الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5)
وصف تفصيلى للفتح الأيوبى لليمن كما سجله بقلمه مؤرخ يمنى
عن: (بدر الدين محمد بن حاتم: السّمط الغالى الثمن، في أخبار الملوك من الغزّ باليمن، مخطوطة بدار الكتب المصرية، رقم 2411، ص 2 ب - 6 ب اعلم أن جملة من ملك اليمن من الغزّ إلى وقتنا هذا عشرة:
الملك المعظم توران بن أيوب،
والملك العزيز - أخوه - سيف الإسلام طغتكين بن أيوب،
والملك المعز - ولده - إسماعيل،
وسيف الدين الأتابك سنقر، بحكم الأتابكية لولد سيده الملك الناصر أيوب ابن طغتكين،
ثم الملك الناصر أيوب - بعده -،
ثم الملك المعظم سليمان بن تقى الدين،
ثم الملك المسعود صلاح الدين يوسف بن الملك الكامل.
فهؤلاء سبعة: ستة منهم من بنى أيوب، والسابع مملوكهم.
ثم جاءت الدولة السعيدة الرسولية - خلّد الله ملكها [و] أيامها خلود النّيرات -
[ص 2 ب] فملك - بعد الملك المسعود - مولانا الملك المنصور نور الدين أبو الفتح عمر بن على بن رسول - قدّس الله روحه -،
ثم ولده مولانا ومالكنا المقام الأعظم السلطان الملك المظفر شمس الدنيا والدين أبو المنصور يوسف،
ثم ولىّ الأمر ولده مولانا المقام الأعظم السلطان الملك الأشرف أبا الفتح عمر ممهّد الدنيا والدين، إيثارا له بذلك إذ رآه له أهلا، ولم يضنّ به عليه أصلا، فهما ملكا هذا الأوان (1)، وبهما استقامة الزمان.
فلا برحا في نعمة وسعادة
…
تبيد العدى طرّا، وتقهر من عدا
والآن حين نبتدئ في شرح السير لهؤلاء الملوك جميعا:
اعلم أن أول من ملك اليمن من الغزّ بنو أيوب، ملوك الديار المصرية بالشام كلها، [و] بديار البكر كافة والعواصم والسواحل؛ وكان الجميع تحت حكمه غير منازع فيها ولا مدافع عليها، وكانوا جماعة، وملكهم يومئذ القائم فيهم أولا الملك الناصر صلاح الدين [ص 3 أ] يوسف بن أيوب بن شاذى، أصغر أولاد أيوب سنا، وأكبرهم معنى.
وكان له من الإخوة جماعة؛ منهم: الملك العادل سيف الدين أبو بكر - وهو الكبير فيهم جميعا -، والملك المعظم شمس الدولة توران، والملك العزيز سيف الإسلام، وتقى الدين (2)، وغيرهم ممن لم يشتهر شهرة هؤلاء، ففرّق لكل منهم بلدا، خلا توران فإنه ندبه لليمن، وجهّزه بالعسكر الجم والمال الكثير، وذلك على حين فترة في اليمن من ملك مستقل فيها - وعرها وسهلها، وعلوها وسفلها - ومالك لدانيها وقاصيها، وقائد لطائعها وعاصيها؛ بل كانت مقسومة بين العرب.
(1) يفهم من هذا النص أن المؤلف كان يكتب كتابه هذا قبل سنة 694 هـ، وهى السنة التي توفى فيها الملك المظفر يوسف، واستقل بالحكم ابنه الملك الأشرف عمر. انظر:(زامباور: معجم الأنساب، الترجمة العربية، ص 184).
(2)
لاحظ أن تقى الدين عمر ليس أخا لصلاح الدين، وإنما هو ابن أخيه شاهنشاه.
فكل موضع فيها [به](1) ملك مستقيم بذاته، والأمر فيها كما قال الشاعر:
وتفرّقوا فرقا، فكلّ قبيلة
…
فيها أمير المؤمنين ومنبر
فلما بلغه ذلك بادر بتجهيز أخيه الملك المعظم - على ما ذكرنا -، فوصل اليمن في سنة تسع وستين وخمسمائة، فأول من لقيه من أهل اليمن الأمير قاسم بن غانم بن يحيى السليمانى، من المخلاف [ص 3 ب] السليمانى، جاءه إلى حرض (2)، من موضعه وكان يسمى محل أبى تراب، وشكا عليه من عبد النبى بن مهدى، وهو يومئذ صاحب التهائم والجبال، من تعز إلى ذحر، إلى سوى ذلك، ما خلا عدن والدّملوة وصنعاء، فإنها كانت بأيدى أهلها الذين نورد ذكرهم - إن شاء الله تعالى -.
