الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعيد الدولة المصرية كما كانت، فاجتمع إليه ممن يرى رأى الاسماعيلية ويهوّن (1) عود الأمر إلى أهل القصر خلق عظيم وجمع كثير من السودان، ولما كثر جمعه (2) قصد قوص وأعمالها، فجرّد إليه السلطان الملك الناصر رحمه الله جمعا كثيرا من العسكر، وقدّم عليهم أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب، فسار بهم الملك العادل حتى أتى القوم، وكان الكنز قد فتك بأخ لحسام الدين أبى الهيجاء السمين وبمن (3) هناك من المنقطعين، ولما قصده الملك العادل بمن معه من العسكر تداركوا بطود، وبها أصحاب الكنز، فاجتمعت عليهم، فنازلوها ثم ملكوها، وأبادوا أهلها بالسيف، ثم صاففوا (4) الكنز ومن معه، فكسر وقتل وأبيد أصحابه قتلا وأسرا، وانطفت جمرة المصريين ولم تقم لهم بعدها قائمة (5).
ذكر مسير
الملك الناصر صلاح الدين إلى الشام وتملك دمشق
قد ذكرنا إنكار السلطان الملك الناصر رحمه الله ما اعتمده الجماعة مع الملك الصالح من القبض على الأمير شمس الدين على بن الداية وأخوته،
(1) الأصل: «ويهول» وس (62 ب): «ويريدوا» ، وما هنا قراءة ترجيحية.
(2)
س: «جمعهم» .
(3)
في الأصل: «ومن» وما هنا صيغة س.
(4)
س: «ضايقوا» .
(5)
أشار ابن أبى طى (الروضتين، ج 1، ص 235) إلى ثورة أخرى قامت في طود في نفس الوقت وأخضعها الملك العادل، قال:«واتفق أيضا أن خرج بقرية من قرى الصعيد يقال لها طود رجل يعرف بعباس بن شاذى، وثار في بلاد قوص ونهبها وخربها، وأخذ أموال الناس، واتصل ذلك بالملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب، وكان السلطان قد استنابه بمصر، فجمع له العساكر وأوقع به وبدّد شمله وفض جموعه وقتله، ثم قصد بعده كنز الدولة الوالى بأسوان وكان قصد بلد طود، فقتل أكثر عسكره، وهرب، فأدركه بعض أصحاب الملك العادل، فقتله» .
وتفريطهم في البلاد، ويذلهم القطيعة للفرنج من غير أن يبدوا (1) عذرا في جهادهم، وقال:
ثم كاتب الأمير شمس الدين بن المقدم برسالة منها:
" إنا لا نؤثر للإسلام وأهله إلا ما جمع (3) شملهم وألّف (3) كلمتهم، وللبيت (4) الأتابكى - أعلاه الله - إلا ما حفظ أصله وفرعه، أو دفع ضره وجلب نفعه، فالوفاء إنما يكون بعد الوفاة، والمحبة إنما يظهر أثرها عند تكاثر أطماع (5) العداة، وبالجملة أنا في واد والظانون بنا ظن السوء في واد، ولنا من الصلاح مراد، ولمن يبعدنا عنه مراد "(6)
ثم عزم السلطان على المسارعة إلى تلافى الأمر، فاعترضه أمران: وصول أسطول صقلية (7) إلى الاسكندرية، والثانى نوبة الكنز (7) المقدم ذكره، فلما كفى الله شرهما توجه إلى دمشق، فخرج إلى البركة (8) في مستهل صفر من هذه
(1) في الأصل وفى س " يبلو "، وما هنا قراءة ترجيحية.
(2)
في الأصل وس: «دعاية» .
(3)
س: «يجمع ويألف» وما هنا يتفق ونص (الروضتين، ج 1، ص 234).
(4)
في الأصل، وفى س:«والبيت» وقد صححت بعد مراجعة الروضتين.
(5)
كذا في الأصل وفى الروضتين، وفى س:" عند تطامع العداة ".
(6)
الخطاب موجز هنا وفى س، وله في (الروضتين، ج 1، ص 234) تتمة نصها: " ولا يقال لمن طلب الصلاح إنك قادح، ولمن ألقى السلاح إنك جارح ".
