الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكرك - لعنه الله - كان أشد الفرنج عداوة للإسلام، فجمع عسكره وعزم على المسير إلى تيماء، وحدثته نفسه بالمسير إلى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ليستولى عليها وعلى تلك النواحى الشريفة، فلما بلغ ذلك عز الدين - وهو بدمشق - سار بالعساكر الدمشقية إلى بلده فنهبه وخرّبه، وعاد إلى طرف بلاد الإسلام، وأقام هناك ليمنع (1) البرنس - لعنه الله - من المسير، فامتنع بسببه من قصده (1)، فلما طال مقام كل واحد منهما في مقابلة الآخر علم البرنس أن المسلمين لا يعودون حتى يتفرق جمعه، ففرّقه، وانقطع طمعه في الحركة، وعاد عز الدين إلى دمشق، وحمى الله الحرمين الشريفين من غائلة الكفار.
ذكر المتجددات باليمن بعد مفارقة الملك المعظم لها
لما فارق الملك المعظم شمس الدولة توران شاه رحمه الله اليمن استناب بزبيد الأمير سيف الدولة (2) مبارك بن كامل بن منقذ الكنانى، وبعدن عز الدين
(1) مقابل هذه الفقرة في س: (ليسمع البرنس - لعنه الله - خبره فيمتنع عن المسير، فلما سمع ذلك امتنع بسببه من قصد مدينة النبى صلى الله عليه وسلم).
(2)
س (71 ب): «سيف الدين» ، وما هنا هو الصحيح، وهو أبو الميمون مبارك بن كامل ابن على بن مقلد بن نصر بن منقذ الكنانى. وذكر (بامخرمة: تاريخ ثغر عدن، ج 2، ص 38) أن تورانشاه لما عزم على السفر إلى الشام " استناب في اليمن نوابا، فجعل أبا الميمون مبارك بن كامل. . . ابن منقذ على زبيد وأعمالها من التهائم، وجعل عثمان بن الزنجبيلى على عدن وما ناهجها، وجعل ياقوت التعزى على تعز وأعمالها، وجعل مظفر الدين قايماز على جبلة ونواحيها، وتقدم سائرا إلى الشام في رجب سنة 571 "؛ وذكر هؤلاء النواب مرة أخرى (نفس المرجع والجزء، ص 69) ثم قال: " وتوجه (أي تورانشاه) ببقية الأمراء والعساكر إلى مصر وفيهم الأمير أبو الميمون المبارك بن كامل - أخو حطان -، فإن إمرة زبيد كانت لأبى الميمون، فلما عزم شمس الدولة على التقدم إلى مصر استأذنه أبو الميمون في العزم صحبته، وأن يستنيب على عمله أخاه حطان، فأذن له في ذلك؛ ولما توفى شمس الدولة بمصر قبض أخوه الملك الناصر صلاح الدين على أبى الميمون المبارك بن كامل، وصادره. . .، ولما اتصل العلم إلى اليمن بموت شمس الدولة، ولم يأت اليمن متفقد من قبل صلاح الدين، =
عثمان بن الزنجبيلى (1) وكان هوى سيف الدولة الشام، لأنها وطنه، فأرسل إلى الملك المعظم، [يطلب الإذن بالمجئ إليه، فأذن له، واستناب أخاه حطان، وعاد إلى عند الملك المعظم](2) وهو إذ ذاك بمصر؛ ولما توفى الملك المعظم - كما ذكرنا - بقى سيف الدولة في خدمة السلطان بمصر، فقيل إن سيف الدولة أخذ أموال اليمن وادخرها، وسعى (3) به أعداؤه، فلم يعارضه السلطان.
فلما كانت هذه السنة والسلطان بمصر عمل سيف الدولة دعوة كبيرة دعا إليها أعيان الدولة الصلاحية بقرية على شاطئ النيل تسمى العدوية (4)،
= أظهر النواب غير الطاعة، وضرب كل منهم لنفسه سكة، وحرم على أهل بلده المعاملة بغيرها، ثم إن الملك الناصر صلاح الدين بعث مملوكه خطلبا إلى اليمن وكتب إلى كافة الأمراء باليمن أن يجتمعوا على حطان ويخرجوه من زبيد ويتولى ولايته خطلبا - إلخ " أنظر أيضا:(ابن حاتم: السمط الغالى الثمن، ص 7 ب وما بعدها؛ و (والحنبلى: شفاء القلوب، ص 53 ب).
(1)
الأصل: " الزنجيلى "، قال (بامخرمة: تاريخ ثغر عدن، ج 2، ص 131 - 132) في ترجمته له:" أبو عمرو عثمان بن على الزنجبيلى، نسبة إلى زنجبيلة قرية من قرى دمشق، ويقال له الزنجارى، الملقب عز الدين، كان أميرا كبيرا قدم من مصر مع المعظم توران شاه بن أيوب، ولما رجع المعظم من اليمن إلى الديار المصرية في شهر رجب من سنة 571 استناب في اليمن نوابا منهم الأمير عثمان المذكور، استنابه على عدن وما ناهجها. . . فلما قدم سيف الإسلام طغتكين بن أيوب من الديار المصرية إلى اليمن في سنة 579، وأسر حطان بن منقذ وقبض أمواله. . . فلما علم بذلك عثمان المذكور هرب من عدن وركب البحر، وحمل جميع ما معه وذخائره من ساحل زبيد، فقبض عليها كلها، ولم يفلت غير المركب الذى هو فيه، فلما خرج من عدن سكن دمشق، وابتنى فيها مدرسته، وتوفى سنة 583 بدمشق ودفن بمدرسته ". ومدرسته بدمشق كانت تعرف باسم " المدرسة الزنجارية " أو " الزنجبيلية " خارج باب توما وباب السلامة، انشئت سنة 626 هـ وبها تربة وجامع بخطبة. انظر:(النعيمى: الدارس في المدارس، ج 1، ص 526 - 527) و (رحلة ابن جبير، ص 170).
