الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لزوال حكمه عن أصحابه واطراحهم أمره ونهيه، فحمل البعض على الدواب التي أعانه السلطان بها، وأسرق البعض، وانقضت الأيام الثلاث قبل الفراغ من الباقى، ومنع عما بقى، وكانت أبراج المدينة مملوءة من أنواع الذخائر فتركها بحالها، ولو كان ساعده التوفيق لأخرج بعضها في الحصار، وحفظ سائر نعمه وأمواله، وإذا أراد الله تعالى أمرا هيأ أسبابه.
[ولما تسلم السلطان آمد أحضر بين يديه محمود بن ايكلدى الذى كان في الظاهر صاحب البلد، فرآه شيخا كبيرا فأكرمه وأحسن إليه وأمر نور الدين بالإحسان إليه (1) وأن يقيم عليه ما يكفيه، له ولأصحابه، ففعل ذلك، ولم يزل عند نور الدين مكرما حتى مات رحمه الله](2)
ذكر تسليم
السلطان آمد لنور الدين صاحب حصن كيفا
ولما تسلم السلطان آمد أنعم [بها](3) على نور الدين محمد بن قرا أرسلان ابن سقمان بن أرتق - صاحب حصن كيفا - لأنه كان وعده بها، فأنجز وعده، وقد كان أبوه عانى (4) أخذها مرارا، فأعجزه ذلك، وقيل للسلطان قبل تسليمه آمد إلى نور الدين:
" إن هذه المدينة فيها من الذخائر ما يزيد على ألف ألف دينار، فلو أخذت ذلك وأعطيته جندك وأصحابك، وسلمت إليه البلد فارغا لكان راضيا، لأنه لا يطمع في غيره ".
فامتنع من ذلك، وقال:
" ما كنت لأعطيه الأصل وأبخل بالفرع ".
(1) بهذا اللفظ تنتهى (ص 79 ب) من نسخة ص، ثم يضطرب ترتيب الصفحات بعد ذلك في هذه النسخة وجد النص يتصل بعد ذلك في (ص 142 ا).
(2)
هذه الفقرة كلها زيادة عن س (79 ب و 142 ا). ولا وجود لها في الأصل ولا في الروضتين أو ابن الأثير.
(3)
عن س.
(4)
الأصل وس: «عافا» .
ثم عمل نور الدين بآمد دعوة عظيمة، ودعا إليها السلطان وأمراءه، وقدّم له ولأصحابه من (1) التحف والهدايا (1) شيئا كثيرا، واستحلفه السلطان أنه يظهر العدل ويقمع الجور ويكون سامعا مطيعا للسلطان (2) من معاداة أعدائه، ومصافاة أوليائه (2)، وأنه متى استمده لقتال [245] الفرنج سارع إليه وكانت هذه فعلة جميلة من السلطان، وإن كانت أفعاله وخلاله كلها جميلة، فلله درّه، ما كان أسمحه وأكرمه!!
ففى ذلك يقول القاضى السعيد أبو القسم هبة لله ابن جعفر بن سناء الملك (3) يمدحه من قصيدة:
أرض الجزيرة لم تظفر ممالكها (4)
…
بمالك فطن أو سائس درب
ممالك لم يدبرها مدبّرها
…
إلا برأى خصى أو بعقل صبى
(1) هذه الألفاظ غير موجودة في س.
(2)
نص س: «عدو من عاداه، ومصافيا لمن صافاه» والأصل يتفق مع نص (الروضتين ج 2، ص 41) حيث ينقل عن العماد الكاتب.