وكان عبد النبى قد غار إلى حرض ونهبها، ونهب بلادها، ونهب هذا المحل الذى للشريف، وقتل أخاه، وكان يقال له:«وهّاس بن غانم» ، فسأل الأمير قاسم من الملك المعظم أن يكون أول دخوله اليمن إنجادا له على بنى مهدى، فأجابه إلى ذلك، ونهضا بالعساكر من حرض في سلخ رمضان في هذه السنة المذكورة، فوصلا زبيد يوم السبت السابع من شوال عند طلوع الشمس، فنهبوا جميع [ما] فيها - الأموال والخيل -، وسبوا الحريم، وقبضوا على عبد النبى وإخوته؛ وعاد الأمير قاسم بن غانم إلى بلاده يوم الجمعة الثالث من الشهر.
وأقام الملك المعظم بزبيد إلى أن دخل شهر ذى القعدة، ونهض لتعز فأخذه ولم ينازعه أحد، وقاتل أهل [4 أ] صبر (3) وذحر فلم ينل منهم، ثم نهض للجند فدخلها وملكها؛ وكل هذه كانت من ممالك عبد النبى.
(1) أضيف ما بين الحاصرتين ليستقيم المعنى.
(2)
ضبطت بعد مراجعة (ياقوت: معجم البلدان) حيث ذكر أنها بلد في أوائل اليمن من جهة مكة.
(3)
ضبطت بعد مراجعة (ياقوت: معجم البلدان) حيث ذكر أنه اسم الجبل الشامخ المطل على قلعة تعز، فيه عدة حصون وقرى باليمن.
وسار إلى عدن فأخذها يوم الجمعة العشرين من ذى القعدة، ونهب من بها؛ وفيها يومئذ من الأمراء أولاد الداعى المكرّم عمران بن محمد بن سبأ، والشيخ ياسر بن بلال - مولاهم -، فقبض عليهم جميعا، وعاد منها إلى مخلاف جعفر، فبايع في التّعكر (1)، وأخذه يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ذى الحجة آخر سنة تسع وستين وخمسمائة.
ثم نهض إلى جبلة، وقد صارت البلاد جميعها له ما خلا الدّملوه والبلاد العليا، فطلع نقيل صيد يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذى الحجة؛ وحطّ على ذروان (2) يوم الثلاثاء، وفيه يومئذ السلطان عبد الله بن يحيى الجنبى، فصالحهم وبذل الطاعة؛ ونهض إلى المصنعة، وفيها يومئذ الشيخ محمد بن زيد البعدى الجنبى، فأخذها منه، ثم نهض إلى ذمار فاعترضه جنب من موضع يسمى رخمة في شرقى ذمار يوم الخميس [4 ب] التاسع من المحرم، أول سنة سبعين وخمسمائة، فقتل من الغزّ خمسة وستون رجلا، فأخذ خيلهم وسلاحهم، ثم أقام في ذمار، ونهص منها فاعترصه جنب وغيرهم، وجرى بينهم وبينهم قتال كانت الدائرة [فيه] على العرب، فقتل منهم سبعمائة رجل، ولحقتهم الغزّ حتى أو لجوهم حصن هرّان، وأخذوا منهم قلائع كثيره من؟؟؟ حيل.
ويقال إن الملك المعظم دمّر الغزّ في ذلك اليوم وبكّتهم وحملهم على التورط في الهلاك، وقال لهم:" أين منكم ديار مصر؟ ".
وفى ذلك يقول الشركى شاعر ذمار:
وقال لقومه: موتوا كراما،
…
فأين وأين مصر من ذمار؟
(1) ضبطت عن المرجع السابق، حيث قال إنها قلعة حصينة باليمن من مخلاف جعفر مطلة على ذى جبلة.
(2)
ضبطت عن المرجع السابق، وهو حصن باليمن قريب من صنعاء.
ثم سار من ذمار بعد استيلائه عليها طالبا صنعاء، وسلطانها يومئذ السلطان على بن حاتم (1) جدّ الأمير بدر الدين محمد بن حاتم، فوصل إليها يوم الجمعة منتصف النهار، وهو اليوم السابع من المحرم سنة سبعين وخمسمائة، وضرب محطته [5 أ] بالجنوب في صنعاء، وقد تحيّز السلطان على بن حاتم وأخوه بشر بمن معهما إلى حصن براش، وقد كانوا حين جاءت المحطة صادفوا ثمانية فرسان من همدان، فشدّوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة ونجا خمسة، فطلعوا الحصن، ثم إن المحطة أقامت في الجنوب إلى يوم الاثنين ولم يصلهم أحد.