(2)
ما بين الحاصرتين زيادات عن س.
(3)
الأصل: " وسعا "
(4)
الذى يذكره العماد (الروضتين، ج 2، ص 25) أن سيف الدولة مبارك بن منقذ «ابتاع من السلطان الناحية المعروفة بالعدوية بمصر لما عاد إليها. . . فصنع دعوة عظيمة بها» ، وذكر العماد أنه حضرها هو وغيره من الفضلاء والأعيان، فبينماهم عنده في أسر حال إذ أحدق بهم الأمير بهاء الدين قراقوش فقبض على سيف الدولة، واعتقل بالقصر إلخ».
وأرسل أصحابه يتجهزون من البلد، ويشترون ما يحتاجون إليه من الأطعمة وغيرها، فقيل للسلطان:" إن ابن منقذ يريد الهرب [إلى اليمن] (1)، وأصحابه يتزودون له، ومتى دخل [226] اليمن أخرجه من طاعتك "، فاعتقله السلطان وحبسه، فبذل للسلطان ثمانين ألف دينار، ولم يظهر فيها بيع متاع ولا استدانة من تجار، وغرم لأخوى السلطان: الملك العادل، وتاج الملوك بورى جملة، فأطلق وعاد إلى منزلته.
ثم وقع باليمن خلف بين حطّان بن منقذ - والى زبيد - وعز الدين عثمان ابن الزنجبيلى - والى عدن - لما بلغهما وفاة الملك المعظم، ورام كل واحد منهما أن يغلب (2) على ما بيده (3)، وجرت بينهما فتن، واشتد الأمر، وبلغ ذلك السلطان، فخاف أن يطمع أهل اليمن فيها بسبب الاختلاف بين أصحابه، فأرسل إلى اليمن عسكرا وقدّم عليهم قتلغ أبه (4) - والى مصر - ومعه عدة من الأمراء، فاستولى قتلغ أبه على زبيد، وأزال حطّان عنها، ثم توفى قتلغ أبه، فعاد حطّان إلى إمارته بزبيد وإقطاعه (5)، وأطاعه الناس لجوده وشجاعته.
(1) ما بين الحاصرتين عن س.
(2)
في الأصل: «يغلبك» ، والتصحيح عن س (71 ب).
(3)
كذا بالأصل، وفى س:«ما بيد الآخر» .
(4)
الأصل: «فبلغ ابه» ، وما هنا عن (ابن الأثير، ج 11، ص 178) وهو عند بامخرمة (أنظر ما فات هنا، ص 102، حاشية 2): «خطلبا» ، وهو في (الروضتين، ج 2، ص 26): «صارم الدين خطلبا» .
(5)
هذا اللفظ غير موجود في س.
ذكر استيلاء
سيف الإسلام طغتكين (1) بن أيوب على بلاد اليمن
ثم قرر السلطان مع سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب أخيه أن يمضى إلى بلاد اليمن لتنقطع الفتن بها، فسار إليها (2) في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بعد مسير السلطان [فوصل إلى زبيد فملكها، وأمّن حطّان وطيّب قلبه، فاستأذنه حطّان في المسير](3) إلى الشام، فأذن له، فجمع حطّان كلما له من سبد ولبد، وكان قد حصل على أموال عظيمة، ورحل بها، فردّه سيف الإسلام إليه ليودعه، ويركب معه ليشيعه، فلما دخل إليه اعتقله واحتاط على جميع موجوده، ثم نقله إلى بعض الحصون فحبسه به ثم قتله.
وحكى عماد الدين الكاتب عن السلطان فيما قبض من حطّان من الأموال، قال:" كان سبعين غلافا من غلف الزرد مملوءة بالذهب، وقوّم المأخوذ منه بألف ألف دينار ".
ولما سمع عز الدين بن الزنجبيلى بسيف الإسلام تجهز من عدن إلى الشام، وسار إليه خائفا يترقب، وسيّر معظم أمواله في البحر، فصادفها مراكب فيها
(1) في الأصل: «سيف الدين الإسلام سيف الدين طغتكين» وقد صحح بعد مراجعة س.
(2)
كان الرحالة ابن جبير موجودا في مكة عند مرور طغتكين بها في طريقه إلى اليمن، وقد وصف الأيام التي قضاها طغتكين مع جيشه في مكة وصفا شائقا. أنظر:(الرحلة، ص 145 - 149)؛ وقال ابن أبى طى (الروضتين، ج 2، ص 26) في أسباب خروج طغتكين لليمن: " كانت نفس سيف الإسلام طغتكين أخى السلطان تشرئب إلى اليمن من حيث مات أخوه شمس الدولة، ويشتهى أن يصير إليها، فأمر ابن سعدان الحلبى أن يعمل قصيدة يعرض فيها بإنفاذ سيف الإسلام إلى اليمن، فعمل القصيدة التي يقول فيها (وروى أبياتا منها)، قال: فلما سمع السلطان هذه القصيدة أذن لسيف الإسلام في المسير إلى اليمن».
(3)
ما بين الحاصرتين زيادات عن ص (72 ا).