الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(14)
رسالة مرسلة من صلاح الدين إلى أحد أمراء الشام ينبئه بخبر وصول الأسطول من صقلية لمهاجمة مدينة الاسكندرية في يوم الأحد السادس والعشرين
من ذى الحجة سنة 569، وكيف انتهى الأمر بفشله في أول المحرم سنة 570 عن:(الروضتين، ج 1، ص 234 - 235) " إنّ أول الأسطول وصل وقت الظهر، ولم يزل متواصلا متكاملا إلى وقت العصر، وكان ذلك على حين غفلة من المتوكلين بالنظر، لا على حين خفاء من الخبر، فأمر ذلك الأسطول كان قد اشتهر وروع به ابن عبد المؤمن في البلاد المغربية، وهدد به في الجزائر الرومية صاحب قسطنطينية، فشوهد في الثغر من وفور عدته وكثرة عدته، وعظيم الهمة به، وفرط الاستكثار منه، ما ملأ البحر واشتد به الأمر، فحمى أهل الثغر عليهم البر، ثم أشير عليهم أن يقربوا من السور، فأمكن الأسطول النزول، فاستنزلوا خيولهم من الطرائد، وراجلهم من المراكب، فكانت الخيل ألفا وخمسمائة رأس، وكانوا ثلاثين ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل، وكانت عدة الطرائد ستة وثلاثين طريدة تحمل الخيل، وكان معهم مائتا شينى، في كل شينى مائة وخمسون راجلا، وكانت عدة السفن التي تحمل آلات الحرب والحصار من الأخشاب الكبار وغيرها ست سفن، وكانت عدة المراكب الحمّالة برسم الأزواد والرجال أربعين مركبا، وفيها من الراجل المتفرق وغلمان الخيّالة، وصناع المراكب، وأبراج الزحف، ودباباته، والمنجنيقية، ما يتمم خمسين ألف رجل.
ولما تكاملوا نازلين على البر، خارجين من البحر، حملوا على المسلمين حملة أوصلوهم إلى السور، وفقد من أهل (235) الثغر في وقت الحملة ما يناهز
سبعة أنفس، واستشهد محمود بن البصار وبسهم جرح، وجذفت مراكب الفرنج داخلة إلى الميناء، وكان به مراكب مقاتلة، ومراكب مسافرة، فسبقهم أصحابنا إليها فخسفوها وغرقوها، وغلبوهم على أخذها، وأحرقوا ما احترق منها، واتصل القتال إلى المساء فضربوا خيامهم بالبر، وكان عدتهم ثلثمائة خيمة.
فلما أصبحوا زحفوا وضايقوا، وحاصروا، ونصبوا ثلاث دبابات بكباشها، وثلاثة مجانيق كبار المقادير، تضرب بحجارة سود استصحبوها من صقلية، وتعجب أصحابنا من شدة أثرها، وعظم حجرها، وأما الدبابات فإنها تشبة الأبراج في جفاء أخشابها، وارتفاعها، وكثرة مقاتلتها، واتساعها، وزحفوا بها إلى أن قاربت السور، ولجّوا في القتال عامة النهار المذكور.
وورد الخبر إلى منزلة العساكر بفاقوس يوم الثلاثاء ثالث يوم نزول العدو على جناح الطائر، فاستنهضنا العساكر إلى الثغرين: اسكندرية ودمياط، احترازا عليها واحتياطا في أمرها، وخوفا من مخالفة العدو إليها، واستمر القتال، وقدمت الدبابات، وضربت المنجنيقات، وزاحمت السور إلى أن صارت منه بمقدار أماج البحر، وأهاج الدور، فاتفق أصحابنا على أن يفتحوا أبوابا قبالتها من السور، ويتركوها معلقة بالقشور، ثم فتحوا الأبواب، وتكاثر صالح أهل الثغر من كل الجهات، فأحرقوا الدبابات المنصوبة، وصدقوا عندها من القتال، وأنزل الله على المسلمين النصر، وعلى الكفار الخذلان والقهر.
والتصل القتال إلى العصر من يوم الأربعاء، وقد ظهر فشل الفرنج ورعبهم، وقصرت عزائمهم وفتر حربهم، وأحرقت آلات قتالهم، واستحر القتل والجراح في رجالهم، ودخل المسلمون إلى الثغر لأجل قضاء فريضة الصلاة، وأخذ ما به قيام الحياة، وهم على نية المباكرة، والعدو على نية الهرب والمبادرة.
ثم كرّ المسلمون عليهم بغتة وقد كاد يختلط الظلام، فهاجموهم في الخيام، فتسلموها بما فيها، وفتكوا في الرجالة أعظم فتك وتسلموا الخيالة، ولم يسلم منهم إلا من نزع لبسه، ورمى في البحر نفسه، وتقحم أصحابنا في البحر على بعض المراكب فخسفوها وأتلفوها، فولّت بقية المراكب هاربة، وجاءتها أحكام الله الغالبة، وبقى العدو بين قتل وغرق، وأسر وفرق، واحتمى ثلثمائة فارس منهم في رأس تل، فأخذت خيولهم، ثم قتلوا وأسروا، وأخذ من المتاع والآلات والأسلحة مالا يملك مثله، وأقلع هذا الأسطول عن الثغر يوم الخميس ".