واختلفت الرواية من هنا، فقيل:" دخلوا صنعاء ولم يلبثوا بها ثم ساروا " وقيل: " بل ساروا من المحطة ولم يدخلوا صنعاء "، والله أعلم أي ذلك كان.
إلا أن الإجماع على أن الملك المعظم لم يكن له إقامة في الجهات الصنعانية، ولم يصله أحد من أهلها، فنزل طريقا بها، وأخلا على نفيل السود (كذا)، وهو بين بلاد بنى شهاب وبلاد سنحان، مطل على حقل سنحان وسهام، فلحقهم قوم من بنى شهاب، وقوم سنحان رموهم، وأخذوا من أخذ عسكرهم.
ولما علم السلطان على بن حاتم بارتحال الغزّ نزل من براش وعاد إلى صنعاء، فأول ما بدأ به حين عاد أنه [5 ب] خرّب الدرب الذى للمدينة، وقد كان بدأ فيه قبل وصول الغزّ، ثم حال بينه وبين تمامه وصولهم، فلما ساروا حاذر عودتهم فتمم الخراب.
وأما ما كان [من] الملك المعظم بعد ارتحاله عن صنعاء، فإنه اعترض العسكر في النزول أهل برع، فأخذوا من آخرهم جمالا كثيرة محملة أموالا جمة من الذهب والفضة والسلاح والآلة، وكثيرا مما استصحبوه من البلاد المصرية وعدن وزبيد يوم الاستيلاء عليها.
(1) لاحظ أن هذا جد مؤلف الكتاب.
ثم جاء زبيد، فأقام بها إلى شهر جمادى الأولى في هذه السنة، ثم نهض منها طالبا للجند، ووصل إليه والى حصن صبر الذى كان دائنا لعد النبى واستذم وسلّم الحصن.
ثم أخذ حصن بادية وشرباق، وحط على عزان ذخر (1)، وفيه يومئذ على بن حجاج من أهل تهامة متوليه، وكان صهرا لعبد النبى، فخاطب الغز وطلب الصلح، فوعدوه أنهم يأخذون منه ما كان في الحصن من المال لعبد النبى ويتركون سبيله، فاستحلفوه على ما عنده من المال لعبد النبى، فأقّر بعشرة [6 ا] آلاف دينار ذهب، فقبضوها منه، وسلّم لهم الحصن وتسلموه.
ثم تقدموا إلى المعافر فحاربوا حصن يمين، وفيه الأمير منصور بن محمد بن سبأ، فأخذ الحصن قهرا، وذلك بتخاذل الدانون والرتبة (كذا) هربوا من الحصن ثم تسلموا منيف، وكان لأبى الغيث بن سامر، ثم تسلموا حصن السمدان من النائب الذى كان به، ولم يعترضوا الحصن السواء، وصاحبه يومئذ ابن السبأى، بل أبقوه على حاله، ثم حطّوا على الدّملوة، وفيها ولد الداعى المكرم عمران بن محمد بن سبأ، وواليهما بها جوهر العمرانى، ورموا بالمنجنيقات فلم تبلغ إلا الحر، فلم يكن لهم بها طمع، فصالحوا جوهرا على قطعة هينة من المعشار الذى تحت الدملوة، وعادوا وتقدموا إلى ذى جبلة، فأقاموا بها إلى رابع شعبان من هذه السنة.
وبلغ الملك المعظم في خلال هذه الأمور وقوع خلاف في تهامة، فأمر بقتل عبد النبى وأخويه: أحمد ويحيى، فقتلوا في زبيد يوم الثلاثاء السابع من رجب من هذه السنة.
ثم إن الملك المعظم أقام في البلاد حتى دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وطلب العودة إلى الديار المصرية، فنهض من اليمن في شهر [6 ب] رجب
(1) كذا بالأصل بدون نقط أو ضبط.
من السنة بعد أن قتل ياسر بن بلال - مولى الدعاة بنى زريع - الذى قدمنا ذكره، وقبضه في عدن مع مواليه.
واستناب في البلاد نوابا، فجعل في عدن وأعمالها عثمان السنجارى، أو الزنجارى، وفى تعز والجند وأعمالها ياقوت التعزى، وفى حصن التعكر وذى جبلة ومخلاف جعفر مظفر الدين قايماز، وفى مدينة زبيد وأعمالها، وجميع تهامة سيف الدولة المبارك بن منقذ، وكان من حمدان، وكان رجلا فصيحا شاعرا، فمن جملة شعره:
وإذا أراد الله شرّا بأمرئ،
…
وأراد أن يحييه غير سعيد
أغراه بالترحال عن مصر بلا
…
سبب، وسكّنه بأرض زبيد