الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: " يا مولانا ما هو قبيج بمثلك - وأنت أعظم السلاطين وأكبرهم شأنا - أن يسمع الناس عنك أنك صالحت الفرنج، وتركت الغزو ومصالح المملكة، وأعرضت عنى كل ما فيه صلاح لك ولرعيتك وللمسلمين عامة، وجمعت العساكر من أطراف البلاد البعيدة والقريبة، وسرت وخسرت أنت وعسكرك الأموال العظيمة، لأجل [قحبة] (1) مغنية، ما يكون عذرك عند الله تعالى ثم عند الخليفة وملوك الإسلام والعالم؟ وأحسب أحدا ما يواجهك بهذا، أما تعلمون أن الأمر هكذا؟ وأحسب أن قلج أرسلان مات، وهذه ابنته قد أرسلتنى إليك تستجير بك وتسألك (2) أن تنصفها من زوجها، فإن فعلت فهو الظن بك، وإن لم تفعل فلا تقوى أمر هذه المغنية؛ أفيحسن بك أن تردها؟ ".
فقال: " والله إن الحق بيدك، والأمر لكما تقول، ولكن هذا الرجل دخل علّى وتمسك بى، ويقبح على تركه، ولكن أنت اجتمع به، وأصلحوا الحال بينكم على ما [223] تحبون، وأنا أعينك عليه، وأقبّح فعله عنده ".
ووعد من نفسه بكل جميل.
فاجتمع الرسول بصاحب الحصن، وتردد القول بينهم، واستقر أن صاحب الحصن يخرج المغنية منه بعد سنة، وإن كان لا يفعل فينزل السلطان عن نصرته، فاصطلحوا على ذلك، وعاد السلطان، فلما انقضت السنة أخرج نور الدين المغنية عنه، فتوجهت إلى بغداد [وأقامت بها إلى أن ماتت](3)
ذكر غزو السلطان الملك الناصر بلاد الأرمن
وفى هذه السنة - أعنى سنة ست وسبعين وخمسمائة - دخل السلطان بلاد الأرمن لقمع ملكهم ابن لاون، لأنه كان استمال قوما من التركمان حتى يرعوا
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن الأصل (ابن الأثير).
(2)
بعد هذا اللفظ في س سقط يسيرو به تنقطع الصلة بين النسختين مرة أخرى.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة عن الأصل المنقول عنه وهو (ابن الأثير، ج 11، ص 176).
في بلاده، وأمّنهم، ثم غدر بهم وأسرهم، فدخل السلطان بلادهم، وأوغل بها، فخاف ابن لاون، وأحرق السلطان قلعة شامخة حصينة تعرف بالمناقير (1)، وبادر المسلمون إلى إخراج ما فيها من الغلات والآلات، وتقووا بها، وتمموا هدمها إلى الأساس، فخضع ابن لاون وذل، ودخل تحت طاعة السلطان، وأطلق ما بيده من الأسارى، ورجع السلطان مؤيدا مظفرا منصورا، ووصل إلى حماة في أواخر جمادى الآخرة.
ومدحه جمال الدين أبو غالب محمد بن سلطان بن الخطاب (2) المقرىء بقصيدة منها:
لقد جمّل الله منك الورى
…
بأوفى مليك وفّى هجان
تهشّ إلى نغمات السيو
…
ف في الهام، لا نغمات القيان
أزرت (3) ابن لاون لأواءه،
…
فأضحى به خبرا عن عيان
ودان من الذلّ لا يرعوى،
…
حذارا من الراعقات اللدان
فلا قدم عنده للثبا
…
ت، وليس له بسطاكم يدان
وأخلى (4) إليكم مناقيره، (5)
…
وغادر للهدم تلك المبانى
وأرسل بالأسراء العنا
…
ة يسأل إطلاقه، فهو (6) عانى
(1) الأصل: «بالما يغير» ، والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 16).
(2)
لم أعثر له على ترجمة فيما بين يدى من مراجع.
(3)
الأصل: «أرمت» ، وما هنا صيغة (الروضتين، ج 2، ص 16).
(4)
الأصل: «أخلا» .
(5)
الأصل: «لهيبتك الما يغير» ، والتصحيح عن الروضتين.
(6)
الأصل: «وهو» وما هنا عن الروضتين.
[224]
رتقت بعزمك والمكرما
…
ت فتوقا من الأرتقى (1) الهجان
ورعت أبن سلجوق (2) في ملكه،
…
فقعقع من رعبه بالشنان (3)
وذكر القاضى بهاء الدين بن شداد رحمه الله أن دخول السلطان بلاد الأرمن كان لأن رسل قلج أرسلان بن مسعود - صاحب قونية وملطية - أتوه يلتمسون منه الموافقة، ويستغيثون من أبن لاون (4) الأرمنى، فدخل إلى بلاد الأرمن لنصرة قلج أرسلان عليه، [ونزل بقره حصار وأخذ عسكر](5) حلب في خدمته، لأنه كان اشترط ذلك عليهم في الصلح، فاجتمعوا على النهر الأزرق - بين بهسنا وحصن منصور - وعبر منه إلى النهر (6) الأسود، [و] طرق (7) بلاد أبن لاوون، وأخذ منهم حصنا وأخربه، فبذلوا له أسارى، والتمسوا منه الصلح، وعاد عنهم، ثم راسله قلج أرسلان في صلح الشرقيين بأسرهم، واستقر الصلح عاشر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وخمسمائة، ودخل في الصلح قلج أرسلان والمواصلة وأهل ديار بكر، وكان ذلك على نهر شيخة (8)، وهو نهر يرمى إلى الفرات.
ثم سار السلطان إلى دمشق.
(1) الأصل: «الارتقا» ، والتصحيح عن الروضتين.
(2)
الأصل: «سلجق» .
(3)
في الروضتين: «ففعفع من رعبه بالشنان» ، وفى الأصل هنا «بالسنان» ، وفى اللسان:«في المثل: فلان لا يقعقع له بالشنان أي لا يخدع ولا يروع» .
(4)
هو ليون الثانى صاحب أرمينية: (Leo II Roupenian Prince of Armenia)
أنظر: (RUNCIMAN : op .cit .vol .2. P. 430).
(5)
الأصل مضطرب غير مفهوم ونصه: «وترك معرى من عمل حلب» ، وقد صححت العبارة عن:(ابن شداد: السيرة اليوسفية، س 43) وهو الأصل المنقول عنه هنا.
(6)
الأصل: «الحصن الأسود» وقد صحح عن المرجع السابق. وقد عرف (ياقوت: معجم البلدان) نهر الأزرق بأنه نهر بالثغر بين بهسنا وحصن منصور في طرف بلاد الروم من جهة حلب؛ ثم قال: ونهر الأسود نهر قريب من الذى قبله في طرف بلاد مصيصة وطرسوس.
(7)
الأصل: «طرف» وقد عدلت وزيدت الواو ليستقيم بها المعنى.
(8)
كذا في الأصل، وفى (الروضتين، ج 2، ص 17) نقلا عن ابن شداد؛ وهو في الطبعة التي بين يدى من ابن شداد - وهى كثيرة الأخطاء -: «نهر سبخة سنخة» ، ولم أجد لهذا النهر ذكرا عند ياقوت لضبط اسمه.