الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إحراق منجنيقات العدو
ونصب العدو على البلد منجنيقات هائلة حاكمة على السور، وتواترت حجارتها حتى أثّرت فيه أثرا بينا وخيف على البلد، فأحرق بعض المسلمين سهمين من سهام الجرخ الكبير حتى صارا كالشعلة من النار، ثم رميا في المنجنيق الواحد فعلقا فيه واجتهد العدو في اطفائه فلم يقدر على ذلك [366] وهبت ريح شديدة، واشتعل اشتعالا عظيما واتصل لهبه بالآخر فاحترق، واشتدت ناراهما بحيث لم يقدر أحد أن يقرب مكانهما ليحتال في اطفائهما، فاشتد بذلك فرح المسلمين.
ذكر إحراق ما حوصر به برج الذبّان
وتحريق الكبش
ولما كان الثانى والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعنى سنة ست وثمانين وخمسمائة - قصد العدو محاصرة برج الذبان، وهو برج في وسط البحر مبنى على الصخر على باب ميناء عكا، يحرس منه الميناء، ومتى عبره المركب (1) أمن غائلة العدو، فأراد العدو أخذه ليبقى الميناء بحكمه، ويمتنع بذلك دخول شئ من البطش إلى عكا، فتنقطع الميرة عن البلد، فجهزوا بطشا متعددة، وجعلوا على صوارى البطش برجا، وملئ حطبا ونفطا، وقصدوا أن يسيروا البطش، فاذا قاربت البرج ولا صقته أحرقوا البرج الذى على الصارى، وألصقوه بالبرج ليلقوه على
(1) الأصل: " ومن غير المراكب "، وس " ومن عبر المراكب " والتصحيح عن (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 123) و (الروضتين، ج 2، ص 162).
سطحه، فيهلك كل من على البرج (1) من المقاتلة ويأخذونه، وجعلوا في البطشة وقودا كثيرا حتى يلقى في البرج إذا اشتعلت النار فيه.
وعينوا (2) بطشة ثانية وملؤوها حطبا ووقودا، على أنهم يدفعونها إلى أن تدخل بين البطش الإسلامية، ثم يحرقونها، فتلهب البطش الإسلامية، ويهلك ما فيها من المير.
وجعلوا في بطشة ثالثة مقاتلة تحت قبو بحيث لا يصل اليهم نشاب ولا شئ من آلات السلاح، حتى إذا أحرقوا ما أرادوا إحراقه دخلوا تحت ذلك القبو فأمنوا، وكان طمعهم مشتدا حيث كان الهوا مسعدا (3) لهم، فلما حرقوا البطشة التي أرادوا أن يحرقوا بها بطش المسلمين، والبرج الذى أرادوا أن يحرقوا به من على البرج، فأوقدوا النار وضربوا فيها النفط، وقدر الله انعكاس الهوا عليهم، فاشتعلت البطشة التي كان فيها البرج بأسرها، وهلك كل من كان بها من المقاتلة، واحترقت البطشة الأخرى التي أريد بها إحراق بطش المسلمين، ووثب المسلمون فأخذوها إليهم، وأما البطشة الثالثة التي بها القبو فاضطرب [367] من بها وخاف، ووقع بينهم اختلاف، فانقلبت بمن فيها وأغرقتهم، وأذلّ الله الكافرين، وأنزل بهم عقوبته.
ولما كان الثالث من شهر رمضان زحف العدو على البلد في خلق لا يحصى، فأهملهم أهل البلد حتى نشبت مخاليب أطماعهم فيهم، وسحبوا آلاتهم التي قدمنا ذكرها حتى قاربوا أن يلصقوها بالسور، وحصل منهم في الخندق جمع عظيم،
(1) النص في س: " فيهلك كل من على برج الذبان الذى قبالة البلد من المقاتلة ".
(2)
كذا في الأصل وس، وفى ابن شداد والروضتين:" وعبوا ".
(3)
الأصل: " مستعدا "، والتصحيح عن (ابن شداد، ص 124) و (الروضتين، ج 2، ص 163) وس (105 أ).
فأطلق أهل البلد عليهم الجروخ والمجانيق والنيران، وفتحوا الأبواب دفعة، وهجموا على العدو، وكبسوهم في الخنادق، فهربوا، ووقع السيف فيمن بقى على الخندق.
ثم هجموا على كبشهم فألقوا فيه النار والنفط، وتمكنوا من حريقه لهرب المقاتلة عنه، فاحترق حريقا شديدا، وارتفع لهبه إلى السماء، وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل، وسرت نار الكبش إلى السفود، فاحترق حريقا شنيعا، وعلّق المسلمون في الكبش كلاليب الحديد المصنوعة في الأسل (1) فسحبوها وهو يشتعل حتى حصل عندهم في البلد، وألقى عليه الماء حتى برد حديده، وكان وزن ما فيه من الحديد مائة قنطار بالشامى، ثم سيّروا رأسه إلى السلطان لينظره.
وفى السادس عشر من شهر رمضان وصل الخبر إلى السلطان بأن الابرنس - صاحب أنطاكية - أغار على بلاد حلب فخرج إليه نواب الملك الظاهر، فقتلوا من عسكره خمسة وسبعين نفرا، وأسر خلق كثير، فاعتصم بموضع يسمى شيج حتى اندفعوا، وسار إلى بلده.
وفى العشر الأوسط من الشهر، ألقت الريح بطشتين فيهما رجال ونساء وميرة عظيمة وغنم كثير قاصدين نحو العدو، فغنمها المسلمون، وكان العدو قد ظفر للمسلمين ببركوس (2) فيه نفقة ورجال أرادوا الدخول للبلد، فكان أخذ هاتين البطشتين جابرا.
(1) كذا في الأصل وفى (الروضتين، ج 2، ص 164)، وفى س و (ابن شداد):" السلاسل "
(2)
الأصل: " بتركوس "، وص:" سركوس " بدون نقط، والتصحيح ما ذكرناه، والبركوس - والجمع براكيس - نوع من السفن التي كانت تستعمل في الحروب بين الشرق والغرب في مياد البحر الأبيض المتوسط في العصور الوسطى، وهى أصغر حجما من البطسة، جأء في (ابن شداد: السيرة اليوسفية): " وقالوا للسلطان: نحن نخوض البحر في براكيس وبطس إلى العدو، فأذن لهم =