الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بغداد وأديت جواب الرسالة أيس من النجدة، فلما بلغهم مرض السلطان رأوا ذلك فرصة، وعلموا برقة قلبه وسرعة انقياده في ذلك الوقت، فندبونى لهذا الأمر، وبهاء الدين الربيب (1) وفوّض إلى أمر النسخة ".
ذكر انتظام الصلح بين المواصلة والسلطان
قال بهاء الدين:
" فسرنا حتى أتينا العسكر - يعنى بحرّان -[264]، والناس كلهم آيسون من السلطان، وكان وصولنا في أوائل ذى الحجة، فاحترمنا احتراما عظيما، وجلس لنا، وكان ذلك أول جلوسه من مرضه، وحلف يوم عرفة، وأخذنا منه بين النهرين، أخذها من سنجر شاه وأعطاها المواصلة، وحلفته يمينا تامة، وحلفت أخاه الملك العادل، وسرت عنه وهو بحران وقد تماثل، واستمر الصلح، وصلح الأمر ".
وخطب في جميع بلاد الموصل للسلطان، وقطعت خطبة السلاطين السلجوقية بها، وخطب له في ديار بكر وجميع البلاد الأرتقية، وضربت السكة باسمه.
وكان المرض لما اشتد بالسلطان وصل إليه أخوه الملك العادل ومعه الأطباء، وقام يضبط الأمور، والجلوس في كل يوم في النوبتية (2) الذى للسلطان، وإقامة وظيفة السماط.
(1) الأصل: «بن الربيب» والتصحيح عن: (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 56). (الروضتين؛ ج 22 ص 64).
(2)
النص عند العماد: (الروضتين، ج 2، ص 65): " والجلوس في كل يوم في النوبتية السلطانية؛ لتولى مصالح الرعية؛ وإقامة وظيفة السماط؛ والعمل في كل يوم بالاحتياط ".
وكان الملك العزيز عماد الدين عثمان حاضرا مع أبيه، فحلفّ السلطان الناس لأولاده، وجعل لكل منهم نصيبا معلوما، وجعل أخاه الملك العادل وصيّا على الجميع، وأكثر السلطان في مرضه من الصدقات، وكتب بذلك إلى الشام والديار المصرية، فلم يبق في سائر ممالكه من الفقراء والمساكين إلا من وصل إليه نصيب من رفده وبره وصدقته.
وذكر عماد الدين الكاتب قال:
" أمرنى أن أكتب إلى نائبه بدمشق صفى الدين بن القابض بأن يتصدق بخمسة آلاف دينار صورية (1)، فقال: ما عندى غير دنانير مصرية، فقال:
يتصدق بها مصرية ".
ولما امتد زمان مرضه أمر ببناء دار عند سرادقه وحمام، فبنيت في أربعة أو خمسة أيام، واستحضر من دمشق ولديه الصغيرين: الملك المعظم توران شاه، وملكشاه (2)، وأمهما، فأسكنهما في تلك الدار مدة مقامه وسماها:
" دار العافية ".
ولما تم الصلح بينه وبين المواصلة أهدى لعز الدين هدايا عظيمة، ولوالدته، ولزوجته، ولابنة نور الدين، وقوّم ما سيره إليهم بما يوفى على عشرة آلاف دينار سوى الخيل والملبوس والطيب والأشياء المستطرفة.
(1) أنظر ما فات هنا، ص 76، هامش 6
(2)
هما أخوان شقيقان لأم واحدة، الأول الملك المعظم أبو منصور تورانشاه فخر الدين، ولد بمصر في ربيع الأول سنة 577 هـ، والثانى الملك الغالب أبو الفتح ملك شاه نصير الدين، ولد بالشام في رجب سنة 578 هـ؛ انظر:(الروضتين، ج 1 ص 276 - 277)؛ وقد ترجم (الحنبلى: شفاء القلوب، 73 ب) للمعظم تورانشاه، فقال إنه كان كبير البيت الأيوبى، وقد اشتغل بالعلم وحضر غير مصاف وكان ذا شجاعة وعقل، ولما استولى التتار على حلب اعتصم بقلعتها ثم سلمها بالأمان، وأدركه الأجل على قرب ذلك فتوفى في السبع ولعشرين من ربيع الأول سنة 658 هـ بحلب عن ثمانين سنة، ودفن هناك بدهليز داره.