(7)
أنظر ما فات هنا ص 11 - 17.
(8)
هى بركة الجب أو بركة الحجاج، وقد عرفها (المقريزى: الخطط، ج 3، ص 265 - 267) بقوله: " هذه البركة في الجهة البحرية من القاهرة على نحو بريد منها، عرفت أو لا بجب عميرة، ثم قيل لها أرض الجب، وعرفت إلى اليوم ببركة الحجاج من أجل نزول حجاج البربها عند مسيرهم من القاهرة وعند عودهم. . . إلخ» وقد حدد (على مبارك: الخطط التوفيقية، ج 9، ص 16) موقعها تحديدا أدق، قال:«بزكة الحاج: قرية موضوعة في الشمال الشرقى للقاهرة بنحو خمس ساعات، وفى غربى الترعة الاسماعيلية بنحو ستة آلاف متر، وفى جنوب الخانقاه كذلك، وفى شرقى قرية المرج نحو ثلاثة آلاف متر. . . إلخ» .
السنة - أعنى سنة سبعين وخمسمائة - وقد وردت عليه رسل شمس الدين محمد بن المقدّم، وشمس الدين صديق بن جاولى صاحب بصرى، يستحثونه على سرعة الحركة.
ثم سار ثالث عشر ربيع الأول على صدر (1) وأيلة في سبعمائة فارس، ولما قارب بصرى (2) خرج صاحبها صديق بن جاولى إلى لقائه، فلما رأى قلة من معه قال للقاضى الفاضل:
" ما أرى معكم عسكرا، وهذا بلد عظيم لا يقصد بهذا العسكر، ولو منعكم من به ساعة من النهار أخذكم أهل السواد، فإن كان معكم مال سهل الأمر ".
فقال:
" معنا مال كثير يكون خمسين ألف دينار ".
فضرب صاحب بصرى على رأسه وقال:
" هلكتم وأهلكتمونا ".
وجميع ما كان معهم عشرة آلاف دينار.
ثم رحل السلطان من بصرى لست بقين من ربيع الأول، فلقيه ابن عمه الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذى، والأمير سعد الدين بن معين الدين أنر يوم السبت لثلاث بقين من الشهر، ونزل يوم الأحد بحسر الخشب وتوافت إليه الأجناد والعساكر الدمشقية، والوجوه والأكابر.
ولما كان يوم الاثنين التاسع والعشرين من ربيع الأول ركب [السلطان](3) وساق إلى [771] دمشق، فاعترضه دون الدخول جماعة من الرجال يريدون بزعمهم دفعه، فهزمهم عساكره، ووصل (4) إلى البلد، ولم يغلق في وجهه
(1) ص: «صرخد» وما هنا هو الصحيح، وللتعريف بالمدينتين انظر: الجزء الأول من مفرج الكروب، ص 138
(2)
هكذا ضبطها (ياقوت: معجم البلدان) وقال هى من أعمال دمشق، أو هى قصبه كورة حوران.
(3)
ما بين الحاصرتين من ص (63 أ).
(4)
س: «ودخل البلد» .
باب، بل كأن البلد لم يزل (1) له، فدخل دمشق وخرقها، ووصل إلى دار أبيه المعروفة بدار العقيقى، وامتنع جمال الدين ريحان بالقلعة، وأمر [السلطان](2) فنودى في دمشق بإطابة النفوس وإزالة المكوس، وأظهر أنه ما جاء (3) إلا لتربية الملك الصالح ولد نور الدين، وأن الملك له، وهو نائبه ومدبر دولته، وأبقى الخطبة والسكة باسمه، وراسل جمال الدين متولى القلعة، واستماله وبذل له كلما يطلبه، فأجاب جمال الدين إلى تسليم القلعة، فتسلمها السلطان على عوض أعطاه [إياه](2)، وأنزل بالقلعة أخاه ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، واستثبت (4) أمر السلطان بدمشق (5)، وجاء (6) إلى خدمته القاضى كمال الدين بن الشهرزورى، فوفّاه حقه من الإكرام (7)، ونفذت الكتب إلى الديار المصرية بما سناه (8) الله تعالى له من هذا الفتح.
