الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله» ، فما أوجع القلوب بمصابه، وما أنكى في النفوس أفول (1) شبابه، ولقد كانت الهمة متوفرة على تربيته وإعلاء درجته، لكن الله استأثر به قبل ظهور حسن الآثار (2) في إيثاره، وبلى بدره التم بسراره في ضمير البلى من أسراره، وهذه إربل من إنعام البيت الكريم الأتابكى على البيت الزينى منذ سبعين عاما لم يحلوا لعقد إنعامهم بها نظاما، ولم يزيدوا أحكامه الا إحكاما وإبراما، وما رأى أن يخرج هذا الموضع منهم، وأن يصدف به عنهم، والأمير الأجل مظفر الدين كبير البيت وحاميه، والمقدم في الولاية [369] بمقتضى وصية أبيه، وقد أنهض ليسد مسد أخيه ".
ثم سافر مظفر الدين إلى إربل فتسلمها، ولما فوّض السلطان إلى إبن أخيه الملك المظفر ما كان بيد مظفر الدين أقام بالمنزلة المظفرية إلى أن يؤذن له في المضى إلى تلك الولاية، وسيّر نوابه إليها، وكان بيده أعمال ميّافارقين، ومن الشام حماة والمعرّة وسلمية ومنبج وقلعة نجم وجبلة واللاذقية وبلاطنس وبكرامل.
ذكر استئذان ملوك الأطراف بالرجوع إلى بلادهم
لأجل دخول الشتاء
ولما دخل الشتاء وطالت مدة البيكار (3)، أبدت العسكر السآمة والضجر من الإقامة، وجدّ الملك عماد الدين زنكى بن مودود - صاحب سنجار - في الاستئذان في الرحيل، وتكررت رقاعه إلى السلطان في ذلك، فكتب إليه السلطان:
" من ضاع مثلى من يديه
…
فليت شعرى ما استفادا "
(1) الأصل وس: " وما أنكا في النفوس فلول شبابه "، والتصحيح عن (الروضتين، ج 2، ص 165).
(2)
الأصل: " الإيثار " والتصحيح عن المرجع السابق وس.
(3)
لشرح هذا المصطلح راجع ما فات هنا، ص 95، هامش 1
فلما قرأ هذا البيت لم يراجع السلطان بعدها بكلمة في المعنى.
واستطال معز (1) الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازى بن مودود بن زنكى - صاحب الجزيرة - المقام، ودخل يوم عيد الفطر على السلطان فقبّل يده، وودّعه من غير سابقة الاستئذان، فغضب السلطان من ذلك، ثم خرج معز (1) الدين، وسار من ساعته وتبعه أصحابه.
وذكر القاضى بهاء الدين:
أن رقاعه كانت قد ترددت إلى السلطان في طلب الدستور، واعتذر إليه السلطان بأن رسل العدو متكررة في طلب الصلح، ولا يجوز أن تنفضّ العساكر حتى تتبين على ماذا ينفصل الحال من سلم أو حرب.
ولما ودّع السلطان وانفصل، كتب إليه:
" إنك أنت قصدت الانتماء إلىّ ابتداء، وراجعتنى في ذلك مرارا، وأظهرت الخيفة على نفسك وبلدك من أهلك، فقبلتك وأوتيك ونصرتك، فبسطت يدك في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، فنفذت إليك ونهيتك عن ذلك مرارا، فلم تنته، فاتفق وقوع هذه الواقعة للإسلام، فدعوناك فأتيت بعسكر قد عرفته وعرفه الناس، وأقمت هذه المديدة، [370] وقلقت هذا القلق، وتحركت بهذه الحركة، وانصرفت، من غير طيب نفس، وغير فصال حال من العدو، فانظر لنفسك، وأبصر من تنتمى إليه غيرى، واحفظ نفسك ممن يقصدك، فما بقى إلى جانبك التفات "
وسلم الكتاب إلى نجاب فلحقه قريبا من طبرية، فقرأ الكتاب ولم يلتفت، وسار فلقيه الملك المظفر وهو متوجه إلى السلطان عند عقبة فيق، فأخبره بأمره،
(1) الأصل: " معين الدين "، والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 165) وس 106 ب).