الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبيل إلى عسقلان، بالرجال والآلات والعدد، والعدد المتواصل المدد، ورتّب فيها ولده الأفضل عليّا (1) لحمايتها، وحفظ ولايتها، وقلّد ولده العزيز عثمان ولاية مصر ومملكة أقاليمها، لتهذيب أحوالها وتقويمها».
ولما نزل السلطان إلى الغور ودّعه القاضى الفاضل، وتوجّه إلى مصر، ثم تحوّل السلطان إلى صحراء بيسان، وأقام بها إلى مستهل ذى الحجة.
ذكر ظهور جماعة من الشيعة بمصر
وثار في هذه السنة في القاهرة إثنا (2) عشر رجلا من الشيعة ليلا، ونادوا:
«يآل على. يآل على» ، وسلكوا الدروب ينادون، ظنا منهم أن رعية البلد يلبون دعوتهم، ويخرجون معهم، فيعيدون دولة أهل القصر، ويخرجون من هو محبوس منهم، ويملكونه البلد، فلم يلتفت أحد [329] من الناس إليهم، ولا أعارهم سمعه، فلما رأوا ذلك تفرقوا خائفين.
وكوتب السلطان بذلك وهو على محاصرة صفد، وكان على بابه جماعة من وفود المصريين (3) فأهمه هذا الأمر وأزعجه، وتبرم بمن على بابه منهم، وقال:" إلى متى نتحمل منهم هذا؟ "، وهمّ بطردهم من بابه وردعهم، ودخل عليه القاضى الفاضل فأخبره بذلك، فقال:
" يجب عليك أن تشكر الله على هذه النعمة، فقد عرفت بهذا الأمر طاعة رعيتك، أليس لم يلب دعوتهم أحد وأنه لم يكن لهم من يمدهم؟ فطب بذلك نفسا (4)، وتحقق زيادة منزلتك عند الله تعالى ".
(1) الأصل: «عليها» ، والتصحيح عن المرجع السابق.
(2)
الأصل: " اثنى ".
(3)
الذى ذكره العماد (الروضتين، ج 2، ص 138) أن الوفد الذى كان بباب السلطان كان يتكون من جماعة من أولاد الوزراء المصريين والأمراء المقدمين.
(4)
بعد هذا اللفظ في س (85 ب): " وقر عينا " والنص هنا يتفق ونص العماد.
فقال له السلطان:
" [كان الملوك قبلى] (1) تخافهم الرعية وتهرب منهم، وتتوقع سطوتهم، ورعيتنا (2) قد تكاثروا علينا وأضجرونا وملونا، وإذا ركبنا ونزلنا تعاورونا بالقصص "(3).
فقال له القاضى القاضل:
" أنت أولى الناس بشكر هذه النعمة، كان بمصر بالأمس صاحب القصر وأشياعه، وخدمه وأتباعه، وأمراؤه وخواصه، وما منهم أحد إلا ويرتع الخلق في رياض إنعامه؛ وكان بالشام والبلاد الشرقية في كل بلد وال وصاحب، له على أهله نعم؛ وفى كل قطر ملك يلوذ أهل ذلك القطر به، وقد أصبحت اليوم سلطان الجميع، وقد ردّ الله سبحانه آمال الكل إليك، وجمع المتفرقين على بابك، فلا يجدون لهم - بعد الله - إلا جودك وكرمك ".
فأغرورقت عينا السلطان بالدموع، وشكر الله على إحسانه إليه، وآلى على نفسه ألا يرد قاصدا، ولا يخيب وافدا، فمثل هذا فليكن السلطان، ومثل القاضى الفاضل فليكن الوزير المشير - رحمهما الله وقدّس أرواحهما -
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن العماد (المرجع السابق)، وهى زيادة يقتضيها المعنى والسياق، والنص في س:" فقال له صلاح الدين: إن السلطان تخافه الرعية وتهرب منه. . . الخ ".
(2)
بعد هذا اللفظ في الأصل: " الذى لنا " وفى س: " بحنا قد تكاثروا "، والنص هنا مختصر عن العماد.
(3)
الأصل: " تعاودنا "، وس:" يعاودونا "، وما هنا عن العماد.