(1) س: «كان له» .
(2)
ما بين الحاصرتين عن س (63 أ).
(3)
الأصل: «إنما جاء» .
(4)
س: «واستنب» .
(5)
في: (الروضتين، ج 1، ص 236) قطعتان من رسالتين بقلم القاضى الفاضل أرسلنا إلى مصر تحملان أنباء فتح دمشق ودخولها، وبهما تفصيلات هامة فانظرهما هناك.
(6)
في الأصل: «رجال» ، وما هنا عن س، وهو الأصح.
(7)
لم تكن العلاقات طيبة بين القاضى كمال الدين وصلاح الدين منذ كان يتولى الأخير شحنكية دمشق في عهد نور الدين، ومع هذا فقد قدم كمال الدين المساعدات المكنة لصلاح الدين لتمكينه من الاستيلاء على دمشق، وقد عرف صلاح الدين للقاضى فضله، فذهب إلى زيارته في بيته، روى قصة هذه الزيارة (سبط ابن الجوزى: مرآة الزمان، ج 8، ق 1، ص 327) قال: " ومشى (أي صلاح الدين) إلى دار كمال الدين، فانزعج وخرج إلى لقائه، ودخل صلاح الدين فجلس وباسطه، وقال: يا كمال الدين، لما كنت في الشحنكية قد كانت بيننا هنات ومشاحنات، - وكان كمال الدين يكرهه، فكان كل واحد منهما ينقض على الآخر أحكامه - فقال له صلاح الدين: ما مشيت إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرفك أن ما في قلبى لك نكرة، فطب نفسا، وقرعينا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك» أنظر أيضا:(نفس المرجع، ص 340)
(8)
كذا في الأصل، وفى س:«هيأه» .
ولما سمع المدبرون للملك الصالح (1) إسماعيل بن نور الدين رحمه الله (1) بملك الملك الناصر دمشق سقط في أيديهم، وأيقنوا بذهاب البلاد، فراسلوا سيف الدين غازى بن [قطب الدين](2) مودود بن زنكى صاحب الموصل وأرسلوا إلى السلطان الملك الناصر الأمير قطب الدين ينال (3) بن حسّان - صاحب منهج - برسالة فيها غلظ وتعنيف، وقال للسلطان فيما قاله:
«هذه السيوف التي (4) ملكتك مصر - وأشار إلى سيفه - تردّك، وعما تصديت له تصدّك» ، فحلم عنه السلطان وتغافل، وذكر أنه إنما وصل لترتيب الأمور وتربية الملك الصالح، وإخراج الأمراء أولاد الداية من الاعتقال، فقال له قطب الدين:
«أنت تريد الملك لنفسك، وليس مقصودك غير ذلك، والمصلحة أنك ترجع من حيث جئت، ولا تطمع فيما ليس لك فيه مطمع» ، فأظهر له السلطان التبسم، ولم يقابله إلا باللين والرفق (5).
(1) ما بين الرقمين ساقط من س.
(2)
ما بين الحاصرتين عن ص.
(3)
كذا في الأصل، وفى (الروضتين ج 1، ص 237)، وهو في س:«عثمان» ، وصيغة الأصل هى الصحيحة، وقد ذكر صاحب الروضتين هذا الحادث وهذا الحديث نقلا عن ابن أبى طى.
(4)
س (63 ب): «إلى مملكتك» والأصل: «الذى ملكتك» ، وقد صححت بعد مراجعة الروضتين.
(5)
تكاد تجمع المراجع على أن صلاح الدين كظم غيظه عند سماعه حديث ينال القاسى، وأنه قابله بالرفق واللين، إلا أن صاحب مرآة الزمان (ص 328) يذكر أن صلاح الدين غضب عند سماع هذا الحديث وقال لينال:«والله لولا أنك رسول لضربت عنقك، والله ما جئت إلى هاهنا شرها ولا طمعا في الدنيا، وفى مصر كفاية، وما جئت إلا لأستقذ هذا الصبى من يد مثلك وأمثالك، فأنتم سبب زوال دولته، ثم طرده بغير جواب، فعاد إلى حلب» .