الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن عجيب الاتفاق أن هذه ست قلاع ومدن فتحت في ست جمع، وهى علامة قبول دعاء خطباء المسلمين وسعادة السلطان، حيث يسّر الفتوح في اليوم الذى تضاعف فيه الحسنات، ولم يتفق مثل هذا في تاريخ؛ وهى:
جبلة، واللاذقية، وصهيون، وبكاس، والشغر، وسرمانية.
ثم أنعم السلطان بالشغر وبكاس على الأمير غرس الدين قلج، وكان هذا قلج قد تسلم كفرديين - وهو معقل حصن الأرمن -، وكان هذا أميرا جليل القدر، وخلّف أولادا أكابر ثلاثة، وهم: شمس الدين، وسيف الدين، وعماد الدين؛ وكان شمس الدين أكبرهم، وله ميل إلى الفضيلة، وكذلك أخوه.
ثم أخذ منهم الملك الظاهر بعد موت السلطان الحصون، وأقطعهم أخبازا كثيرة بحلب، ثم فارق سيف الدين وأخوه عماد الدين حلب، وذلك بعد وفاة الملك الظاهر ووفاة أخيهما شمس الدين، وخدما الملك الكامل بن الملك العادل، ثم تقلبت بهما الأحوال، فقتل عماد الدين بالشرق، وأما سيف الدين فخدم الملك الناصر داوود بن الملك المعظم عيسى، فأقطعه عجلون، ثم سلمها بعد ذلك سيف الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، وتوفى سيف الدين بدمشق، وكانت له مشاركة في علوم وفضيلة وثاقب رأى عند ملوك بنى أيوب.
ذكر فتح حصن برزية
ثم سار السلطان جريدة إلى حصن برزية، وهو في غاية المنعة والقوة على سن جبل شاهق يضرب به المثل في جميع بلاد الفرنج والمسلمين، تحيط به أودية من سائر جوانبه، وذرع علو القلعة فكان خمسمائة ذراع ونيفا وسبعين ذراعا، ثم جرد عزمه على حصاره بعد رؤيته، فاستدعى الثقل، ونزل تحت جبل الحصن، ولما كان بكرة يوم الأحد لخمس بقين من جمادى الآخرة صعد السلطان جريدة مع
المقاتلة [322] والمنجنيقات (1) وآلات الحصار إلى الجبل، وأحدق بالقلعة من سائر جوانبها، وضرب أسوارها بالمنجنيقات المتواترة ليلا ونهارا.
ولما كان يوم الثلاثاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة رتّب السلطان العسكر ثلاثة أقسام، ورتّب كل قسم يقاتل شطرا [من النهار، ثم يستريح ويتسلم القتال الشطر الأخر](2) بحيث لا يفتر القتال أصلا.
وكانت النوبة الأولى لعماد الدين زنكى - صاحب سنجار - فقاتل قتالا شديد حتى استوفى نوبته وكلّ أصحابه.
ثم تسلم النوبة الثانية السلطان بنفسه وخواصه، وكان الزمان حرا شديدا، فاشتد الكرب على الناس، والسلطان في سلاحه يطوف عليهم ويحرضهم، وابن أخيه الملك المظفر كذلك، فقاتلوهم إلى قريب الظهر، ثم تعبوا ورجعوا، فلما رآهم السلطان قد عادوا تقدم اليهم وبيده جماق (3) فردّهم، وصاح في القسم الثالث وهم ينتظرون نوبتهم، فوثبوا ملبين، وساعدوا إخوانهم وزحفوا، فجاء الفرنج ما لا قبل لهم به.
وكان أصحاب عماد الدين قد استراحوا، فقاموا حينئذ، وتناصرت أنصار الله، واشتد الأمر، وبلغت القلوب الحناجر، فاشتد تعب الفرنج ونصبهم، وظهر عجزهم وضعفهم عن حمل السلاح، وخالطوهم المسلمون، فعاد الفرنج يدخلون الحصن، فدخل المسلمون معهم، وكانت طائفة قليلة في الخيام شرقى الحصن، فرأوا الفرنج قد أهملوا ذلك المكان، فصعدوا إلى الحصن من تلك الجهة، فلم يمنعهم مانع، والتقوا مع المسلمين الداخلين والتقوا مع الفرنج، فملكوا الحصن
(1) راجع (مفرج الكروب، ج 1، ص 180، هامش 2).
(2)
أضيف ما بين الحاصرتين عن المرجع الذى ينقل عنه المؤلف هنا، وهو ابن شداد، راجع أيضا:(الروضتين، ج 2، ص 131)، وهى إضافة ضرورية يستقيم بها المعنى.
(3)
جماق أو جوماق نوع من السلاح يشبه الدبوس، عرفه (Dozy : Supp .Dict .Arab) بأنه (Une arme semblable a une massue) أي أنه نوع من السلاح يشبه القضيب أو الدبوس.