(3)
هو القاضى السعيد أبو القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك، أكبر شعراء مصر وأشعرهم في العصر الأيوبى، ولد في حدود سنة 550 هـ، وتوفى بالقاهرة سنة 608 هـ. كان أبوه يشرف على شئون القاضى الفاضل أثناء تغيبه في الشام، وهذا يفسر لنا سر إقبال الفاضل على ابنه هبة الله وتقريبه له. وللشاعر قصائد كثيرة في مدح الفاضل تضمنها ديوانه ونقل بعضها من ترجموا له، وديوان الشاعر لم ينشر بعد، وتوجد منه نسختان في دار الكتب المصرية، إحداهما مصورة عن نسخة في مكتبة جامعة فؤاد الأول بالقاهرة، والثانية في المكتبة التيمورية، وله ديوان موشحات نشره أخيرا الدكتور جودة الركابى الأستاذ بكلية الآداب بالجامعة السورية، وله كذلك مجموعة من الرسائل المتبادلة بينه وبين القاضى الفاضل تحت عنوان «فصوص الفصول وعقود العقول» وتوجد منه نسخة خطية في المكتبة الأهلية بباريس رقم 3333، ولاستيفاء ترجمته وأخباره انظر:(ابن خلكان: الوفيات، ج 5، ص 112 - 116) و (ياقوت: معجم الأدباء، ج 19، ص 265 - 271) و (العماد الاصفهانى: خريدة القصر، قسم شعراء مصر، الجزء الأول: ص 64 - 100 و 103) و (ابن العماد: شذرات الذهب، ج 5، ص 35) و (السيوطى: حسن المحاضرة، ج 1، ص 235) و (ابن سناء الملك: دار الطراز، مقدمة الناشر الدكتور جودة الركابى) و (GAWDAT RIKABI : La Poesie Profane Sous les Ayyubides P. P. 69 - 86).
هذا ولابن سناء الملك كتاب مفقود هو «روح الحيوان» اختصر فيه كتاب الحيوان للجاحظ.
(4)
الأصل وس: «بمالكها» والتصحيح عن: (الروضتين، ج 2، ص 43) حيث أورد من القصيدة أبياتا أكثر مما أوردها هنا ابن واصل.
حتى أتاها صلاح الدين فانصلحت
…
بعد الفساد، كما صحّت من الوصب
واستعمل الجد فيها غير مكترث
…
بالجد، حتى كان الجدّ كاللعب (1)
وقد حواها فأعطى بعضها هبة،
…
فهو الذى يهب الدنيا، ولم يهب
يعطى الذى أخذت منه ممالكه،
…
وقد يمنّ على المسلوب بالسّلب (1)
ثم كتب السلطان إلى الديوان العزيز بالإنشاء الفاضلى في معنى فتح آمد يقول فيه:
" فصل: (2) وهو يتوقع في جواب هذا الفتح أن يمد بجيش هو الكلام، ورماح هى الأقلام، ونصر هو وافد العز (3)، ورشد (4) هو فك الحجز (5)، وليس ذلك لوسائل من دولة أقامها بعد ميل عروشها، ولا دعوة قام فيها بعد ما تصاغرت دونه همم جيوشها، ولكن لأن (6) هذه الجزيرة الصغيرة [منها تنبعث الجزيرة الكبيرة و] (7) هى دار الفرقة ومدار الشقة، فلو انتظمت في السلك لانتظم جميع عسكر الإسلام في قتال الشرك، وكان الكفر يلقى يديه (8) وينقلب على عقبيه، ويغشاه الإسلام من خلفه ومن بين يديه، ويغزى من مصر برا وبحرا، ومن بلاد الشام سرا وجهرا، ومن الجزيرة مدا وجزرا (9) ".
(1) هذا البيت لم يرد في الروضتين.
(2)
كذا في الأصل، وفى (الروضتين، ج 2، ص 41)، وفى س (142 ب):«وقد»
(3)
كذا في الأصل، وفى س، والروضتين:(الأمر).
(4)
س: «ورسل» ، والروضتين:«وترشيد» .
(5)
س والروضتين: «الحجر» .
(6)
الأصل وس: «الآن» ، والتصحيح عن الروضتين.
(7)
ما بين الحاصرتين عن الروضتين.
(8)
الأصل: " تكف أيديه "، وس:" وكان كف يديه "، والتصحيح عن الروضتين.
(9)
س: " وحسرا ".