الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة الملك القاهر
ناصر الدين محمد (1) بن أسد الدين شيركوه صاحب حمص
[265]
وكان ناصر الدين محمد بن أسد الدين شير كوه في صحبة السلطان وهو مريض بحرّان، فلما أشند مرضه توجه إلى إقطاعه، وكانت له حمص والرحبة وتدمر وسلمية، فلما اجتاز بحلب أحضر جماعة من أحداثها، ووعدهم وأعطاهم مالا، ولما وصل إلى حمص أرسل جماعة من الدمشقيين وواعدهم على تسليم البلد إليه إذا مات السلطان، وأقام بحمص ينتظر موته ليسير إلى دمشق فيملكها، فعوفى السلطان، وبلغ ناصر الدين الخبر، فلم يمض غير قليل حتى مات ناصر الدين ليلة عيد الأضحى من هذه السنة - أعنى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة - وذلك أنه شرب خمرا وأكثر منه، فأصبح ميتا.
استيلاء الملك المجاهد شير كوه بن محمد بن شير كوه بن شاذى على حمص
فأقطع السلطان ما كان لناصر الدين لولده الملك المجاهد أسد الدين شيركوه، وعمره يومئذ اثنتا عشرة سنة، فلم يزل مالكا لحمص وبلادها إلى أن توفى بها في سنة سبع وثلاثين وستمائة، وكانت مدة ملكه نحوا من ست وخمسين سنة، وملك بعده ولده الملك المنصور إبراهيم، وتوفى بدمشق سنة أربع وأربعين وستمائة، فملك بعده ولده الملك الأشرف موسى بن إبراهيم، فأخذت منه في سنة ست وأربعين وستمائة، وملكها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك
(1) ترجم له (الحنبلى. شفاء القلوب، ص 11) ترجمة مختصرة نقل معظمها عن ابن واصل، وزاد عليها قوله:«وقيل إن السلطان اغتاله بسم، وقيل مات فجأة» .
العزيز محمد بن الملك الظاهر غازى - صاحب حلب -، فلم يزل مالكا لها إلى أن وطئت التتر البلاد وملكوها سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأعادوا حمص إلى الملك الأشرف موسى بن الملك المنصور، ثم لما رجعت البلاد إلى المسلمين أقرّه عليها الملك الظاهر ركن الدين، ثم توفى الملك الأشرف في سنة اثنتين وستين وستمائة (1)، وهو آخر من ملك حمص منهم.
وكتب السلطان إلى الملك المجاهد يعزيه بأبيه:
" قد علمنا المصاب بوالده رحمه الله، وعظّم أجرنا وأجره فيه، وإن كان مضى لسبيله فولدنا أسد الدين - أحياه الله - نعم الخلف الصالح، وإن انتقل والده إلى دار البقاء، فهو في مكانه المستقر من المجد والعلاء، والبلاد والمعاقل باقية عليه، مسلمة إليه، مقررة في يديه، وما مضى من والده رحمه الله[266] إلا عينه، وولدنا قرة العيون، وبه استقر السكون، والحمد لله الذى جبر به كسر المصاب، وألبسنا وأياه ثوب الثواب، فليشرح ولدنا صدره، ولا يشغل سره، ويعرف خواصه وأصحابه وولاته ونوابه بحمص والرحبة وغيرهما أنهم باقون على عادتهم ".
وكان المندوب إليه في هذه الرسالة القاضى نجم الدين أبا البركات عبد الرحمن بن الشيخ شرف الدين بن أبى عصرون، وهو الذى تولى الحكم بحماة، وتوفى بها.
وخلّف ناصر الدين أموالا جزيلة وذخائر كثيرة، [و] قسّم السلطان الميراث لما قدم حمص، وكان تحت ناصر الدين ست الشام المعروفة بالحسامية زوجة ناصر الدين، فصرف إليها ثمنها، وقسم الباقى بين أسد الدين وأخوته، على مقتضى الشريعة المطهرة.
(1) هذا التاريخ يدل على أن ابن واصل كان يكتب هذا الجزء من كتابه بعد سنة 662 هـ.