الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان هو وولده الملك الأفضل يحثان الناس على الخراب خشية (1) أن يسمع العدو فيحضر ولا يمكن من خراب البلد، ولم يزل الخراب والحريق يعمل في البلد وأسواره إلى سلخ شعبان.
ووصل كتاب من عز الدين جرديك يذكر أن القوم تفسحوا، وصاروا يخرجون من يافا، ويغيرون على البلاد القريبة منها، فلو تحرك السلطان لعله يبلغ منهم غرضا في غرتهم، فعزم على الرحيل على أن يترك في عسقلان حجّارين، ومعهم خيل تحميهم (2) ويستنهضونهم (3) في الخراب، ثم رأى أن يتأخر حتى تخرب ويحرق البرج [المعروف](4) بالاسبتار، وكان برجا عظيما، فخرّبه بعد حشوه وإحراقه.
وعمّر الفرنج يافا، وحصّنوا أسوارها.
ذكر رحيل السلطان عن عسقلان إلى جهة الفرنج
وما جرى بينه وبينهم من الحرب والمراسلة
ثم رحل السلطان عن عسقلان بعد خرابها يوم الثلاثاء ثانى رمضان، ونزل على تبنى (5)، ثم نزل على الرملة يوم الأربعاء ثالث رمضان، وأمر بتخريب
(1) بهذا اللفظ تبدأ ص (124 أ) من نسخة س، وبذلك تلتقى مع النسخة الأصلية مرة أخرى.
(2)
الأصل: «تحتهم» ، والتصحيح عن:(ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 181).
(3)
الأصل: «ليستقصوا» ، والتصحيح عن المرجع السابق.
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س و (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 181).
(5)
الأصل: " بيتا " وس: " معما " بدون نقط، وفى (الروضتين، ج 2، ص 192)«تبنا» وقد صححت وضبطت بعد مراجعة: (ياقوت: معجم البلدان) حيث قال إنها بلدة بحوران من أعمال دمشق.
حصنها، وتخريب كنيسة لد (1)، وركب جريدة إلى البيت المقدس، فأتاه يوم الخميس وخرج منه يوم الإثنين ثامن رمضان، وبات في بيت نوبة، وعاد إلى المخيم يوم الثلاثاء تاسع رمضان.
ووصل معز (2) الدين قيصر شاه بن قلج أرسلان - سلطان الروم - مستنصرا بالسلطان على أبيه وإخوته، فإنهم قصدوا أخذ بلده منه، وكان بيده ملطية، فأقام في الخدمة السلطانية مدة، وتزوج ابنة الملك العادل على صداق مائة ألف دينار، ثم سار مستهل ذى القعدة من هذه السنة (3).
في ثامن (4) رمضان خرج جمع من المسلمين على ملك الانكلتير، وكان خرج في فوارسه مخفّرا للحطابة والحشاشة، وكاد يؤخذ الملك، لكن فداه أحد خواصه بأن أظهر حسن لباسه، فظن أنه الملك فأسر (5).
وفى ثانى (6) عشر رمضان وقعت وقعة بين المسلمين والفرنج كان النصر فيها للمسلمين، وقتل مقدّم كبير من الفرنج، ووقعت وقعات كثيرة بينهم وبين اليزك [390]، ثم رحل السلطان إلى النطرون، فخيّم على تل هناك، فأمر بهدم حصن النطرون، فهدم.
(1) الأصل: " له " وس: " هـ "، وما هنا عن العماد (المرجع السابق) و (ابن شداد، ص 182).
(2)
الأصل: «نصر» ، والتصحيح عن:(ابن شداد، ص 183) و (الروضتين، ج 8 ص 192).
(3)
بعد هذا اللفظ في س: " وقد أمن من أخوته وغيرهم لأنه راح معه كتب بتهديد ووعيد وعسكر كثير ".
(4)
س: " عاشر " وما هنا يتفق ونص العماد (الروضتين، ج 2، ص 192).
(5)
بعد هذا اللفظ في س: " ونجا الملك، فأفداه الملك الانكلتير بثمان ألف دينار وعشرة من أسارى المسلمين أطلقهم ".
