الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر انتقال السلطان والعسكر إلى الخروبة
(1)
ولما انقضى أمر الوقعة وسكنت ثائرتها أمر السلطان بالانتقال إلى الخروبة، فانتقل في رابع (2) شهر رمضان من السنة، وأمر أهل عكا بإغلاق أبوابها، ووجد بذلك الفرج، فشرعوا في حفر الخندق على معسكرهم [345] حوالى عكا (3) من البحر إلى البحر، وأخرجوا ما كان في مراكبهم من آلات الحصار، وعّمقوا الخندق عليهم، وأداروا حولهم سورا مستورا (4) بالستائر (5)، ورتبوا عليه الرجال، وتركوا له أبوابا يظهرون منها إذا أرادوا الخروج، فانقطعت طريق المسلمين إلى عكا بالكلية.
(1) س: " ذكر انتقال العسكر السلطانى ".
(2)
س: «سابع» ، وما بالمتن يتفق ونص العماد (الروضتين، ج 2، ص 147) و (ابن الأثير، ج 12، ص 16).
(3)
الأصل: «معسكرهم» والتصحيح عن س والروضتين.
(4)
الأصل: " مسورا ".
(5)
الستائر جمع ستارة؛ وهى من أهم معدات الحرب عند المسلمين في العصور الوسطى، كانوا يتخذونها من الجلود واللبود المبلولة بالخل والشب والنطرون لوقاية الحصون والقلاع من قذائف النفط، وكانت تستعمل بوجه خاص لحماية الأبراج والدبابات المصنوعة من الخشب، وكذلك لحماية السفن من قذائف النفط، قال:(الحسن بن عبد الله: آثار الأول؛ ص 197): " وليس في حرب البحر شئ أصعب من النفط؛ بسبب الزفت والقير الذى يطلى به المركب؛ فيحتاط لدفع ذلك باللبود المبلولة بالحل والشب والنطرون "؛ وكان هناك نوع آخر من الستائر يعلق بعيدا عن الأسوار ليضعف قذائف المجانيق والجروخ والزيارات فتقل قوتها ولا تؤثر في جدران القلاع والحصون؛ وقد وصف هذا النوع (الحسن بن عبد الله: آثار الأول، ص 194) وصفا رائعا، قال:" وأما ما يدفع به آلات الحصار فالمنجنيق أشدها، فمن أراد التوقى منه فليخرج من أعلى السور أخشابا طوالا يظهرها كالجناح المطل، ويدلى منها البسط والأكسية والشباك من الحبال الغلاظ واللبود ما أمكن، ولتكن مرخاة بعيدة من السور، فيجئ الحجر وقد ضعف فعله وبطلت قوته، وكذلك النشاب والجرخ والزيار، لا يتجاوز تلك الستائر ". أنظر أيضا: (مرضى بن على: تبصرة أرباب الألباب، ص 18 - 19).
وما كان انتقال السلطان من منزلته صوابا، فإنه لو أقام لما تمكن العدو، لكن كان أمر الله قدرا مقدورا، وكان السبب في تأخر السلطان أنه استحضر الأمراء وأرباب المشورة (1).
قال القاضى بهاء الدين ابن شداد رحمه الله:
«كنت من جملتهم، فقال السلطان: «بسم الله، والحمد لله، والصلاة على رسول الله: اعلموا أن هذا عدو الله وعدونا قد نزل في بلدنا، ووطئ أرض الإسلام، وقد لاحت لوائح النصر عليهم إن شاء الله تعالى، وقد بقى [العدو](2) في هذا الجمع اليسير، ولابد من الاهتمام بقلعه، والله قد أوجب علينا ذلك، وأنتم تعلمون أن هذه عساكرنا ليس وراءها نجدة ننتظرها سوى الملك العادل، وهو واصل، وهذا العدو وإن بقى وطال أمره إلى أن ينفتح البحر جاءه مدد عظيم، والرأى كل الرأى عندى مناجزته، فليخبرنا كل منكم ما عنده في ذلك ".
وكان ذلك في ثالث عشر تشرين الثانى من الشهور الثمسية، وهو آخر شعبان، فانفصلت أراؤهم على أن المصلحة تأخر العسكر إلى الخروبة، وأن يبقى العسكر أياما حتى يستجم من حمل السلاح، وترجع نفوسهم إليهم، فقد أخذ منهم التعب، واستولى على نفوسهم الضجر، وتكليفهم أمرا على خلاف ما يحمله القوى لا تؤمن غائلته، والناس لهم خمسون يوما تحت السلاح وفوق الخيل، والخيل قد ضجرت من عرك اللجم، وعند أخذ حظ من الراحة ترجع نفوسها إليها، ويصل الملك العادل، ويشاركنا في الرأى [والعمل](3) ونستعيد من شذّ من العساكر، ونجمع الرجالة ليقفوا في مقابلة العدو ".
(1) الأصل: «الأمراء المشهورة وغيرهم» ، والتصحيح عن:(ابن شداد: السيرة، ص 97).
(2)
ما بين الحاصرتين عن ابن شداد.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن ابن شداد وس.