الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحصّن الفرنج بحصنها، فما زال بهم قاضى جبلة يخوفهم ويرغبهم حتى استنزلهم منها بشرط أن يأخذ منهم رهنا إلى أن يردوا من أنطاكية رهائن جبلة من المسلمين، فأخذ منهم جماعة من رؤوسهم ومقدميهم، فبقوا عنده حتى أعاد الابرنس صاحب أنطاكية الرهائن التي عنده، فحينئذ أطلقوا.
وكان تسلم جبلة يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى، وأقام السلطان عليها إلى الثالث والعشرين منه.
ذكر فتح بكسرائيل
وفى الجبل على سمت طريق حماة حصن حصين يعرف ببكسرائيل، وكان أهل الحصن استعادوه من الفرنج منذ سنين، فسلموه إلى السلطان، ونزلوا مقدمو الجبل إلى خدمته سامعين مطيعين.
ثم سلم السلطان جبلة إلى الأمير سابق الدين [عثمان] بن الداية - صاحب شيزر -، واحترم قاضى جبلة، وأحسن إليه وحبس عليه أملاكا، وصرّفه في أملاك آبائه، وحكّمه في القضاء وفوّضه إليه.
ذكر فتح اللاذقية
ثم رحل السلطان إلى اللاذقية يوم الأربعاء لسبع بقين من جمادى الأول، فبات بالقرب منها وصبّحها يوم الخميس، وقد امتنع الفرنج بقلاعها، وهى ثلاث متلاصقات على طول البلد، فاشتد القتال، وعظم الزحف إلى آخر النهار، فتسلم السلطان البلد دون القلاع، وغنم الناس منه غنيمة عظيمة، فإنه كان بلد التجار، وفرّق بين الناس الليل، وأصبح يوم الجمعة مقاتلا، وأخذ النقوب من شمال
القلاع، وتمكن منها النقب حتى بلغ طوله ستين (1) ذراعا، وعرضه أربعة أذرع، واشتد الزحف عليه، حتى صعد الناس الجبل، وقاربوا السور، وتواصل القتال [318] حتى صاروا يتحاذفون بالحجارة، فحينئذ استغاثوا بالأمان، فاستدعوا بقاضى جبلة، فدخل إليهم، وقرّر لهم قاعدة الأيمان، فأجيبوا إليه، وعادوا الناس عنهم إلى خيامهم وقد أخذ منهم التعب.
ولما كان صبيحة السبت دخل إليهم قاضى جبلة، واستقر الحال معهم على أن يطلقوا بنفوسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم، خلا الغلال والذخائر وآلات السلاح والدواب، وأطلق لهم دواب يركبونها إلى مأمنهم، ورفع العلم السلطانى على السور في يوم السبت؛ فأقام السلطان عليها يوم الأحد سابع عشر من جمادى الأولى.
ومن جملة كتاب كتبه السلطان إلى أخيه سيف الدين طغتكين بن أيوب - صاحب اليمن -:
" وهذه اللاذقية مدينة واسعة، وخطة جامعة، معاقلها لا ترام، وأعلاقها لا تستام، وهى أحسن بلاد الساحل وأحصنها، وأزيدها أعمالا وضياعا وأزينها، وما في البحر مثل ميناها، ولا للمراكب (2) الواردة إليها مثل مرساها، وهى جنة كان يسكنها أهل الجحيم، وطالما مكثت بالكفر دار بؤس فعادت بالإسلام دار نعيم ".
وكانت شوانى صقلية قد قابلت في البحر اللاذقية، طلبا (3) لا متناعها، فلما فتحت وقف السلطان على شاطئ البحر بعساكره، فطلب مقدم تلك الشوانى
(1) النص في (الروضتين، ج 2، ص 126): «عشرين ذراعا» .
(2)
الأصل: " المراكب "، والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج 2، ص 128).
(3)
النص عند العماد (المرجع السابق): " طمعا في امتناعها ".