الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الوقعة بتل السلطان
ووصلت من مصر العساكر [187] إلى السلطان الملك الناصر، فسار بهم متوجها إلى حلب، فوصل حماة، ثم رحل منها إلى مرج أبو قبيس، وجاء الخبر أن الحلبيين والمواصلة في عشرين ألف فارس سوى سوادهم، وأنهم موعودون من الفرنج بالنجدة، وأمدادهم متواصلة، ولم يكن اجتمع من عسكر السلطان سوى ستة آلاف فارس، فرتّب السلطان عسكره، وأطلق الحلبيون من في الأسر من ملوك الفرنج، منهم: أرناط (1) برنس صاحب الكرك، وجوسلين (2) خال الملك؛ وقرروا معهم المساعدة لهم، ورحل سيف الدين بالعساكر إلى تل السلطان.
وبلغ السلطان الملك الناصر الخبر وقد عيّد عيد الفطر، فعبر العاصى عند شيزر، ورتّب العسكر، وأعاد الأثقال إلى حماة، ثم سار حتى أتى قرون حماة، فبلغ الحلبيين أنه قد قارب عسكرهم، فأخرجوا اليزك (3)، ووجهوا من يكشف الأخبار، فوجدوه قد وصل جريدة إلى جباب (4) التركمان، وتفرق عسكره لسقى خيله، ولو أراد الله نصرتهم لقصدوه في تلك الساعة، لكن صبروا عليه
(1) هكذا ترسمه المراجع العربية وهو (Le Prince Arnauld Seigneur de Carac)
وكان اسمه قبل مجيثه إلى الشام: (Renaud de Chatillon) .
(2)
س: " وابن جوسلين بن خال الملك " وما هنا يتفق ونص العماد (الروضتين، ج 1، ص 255).
وهو (Goscelin III of Courtenay،titular Count of Edessa) جوسلين الثالث من كورتينى الأمير الأسمى للزها، وكان سجينا في حلب فأطلق سراحه كما بالمتن هنا.
أنظر أخباره في (RUNCIMEN : A History of the Crucades،Vol .2 pp .405 - 407 - 408 etc) .
(3)
اليزك لفظ فارسى معناه: طلائع الجيش. أنظر: (DOZY : Supp .Dict .Arab) .
(4)
كذا في الأصل وفى الروضتين. وفى (اللسان): الجباب الركايا تحفر ينصب فيها العنب أي يغرس فيها كما يحفر للفسيلة من النخل.
حتى سقى خيله هو وعسكره، واجتمعوا وتعبّوا للقتال، وذلك يوم الأربعاء التاسع من شوال من هذه السنة - أعنى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة -
ثم وصل السلطان إلى تل السلطان العصر، وقد تعب هو وعسكره وعطشوا، فألقوا نفوسهم إلى الأرض ليس بهم حركة، فأشار على سيف الدين جماعة من أصحابه بقتالهم على هذا الحال، فقال بزلفندار:
" ما بنا حاجة إلى قتال هذا الخارجى هذه الساعة، غدا بكرة نأخذهم كلهم " فتركوا القتال إلى الغد، فلما أصبحوا يوم الخميس اصطفوا للقتال، وكان في ميمنة (1) سيف الدين مظفر الدين كوكبورى بن زين الدين على كوجك - صاحب إربل -، فكسر ميسرة (2) السلطان، ثم حمل السلطان بنفسه فانكسروا بين يديه، فلم يقف منهم أحد على أحد، فأسر جماعة من أمرائهم الأكابر، منهم فخر الدين عبد المسيح، فمنّ عليهم وأطلقهم، واستولى السلطان على جميع مخيمهم وسرادق (3) سيف الدين غازى وابن أخيه عز الدين فرخشاه.
ثم ركض السلطان وراء سيف الدين فلم يدركه، فعاد وخلع على [بقية](4) الأمراء المأسورين، ومنّ عليهم، ونزل في السرادق [188] السيفى فتسلمه بخزائنه واصطبلاته، ومطابخه (5)، ففرقها جميعا، ورأى في السرادق طيورا من القمارى والبلابل والهزارات (6) والببغاء (7) في الأقفاص، فاستدعى السلطان
(1) الأصل: " ميسرة " والتصحيح عن: (ابن شداد: السيرة اليوسفية، ص 41).
(2)
س: " ميمنة " وما هنا يتفق ونص ابن شداد.
(3)
س: " وهرب سيف الدين غازى وابن أخيه عز الدين فرخشاه فاستولى السلطان على سرادقهم ".
(4)
ما بين الحاصرتين عن س (69 أ).
(5)
الأصل: " ومفاتحه "، وما هنا عن العماد (الروضتين، ج 1، ص 255).
(6)
الأصل: " والفرارات " والتصحيح عن س والعماد.
(7)
ما بين الحاصرتين عن س (69 أ - ب).
