الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمشق يوم الاثنين لسبع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، وخرج السلطان لاستقباله، وأنزله في القلعة في دار رضوان، وكتب إلى الملك المظفر أنه قد استقل أمره وزال عذره (1)، ففرح بذلك، وخفى عنه أنه كان في ذمة ولد السلطان وعصمته.
ذكر استيلاء الملك الظاهر
غياث الدين ابن السلطان الملك الناصر على حلب
وهو الاستيلاء الثانى
لما قدم السلطان دمشق كان بها من أولاده الملك الظاهر، وكان قد تزوج ابنة عمه الملك العادل رحمه الله وليست هى بأم الملك العزيز محمد، وإنما هى أخرى توفيت عنده، ثم تزوج أختها أمّ الملك العزيز، فزار عمّه الملك العادل، فقال له:
" قد نزلت عن حلب لك، وأنا أقنع من أخى بإقطاع أين كان، وألزم الخدمة، ولا أفارق السلطان، فاطلبها من أبيك ".
ثم جاء الملك العادل إلى السلطان وقال:
" هذه حلب مع رغبتى فيها أرى أن أحد أولادك بها أحق، وهذا ولدنا الملك الظاهر أحب أننى أوثره بها ".
فوقع الاتفاق بينه وبين السلطان على ذلك.
(1) الأصل: «عدوه» ولا يستقيم بها المعنى، والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 69).
والتمس الملك العادل من السلطان بلادا أو نواحى بمصر، فأجيب اليها، وأقطعه البلاد الشرقية بمصر، وتقرر أنه يسير إلى مصر نائبا عنه بها، ويكون الملك العزيز عماد الدين عثمان السلطان بها، ويكون الملك العادل أتابكه ومربيه والكافل له والمقيم [268] بتدبير أموره كلها، وكان الملك العادل شديد الحب له، وكان الملك العزيز هو الذى سأل أباه أن يكون الملك العادل معه.
فحكى القاضى بهاء الدين بن شداد رحمه الله قال:
" قال الملك العادل: لما استقرت هذه القاعدة اجتمعت لخدمة الملك العزيز والملك الناصر وجلست بينهما، وقلت للملك العزيز: اعلم يا مولاى أن السلطان قد أمرنى أن أسير في خدمتك إلى مصر، وأنا أعلم أن المفسدين كثير، وغدا فما يخلو ممن يقول عنى ما لا يجوز، ويخوّفك منى، فإن كان لك عزم تسمع فقل لى حتى لا آجى معك، فقال لا أسمع، وكيف يكون ذلك؟ ثم التفتّ، وقلت للملك الظاهر: أنا أعرف أن أخاك ربما سمع فىّ أقوال المفسدين، وأنا فما لى إلا أنت، وقد قنعت منك بمنبج متى ضاق صدرى من جانبه، فقال: مبارك، وذكر كل خير ".
ثم إن السلطان سيّر ولده الملك الظاهر إلى حلب، وفى خدمته: حسام الدين بشارة شحنة، و [شجاع الدين](1) عيسى بن بلاشق (2) واليا، فوصل الملك الظاهر إلى العين المباركة يوم الجمعة ثامن جمادى الآخرة من هذه السنة - أعنى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة - وخرج الناس إلى لقائه يوم السبت تاسع جمادى الآخرة، وصعد إلى القلعة ضحوة، وفرح الناس به فرحا شديدا، وعدل في الناس، وأفاض عليهم وابل فضله، واستمر مالكا لها إلى أن توفى بها سنة ثلاث عشرة وستمائة؛ وكان ملكه لها نحوا من إحدى وثلاثين سنة.
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن (الروضتين، ج 2، ص 71).
(2)
كذا في الأصل، وفى المرجع السابق:«بلاشو» .