(6)
س: " وفى ثامن عشر "، وما هنا يتفق ونص العماد (المرجع السابق).
ثم راسل ملك الانكلتير الملك العادل راغبا في المسلة والمصالحة، ورعم أن له أختا عزيزة عليه كبيرة القدر، وأنها كانت زوجة ملك كبير من ملوكهم، - وهو صاحب صقلية - توفى عنها، ورغب في أن يزوّجها الملك العادل، يجعل له الحكم في جميع البلاد الساحلية، ينفذ فيها أمره، وهو يقطع الداويّة الاسبتارية ما أراد من البلاد والقرى دون الحصون، وتكون أخته مقيمة بالقدس ومعها قسيسون ورهبان في صحبتها.
فرأى لملك العادل ذلك مصلحة، وشاور السلطان في ذلك فأجابه إليه، ونفذ رسوله إلى الانكلتير بالإجابة، فدخل الفرنج إلى المرأة وخوفوها، وأعلموها أن ذلك قبيح ومخالف للشريعة، وفيه عصيان للمسيح وإغضاب له، فما أجابت، واعتذر الانكلتير بعد ذلك بعدم موافقتها، إلا أن يدخل الملك العادل في دينها (1).
ووصل رسول المركيس - صاحب صور - يذكر أنه يصالح بشرط أن يعطى صيدا وبيروت، وشرط على نفسه مجاهرة الفرنج بالعداوة، وأنه يقصد عكا ويحاصرها ويستخلصها للمسلمين، فأجيب إلى ذلك على أن يطلق من بها ومن بصور، ولما سمع الانكلتير بذلك رجع إلى عكا لفسخ هذه المصالحة واسترجاع المركيس إليه.
ثم ورد الخبر أن ملك الافرنسيس مات بأنطاكية (2).
ثم راسل الانكلتير السلطان:
" أن المسلمين والفرنج قد هلكوا، وخربت البلاد وتلفت الأموال والأرواح، وقد أخذ هذا الأمر حقه، وليس هناك حديث سوى القدس والصليب؛
(1) بعد هذا اللفظ في س: " فصفح الملك العادل عن ذلك الأمر "، وبعده في العماد:(الروضتين، ج 2، ص 193): " فعرف أنها خديعة كانت من الإنكلتير ".
(2)
بعد هذا اللفظ في س (124 ب): " فوهن الانكلتير لذلك ".
والقدس متعبدنا ما ننزل عنه ولو لم (1) يبق منا واحد، وأما البلاد فيعاد إلينا ما هو قاطع الأردن، وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له، وهو عندنا عظيم، فيمنّ السلطان علينا، ونستريح من هذا العناء الدائم ".
فأرسل السلطان في جوابه:
" القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا، ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه، ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين، أما البلاد فهى لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان [391] طارئا عليها، لضعف من كان بها من المسلمين في ذلك الوقت، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، ولا يجوز لنا أن نفرط فيه إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هى أوفى منها ".
وهرب في تلك المدة شيركوه بن باخل الكردى، وهو من جملة الأسارى الذين كانوا بعكا إلى السلطان (2).
ثم ورد الخبر على عزم النهوض من الفرنج، فسار السلطان من المخيّم بالنطرون إلى الرملة في سابع شوال من هذه السنة، فأقام بها عشرين يوما، وجرت وقعات بينه وبين العدو، منها وقعة في ناحية يازور، وكان النصر فيها للمسلمين، ولم يقتل من المسلمين غير ثلاثة، وكانت ثامن شوال.
وفى سادس عشر شوال وقعت وقعة عظيمة قتل فيها جماعة من الأمراء، وأسر فيها فارسان من الفرنج معروفان، وقتل منهم بها [زهاء عن](3) ستين نفرا،
(1) الأصل وس: " والقدس مستعبدنا ما ينزل عليه ولم يبق منا واحد " وهى جملة مضطربة والتصحيح عن الأصل المنقول عنه هنا وهو: (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 187) و (الروضتين، ج 2، ص 193).
(2)
بعد هذا اللفظ في س: " وكان من الأمراء الكبار ".
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن س و (الروضتين، ج 2، ص 194).