مظفر [الدين](1) الأقرع، - وهو أحد ندماء سيف الدين - (2)، فقال له:
" خذ هذه الأقفاص، واذهب بها إلى سيف الدين، وسلم عليه عنا، وقل له: عد إلى اللعب بهذه الطيور، فهى أسلم لك عاقبة من الحرب ". (3)
ووصل سيف الدين ومن معه [ركضا](4) إلى حلب، وترك بها أخاه عز الدين مسعود في جمع من العسكر وعاد إلى الموصل وهو لا يصدق بالنجاة؛ [وكانت هذه الكسرة من الله تعالى بغير حرب ولا قتال]، (4) ولم يقتل في هذا المصاف مع كثرته إلا رجل واحد.
ولما وصل سيف الدين الموصل استشار وزيره جلال الدين، ومجاهد الدين قايماز، في مفارقة الموصل والاعتصام بقلعة عقر الحميدية، فقال له مجاهد الدين:
" أرأيت إن ملكت الموصل عليك أتقدر أن تمتنع ببعض أبراج الفصيل؟ " فقال: " لا "، فقال:" برج في الفصيل خير من العقر ".
وما زال الملوك منهزمين، ويعاودوا في الحرب، واتفق هو والوزير على شد أزره، وتقوية قلبه [فأقام مكانه، ووصل إليه أخوه عز الدين بمن اجتمع إليه من العسكر المنهزم، وتراجعت بقية العساكر إلى الموصل، والحلبيون إلى بلادهم](4) وغلّط ابن الأثير في تاريخه ما ذكره عماد الدين في البرق [الشامى]: وهو أن عسكر سيف الدين في هذه الوقعة كان عشرين ألف فارس.
وقال: " عسكر الملك الناصر صلاح الدين لم يكونوا يزيدون على ستة آلاف فارس ".
(1) ما بين الحاصرتين عن س (69 أ).
(2)
س: " ومن أخذ بدمام سيف الدين ".
(3)
أضاف ابن أبى طى (الروضتين ج 1، ص 255) قوله: " ووجد السلطان عسكر الموصل كالحانة من كثرة الخمور والبرابط والعيدان والجنوك والمغنيين والمغنيات. . واشتهر أنه كان مع سيف الدين أكثر من مائة مغنية، وأن السلطان أرى ذلك لعساكره واستعاذ من هذه البلية ".
(4)
ما بين الحاصرتين عن س (69 أ - ب).
قال [ابن الأثير]: " إنى وقفت على جريدة العرض وترتيب العسكر في المصاف ميمنة وميسرة وقلبا وجاليشية (1) وغير ذلك، وكان المتولى لذلك والكاتب له أخى مجد الدين أبى السعادات المبارك، قال: " وانما قصد عماد الدين في تاريخه تعظيم صاحبه، وأنه هزم بستة آلاف عشرين ألفا، والحق أحق أن يتبع ".
ولما كسر السلطان الملك الناصر المواصلة والحلبيين هنأه عماد الدين بقصيدة منها:
فالحمد لله الذى إفضاله
…
حلو الجنا، عالى السّنا، وضّاحه
عاد العدوّ بظلمة من ظلمه
…
في ليل ويل قد خبا مصباحه
وجنا عليه جهله بوقوعه
…
في قبضة البازى، فهيض (2) جناحه
[189]
حمل السلاح إلى القتال، ومادرى
…
أنّ الذى يجنى عليه سلاحه
أضحى يريد مواصليه صدوده،
…
وغدا يحيد رثاءه مدّاحه
إن أفسد الدين العداة (3) بحنثهم، (4)
…
فالناصر الملك الصلاح صلاحه
قد كان عزمك للإله مصمما
…
فيهم، فلاح كما رأيت فلاحه
فكأننى بالساحل الأقصى، وقد
…
ساحت ببحر (5) دم الفرنجة ساحه
(1) س (69 ب): " وجناحين " وما هنا يتفق ونص (ابن الأثير: الكامل، ج 1، ص 162)، والجاليش أصلا معناها الراية العظيمة في رأسها خصلة من الشعر، ثم أطلقت على مقدمة القلب في الجيش أو على الطليعة منه. أنظر تعليقات الدكتور زيادة في (السلوك، 1، ص 628 ج و 692).
(2)
في الأصل: " مهيض "، وما هنا عن الروضتين، وفى س:" فقص ".
(3)
كذا في الأصل وفى س؛ وفى الروضتين: " الغلاة "؛ وفى (العماد: الخريدة، قسم شعراء مصر، ج 1، ص 18): " العصاة ".
(4)
الأصل: " بخبثهم "، والتصحيح عن الخريدة والروضتين.
(5)
الأصل: " بحر " وما هنا رواية الخريدة، والقصيدة في الخريدة كثيرة الأبيات، فراجعها هناك.