الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر منازلة الفرنج حماة ورحيلهم عنها
ووصل في هذه السنة - أعنى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة - كند كبير من الفرنج إلى الساحل يقال له " اقلندس "، من أكبر طواغيتهم، فاجتمع إليه خلق من الفرنج، وحشدوا، ونازلوا حماة في العشرين من جمادى الأولى، وصاحبها يومئذ شهاب الدين محمود بن تكش الحارمى خال السلطان، وهو مريض، وكان الأمير سيف الدين على بن [أحمد](1) المشطوب بالقرب من حماة، فدخلها، وقاتل الفرنج، ومنعهم من البلد بعد أن كادوا يهجمونه، وأخرجوا من الدروب، ونصر الله أهل الإسلام؛ ثم رحلوا عن البلد، وكان مدة حصارهم له أربعة أيام.
ذكر منازلة الفرنج حارم
ثم ساروا إلى حارم، ونازلوا حصنها، وأقاموا على حصرها مدة أربعة أشهر، ولما سمع السلطان رحمه الله بنزول الفرنج على حارم، عزم على التوجه إلى البلاد الشامية، ليدفع عنها العدو، واستناب بالديار المصرية أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب.
ذكر مسير السلطان رحمه الله إلى الشام
ثم رحل السلطان من البركة (2) بعساكره، ووصل إلى دمشق لست بقين من شوال من هذه السنة - أعنى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة - وتخلّف
(1) ما بين الحاصرتين عن العماد (الروضتين، ج 1، ص 275).
(2)
راجع ما فات هنا في هذا الجزء، ص 18، هامش 8
القاضى الفاضل بمصر بنية الحج في السنة القابلة، ووصل منه كتاب إلى السلطان يذكر فيه:
" أن العدو - خذله الله - نهض ووصل إلى صدر؛ وقاتل القلعة [202] ولم يتم له أمر، وصرف الله شره، وكفى أمره؛ ووصل من الفرنج مستأمن وذكر أنهم يريدون الغارة على فاقوس، فاستقلوا أنفسهم وعرجوا ".
وذكر:
" أنهم مضوا بنيّة تجديد الحشد، ومعاودة القصد "
وفيه:
" فصل: وأما نوبة العدو في الرملة فقد كانت عثرة، علينا ظاهرها، وعلى العدو باطنها، ولزمنا ما نسى من اسمها، ولزمهم ما بقى من عزمها، لا دليل أدل على القوة من (1) المسير بعد شهرين من تاريخ وقعتها إلى الشام، نخوض بلاد الفرنج بالقوافل الثقيلة والحشود الكثيرة، والحريم المستور، والمال العظيم الموفور "
وولد للسلطان ولد بعد سفره، [هو] الملك الزاهر مجير الدين [أبو سليمان](2) داوود، وهو أخو الملك الظاهر غياث الدين غازى لأبيه وأمه؛ فورد كتاب القاضى [الفاضل](2) إلى السلطان بتهنئته، و [به] يقول:
" إنه ولد لسبع بقين من ذى القعدة، وهذا الولد المبارك هو الموفى لاثنى عشر ولدا، بل لاثنى عشر نجما متوقدا، فقد زاد الله في أنجمه عن أنجم يوسف عليه السلام نجما ورآهم المولى يقظة، ورأى تلك الأنجم حلما، ورآهم
(1) الأصل: " من القوة على المسير " والتصحيح عن (الروضتين، ج 1، ص 276).
(2)
ما بين الحاصرتين عن المرجع السابق.
ساجدين له، ورأينا الخلق له سجودا، وهو قادر [سبحانه](1) أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا "
وورد منه أيضا كتاب (2) في السنة يقول فيه:
" فصل: للمولى أولاد وقد صاروا رجالا، ويجب أن تستجد (3) للرجال قلاعا كما جعل للسابقين (4) أعمارا وأعمالا، وقيل: القلاع أنوف، من حلّها شمخ بها ما في الرجال على النساء أمين "
ثم ذكر في الكتاب أبياتا تتضمن السلام على الملك العزيز عماد الدين عثمان ولد السلطان - وكان توجه إلى الشام صحبة أبيه [وهى]:
مملوك مولانا، ومملوك ابنه،
…
وأخيه، وابن أخيه، والجيران
طى الكتاب إليه منه إجابة
…
لسلام مولانا ابنه عثمان
والله قد ذكر السلام، وأنه
…
يجزى بأحسن منه في القرآن
وغريبة قد جئت فيها أولا،
…
ومن اقتفاها كان بعدى (5) الثانى
[203]
فرسولى السلطان في إرسالها،
…
والناس رسلهم إلى السلطان
(1) ما بين الحاصرتين عن المرجع السابق.
(2)
ذكر في (الروضتين، ج 1، ص 277) أن تاريخ هذا الخطاب منتصف ذى الحجة سنة 573 هـ.
(3)
الأصل: " نستجد " والتصحيح عن نفس المرجع.
(4)
كذا في الأصل، وفى المرجع السابق:" كما فعل السابقون أعمارا وأعمالا ".
(5)
الأصل: " بعد "، والتصحيح عن نفس المرجع.
[ووردت من الفاضل كتب من بعض فصولها](1):
" فصل: أما سور القاهرة فعلى ما أمر به المولى، شرع فيه وظهر العمل، وطلع البنا، وسلكت به الطريق المؤدية إلى الساحل بالمقسم (2)، والله يعمر المولى إلى أن يراه نطاقا مستديرا على البلدين، وسورا (3) بل سوارا يكون به الإسلام محلّى (4) اليدين، مجلّى (5) الضدين، والأمير بهاء الدين قراقوش ملازم الاستحثاث بنفسه ورجاله، لازم لما يعنيه بخلاف أمثاله، قليل التثقيل مع حمله لأعباء التدبير وأثقاله.
