) وقد حضر بين يدى المولى، وما يحسن أن يرجع خائب القصد، فقال:" هذا باب آخر "؛ وتقدم له بخلعة ونفقة بالغة ".
(1) الأصل: «بارجلس» والتصحيح عن المرجع السابق، وفى (ياقوت: معجم البلدان) أرجيش من نواحى أرمينية الكبرى قرب خلاط، وأكثر أهلها أرمن نصارى.
(2)
الأصل: «ثم» ، والتصحيح عن المرجع السابق.
(3)
أضيف ما بين الحاصرتين عن المرجع السابق ليستقيم المعنى.
(4)
هذه الفقرة ساقطة من الأصل، وقد أضفناها عن المرجع المنقول عنه هنا، وهو ابن شداد.