الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8)
نسخة سجل أصدره صلاح الدين بعيد وفاة العاضد وانتهاء الدولة الفاطمية بإسقاط المكوس في مصر قرئ على المنبر بالقاهرة يوم الجمعة ثالث صفر سنة 567 هـ
عن: (أبو شامة: الروضتين، ج 1، ص 205) " أما بعد، فإنا نحمد الله سبحانه على ما مكّن لنا في الأرض، وحسّنه عندنا من أداء كل نافلة وفرض، ونصبنا له من إزالة النّصب عن عباده، واختارنا له من الجهاد في الله حقّ جهاده، وزهدنا فيه من قناع الدنيا القليل، وألهمنا من محاسبة أنفسنا على النقير والفتيل، وأولانا من سجاحة السماحة، فيوما نهب ما اشتملت عليه الدواوين، ويوما نقطع ما سقاه النيل، فالبشائر في أيامنا تترى، شفعا ووترا، والمسارّ كنظام الجوهر تتبع الواحدة منها الأخرى، والمسامحات قد ملأت المسامع والمطامع، وأسخطت الخيمة والصنايع، وأرضت المنبر والجامع.
ولما تقلدنا أمور الرعية، رأينا المكوس الديوانية بمصر والقاهرة أولى ما نقلناها من أن تكون لنا في الدنيا إلى أن تكون لنا في الآخرة، وأن نتجرد منها لنلبس أثواب الأجر الفاخرة، ونطهر منها مكاسبنا، ونصون عنها مطالبنا، ونكفى الرعية ضرهم الذى يتوجه إليهم، ونضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ونعيدها اليوم كأمس الذاهب، ونضعها فلا ترفعها من بعد يد حاسب، ولا قلم كاتب، فاستخرنا الله وعجلنا إليه ليرضى، ورأينا فرصة أجر لا تغض عليها بصائر الأبصار ولا يغضى، وخرج أمرنا بكتب هذا المنشور بمسامحة أهل القاهره ومصر، وجميع التجار المترددين إليهما وإلى ساحل المقسم والمنية بأبواب المكوس صادرها وواردها، فيرد التاجر ويسفر، ويغيب
عن ماله ويحضر، ويقارض ويتجر، برا وبحر، مركبا وظهرا، سرا وجهرا، لا يحل ما شدّه، ولا يحاول ما عنده، ولا يكشف ما ستره، ولا يسأل عما أورده وأصدره، ولا يستوقف في طريقه ولا يشرق بريقه، ولا يؤخذ منه طعمه، ولا يستباح له حرمه.
والذى اشتملت عليه المسامحة في السنة من العين: مائة ألف دينار مسامحة، لا يشوبها تأويل، ولا يتخوّنها تحويل، ولا يعتريها زوال، ولا يعتورها انتقال، دائمة بدوام الكلمة، قائمة ما قام دين القيّمة، من عارضها ردّت أحكامه، ومن ناقضها نقض زمامه، ومن أزالها زلت قدمه، ومن أحالها حلّ دمه، ومن تعقبها خلّدت اللعنة فيه وفى عقبه، ومن احتاط لدنياه فيها أحاط به الجحيم الذى هو من حطبه.
فمن قرأه أو قرئ عليه من كافة ولاة الأمر، من صاحب سيف وقلم، ومشارف أو ناظر، فليمتثل ما مثل من الأمر، وليمضه على ممر الدهر، مرضيا لربه، ممضيا لما أمر به ".