الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعتّب على السلطان كيف لم يخلع عليه ولم يأذن له في الرواح، ففهم الملك المظفر انفصاله من غير دستور من السلطان، فأمره بالرجوع، وقال له:
" أنت صبى، ولا تعلم غائلة هذا الأمر " فقال:
" ما يمكننى الرجوع "، فقال:
" ترجع من غير اختيارك ".
وكان الملك المظفر شديد البأس، مقداما في الأمور ليس في عينه من أحد شئ، فلما علم أنه قابضه إن لم يرجع رجع معه، وسأل السلطان الصفح عنه ففعل، وطلب أن يقيم في جوار الملك المظفر خشية على نفسه، فأذن له، فأقام في جواره إلى حين ذهابه.
ذكر خروج الفرنج للقاء المسلمين وعودهم خائبين
ولما كان يوم الاثنين حادى عشر شوال من هذه السنة خرج الفرنج على عزم اللقاء بعد أن رتّبوا على عكا من يلازم القتال مع ملك الألمان، خرج معهم المركيس، والكندهرى، وأخذوا معهم عليق أربعة أيام [وزادها](1)، وكان مخيم اليزك على تل العياضية، فركبوا وصاروا في مقاتلة العدو، ونزل الفرنج تلك الليلة على آبار كان المسلمون قد حفروها (2) عند نزولهم هناك، وباتوا واليزك يرموهم بالنشاب، وأصبحوا يوم الثلاثاء ثانى عشر شوال سائرين إلى اللقاء، وقد جعلوا راجلهم سورا لهم يذبّ عنهم بالزنبورك حتى لا يترك أحد يصل إليهم إلا بالنشاب، فإنه كان يطير عليهم كالجراد.
(1) ما بين الحاصرتين في الهامش بالأصل.
(2)
الأصل: " حووها "، والتصحيح عن: س (الروضتين، ج 2، ص 178).
وخيالتهم تسير في وسطهم، بحيث لا يظهر منهم أحد، وعلمهم (1) مرتفع على عجلة، وهو يسحب بالبغال، وهو عال جدا كالمنارة، خرقته بيضاء ملمعة بحمرة على شكل الصلبان.
ورفع السلطان ثقله إلى ناحية القيمون، وقد امتدت ميمنته إلى الجبل وإلى البحر، وعنده في القلب أولاده:[371] الملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك الظافر، وأخوه الملك العادل في أول الميمنة، ويليه حسام الدين لاجين ابن أخت السلطان، وصارم الدين قايماز النجمى، ثم حسام الدين بشارة وبدر الدين دلدرم الياروقى.
وكان في الميمنة ابن صاحب الموصل، وعز الدين جرديك النورى.
وفى الميسرة صاحب سنجار، وصاحب الجزيرة، والملك المظفر تقى الدين، وسيف الدين بن المشطوب، وخشترين، والهكّارية، والحميدية، والزرزارية، والمهرانية، وأمراء قبائل الأكراد (2).
وضرب السلطان خيمة لطيفة بقرب الخروبة على تل مشرف، وكان مخبط الجسم وهو الذى منعه من مباشرة الحرب بنفسه، وكان عماد الدين - صاحب سنجار - غائبا مع الثقل لمرض كان به، وبقى عسكره، فعاد وقد أقلعت الحمى عنه، وكان الوخم قد عظم جدا بحيث أن الموت كثر في الطائفتين، فكان السلطان يتمثل:
أقتلونى وما لكا
…
واقتلوا مالكا معى
وفى مرج عكا عين غزيرة الماء، يجرى منه نهر كبير إلى البحر، وسار الفرنج ذلك اليوم شرقى النهر حتى وصلوا إلى رأس الماء، وشاهدوا عساكر المسلمين، فانحرفوا
(1) هذا وصف دقيق وطريف للعلم الصليبى.
(2)
بهذا اللفظ تنتهى ص (107 ب) من نسخة س، وبذلك تنقطع الصلة بين هذه النسخة والأصل لتتصل بعد ذلك في ص 389 من الأصل ويقابلها ص (124 أ) من نسخة س.