الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر منازلة السلطان رحمه الله صور
ولم يزل السلطان مقيما بالقدس إلى الخامس والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعنى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - يرتب إخوته، وينظر في مصالحه، ويفرق الأموال.
فحكى عماد الدين الأصفهانى، قال:
" سمعت الملك [306] العادل يقول - وقد جرى ذكر إفراط السلطان في العطاء -: أنا توليت استيفاء قطيعة القدس، فأنفذت إليه ليلة سبعين ألف دينار، فجاءنى رسوله بكرة وقال: يريد اليوم ما يخرجه في الإنفاق، فإن الذى سيّرت إلينا بالأمس قد نفدت، فنفذت إليه ثلاثين ألف دينار أخرى في الحال، فأنفقها ".
ثم وردت على السلطان كتب الأمير سيف الدين على بن أحمد المشطوب - وهو نائب السلطان بصيدا وبيروت - يحرضه على حصار صور، فرحل السلطان عن القدس يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان متوجها إلى عكا، وقد سبقه إليها ولده الملك الأفضل نور الدين، وابن أخيه الملك المظفر تقى الدين؛ وودع السلطان الملك العزيز عماد الدين عثمان، ورده إلى الديار المصرية، وكان آخر عهده به.
وترك الملك العزيز خزانة سلاحه بالقدس كلّها، وكانت كثيرة جدا، وكان من جملة ما شرط على الفرنج أن يتركوا خيلهم وعدتهم فتوفر بذلك عدد البلد.
وتوجه مع السلطان أخوه الملك العادل، فوصلا إلى عكا مستهل شهر رمضان من السنة، فأصلح السلطان من شأنها، ثم رحل منها ونزل على صور يوم الجمعة
تاسع شهر رمضان، وخيّم بازاء السور، بعيدا منه على النهر؛ وصور مدينة حصينة، متوسطة (1) في البحر، وكان المركيس - لعنه الله - قد حفر لها خندقا من البحر إلى البحر، وبنى السور والبواشير وأحكم أمرها واستظهر بالعدد والعدد، واغتنم اشتغال السلطان بفتح البيت المقدس، فأقام السلطان على تلك الحال بالمنزلة ثلاثة عشر يوما، حتى تلاحقت به العساكر، وجاءته العدد والآلات، ورتب المنجنيقات.
ثم حوّل السلطان مضاربه إلى تل قريب من السور يشرف منه، ثم أخذ في محاصرة البلد، ووكّل كلّ واحد من الملوك بجانب يكفيه إياه، منهم: الملك العادل، والملك الأفضل، والملك المظفر؛ فحاصروهم وضايقوهم.
ووصل في تلك الأيام الملك الظاهر غازى - صاحب حلب - بعسكره، فاستظهر السلطان أبوه به، واستدعى الأصطول (2) المصرى - وكان بعكا - فجاء منه عشرة شوانى (3)، وكان للفرنج في البحر مراكب وشوانى، وفيها رماة الجرخ (4)
(1) الأصل: " معظمها "، والتصحيح عن:(الروضتين، ج 2، ص 119).
(2)
كذا بالأصل، راجع ما فات هنا ص 11، هامش 1
(3)
الأصل: " عشره أذراع شوانى "، ولشرح " شوانى " راجع ما فات هنا ص 13، هامش 1
(4)
لشرح هذا المصطلح راجع ما فات هنا ص 150، هامش 3، هذا وقد عقد (الحسن بن عبد الله: آثار الأول في ترتيب الدول، ص 160) نصلا في صفة القسى والنشاب، أضاف فيه معلومات قيمة عن الشعوب التي تؤثر استعمال الجرخ، وعن المفاضلة بين الجرخ والقوس العقار، وأين يستعمل كل منهما، لأن قوس الجرخ يصنع من القرن، والعقار يصنع من الخشب، قال:" والمغاربة والفرنج يعانون قسى الجرخ، وهى أكثر نفعها من داخل السور وفى مراكب البحر، والقسى الجروخ القرن تصلح للقلاع، والعقاقير جميعها خشب، ما تصلح إلا في البحر، لأن هواء البحر يضر بالقرن ويفسده، والعقاقير الخشب ما تتغير فيه، وقليل أن تخطى سهام الجروخ إذا كان الرامى بها عارفا حاذقا ".
والزّنبورك (1) يرمون من دنا من البحر، فلما وصل الأسطول الاسلامى استطال عليها وأبعدها، [307] فأحاط بهم المسلمون، وقاتلوهم برا وبحرا، فبينماهم في استظهار وظفر إذ ملك الفرنج خمسة من شوانى المسلمين، وأسروا مقدميها ورئيسها عبد السلام المغربى، ومتوليه بدران الفارسى، فألقى جماعة أنفسهم في البحر، فمن ناج وهالك، وذلك أنهم سهروا تلك الليلة بازاء ميناء صور إلى
(1) الزنبورك: والجمع زنبوركات - قد يعنى نوعا من القسى التي ترمى عنها السهام، وقد تعنى نوعا من السهام ذاتها؛ فمن النصوص التي تؤيد المعنى الأول ما ورد في:(ابن الأثير: الكامل، ج 12، ص 4) عند حديثه عن فتح صهيون سنة 584، إذ يقول:" ودام رشق السهام من قسى اليد، والجرخ، والزنبورك، والزيار "، فهذه جميعا أنواع معروفة من القسى، وذكر الزنبورك بينها دليل على أنه واحد منها؛ وجاء أيضا في:(العماد: الفتح القسى، ص 168): " وتوتير الجروخ والزنبوركات، وتطيير الناوكات " فالتوتير لا يكون إلا للقوس، والتطيير لا يكون إلا للسهم، فالناوك - تبعا لهذا - نوع من السهام؛ وجاء أيضا في:(الحسن بن عبد الله: آثار الأول، ص 146): " الروم أهل صنائع وحرف وحكم، وفيهم صبر وخدمة، ولهم حيل في السياسات ووضع آلات حربية، وحظهم في الفروسية قليل، ولهم ضرب بالسيف، ورمى بالجرخ والزنبورك. . . الخ "؛ وفى (الروضتين، ج 2، ص 119)" مراكب وحراريق وفيها رماة الجروخ والزنبوركات ".
ولكن (Dozy : Supp .Dict .Arab) يورد نصا آخر نقلا عن تاريخ بطارقة الاسكندرية يؤيد المعنى الثانى، أي أن الزنبورك يعنى نوعا من السهام، وقال:
(Suivant I'histoire des patriarches d'Alexandrie،Le Zenbouek etait une fleche،de l'epaisseur du pouce،de la longueur d'une coudee،qui avait quatre faces; la pointe de la fleche etait en fer،et des plumes en rendaient le vol plus sur Partout ou ce trait tombait،il transpercait;il traversait quelquefois du meme coup deux hommes places l'un derriere l'autre،percant a la fois la cuirasse et l'habillement du soldat;il allait ensuite se planter en terre;il penetrait meme dane la pierre des murailles) .
وترجمة هذا النص: " الزنبورك سهم في سمك الابهام وفى طول الذراع، وله أربع أوجه، وطرفه من الحديد؛ وهو مريّش ليكون في انطلاقه أكثر ثباتا، وحيثما سقط فإنه مؤكد الإصابة؛ وقد اخترق الزنبورك أحيانا - في رمية واحدة - جسمى رجلين اثنين وقف أحدهما خلف الآخر؛ واخترق في نفس الوقت درع الجندى وملابسه، ثم نفذ بعد ذلك واستقر في الأرض؛ وقد يصيب كذلك أحجار الأسوار ". =