" فصل: في معنى نقل القضاء عن شرف الدين بن أبى عصرون [لما ذهب بصره](6) إلى ولده محى الدين: لن يخلو الأمر عن قسمين، والله يختار للمولى خيرة الأقسام، ولا ينسى له هذا التخرج الذى لا يبلغه ملك من ملوك الإسلام: إما إبقاء الأمر باسم الوالد بحيث يبقى رأيه ومشورته وفتياه وبركته (7)، ويتولى ولده النيابة، ويشترط عليه (8) المجازاة لأول زلة، وترك الإقالة لأقل عثرة، فطالما بعث حب المنافسة الراجحة على اكتساب الأخلاف
(1) أضيف ما بين الحاصرتين عن (الروضتين، ج 2، ص 2) وإضافته ضرورية إذ بدون هذه الجملة يفهم أن الفصول التالية هى من نفس الخطاب السابق، والذى يفهم من الروضتين أن الخطاب الأول الخاص بأولاد السلطان أرسل في ذى الحجة سنة 573 هـ، وأن الحديث عن السور وغيره فصول من خطاب آخر أرسله الفاضل في أوائل سنة 574 هـ.
(2)
انظر ما فات ص 52، هامش 2
(3)
أنظر ما فات هنا، ص 52 - 53
(4)
الأصل: " محلا ".
(5)
الأصل: " مجلا "، والروضتين:" محلأ ".
(6)
الزيادة عن: (الروضتين، ج 2، ص 2) وعن هذا الموضوع أنظر ما فات هنا ص 49 - 51
(7)
الأصل: " ويزكيه "، والتصحيح عن الروضتين.
(8)
في الروضتين: " عليهما ".
الصالحة؛ وإما أن يفوّض الأمر إلى الإمام قطب الدين، فهو بقية المشايخ وصدر الأصحاب، ولا يجوز أن يتقدم عليه في بلد إلا من هو أرفع طبقة في العلم منه.
[ومنها في إقامة عذر التأخر عن الجهاد](1)
فصل: وأما تأسف المولى على أوقات تنقضى عاطلة من الفريضة التي خرج من بيته لأجلها، وتجدد العوائق التي لا يوصل إلى آخر حبلها، فللمولى نية رشده، أو ليس الله بعالم بعبده، وهو سبحانه لا يسأل الفاعل عن تمام فعله، لأنه غير مقدور له، ولكن عن النية لأنها محل تكليف الطاعة، وعن مقدور صاحبها من الفعل بحسب الاستطاعة، وإذا كان المولى [آخذا](2) في أسباب الجهاد، وتنظيف (3) الطرق إلى المراد، وهو في طاعة قد منّ (4) الله عليه بطول أمدها، وهو منه على أمل في نجح موعدها، والثواب على قدر [204] مشقته، وإنما عظم الحج لأجل جهده وبعد شقته، ولو أن المولى فتح الفتوح العظام في أول (5) الأيام، وفصل القضية بين أهل الشرك وأهل الإسلام، لكانت تكاليف الجهاد قد قضيت، وصحائف البر المكتسبة بالمرابطة والانتظار قد طويت ".
[ومنها في ذكر أولاد السلطان](6):
(1) ما بين الحاصرتين زيادة عن: (الروضتين، ج 2، ص 2) زيدت للإيضاح.
(2)
هذه الكلمة ساقطة من الأصل، وقد أضيفت عن:(الروضتين، ج 2، ص 3).
(3)
الأصل: «وتتطرق» والتصحيح عن نفس المرجع.
(4)
الأصل " يسر " والتصحيح عن نفس المرجع.
(5)
في لروضتين: " أقل ".
(6)
ما بين الحاصرتين عن الروضتين، زيدت للايضاح.
" فصل: وقبل الإجابة عن الفصول، فنبشر بما جرت العادة به - لا قطع الله تلك العادة - من سلامة وصحة وعافية شملت موالينا أولاده السادة - أطاب (1) الله الخبر إليهم عن المولى وإلى المولى عنهم، وعجّل لقاه لهم ولقاهم له، فإنه من يلق منهم [بل](2) كل منهم ملك دسته برجه، وفارس مهده سرجه، فهم بحمد الله بهجة الدنيا وزينتها، وريحان الحياة وزهرتها، وإن فؤادا وسع فراقهم لواسع، وإن قلبا قنع بأخبارهم لقانع، وإن طرفا نام عن البعد عنهم لهاجع، وإن ملكا ملك تصبره (3) عنهم لحازم، وإن نعمة الله فيهم لنعمة بها العيش ناعم؛ أما يشتاق جيد المولى أن يتطوّق بدورهم؟ أما تظمأ عينه إلى أن تتروى بنظرهم؟ أما يحنّ قلبه إلى قلبه؟ أما يلتقط هذا الطير الطائر بتقبيلهم ما خرج منهم من حبه؟ وللمولى أبقاه الله أن يقول:
وما مثل هذا الشوق يحمل بعضه
…
ولكن قلبى في الهوى بقلوب "
[وفى أخرى](4):
" وكل من الموالى السادة، الأمراء الأولاد والقادة، (5) كلهم جوهر، وكلهم المقدم، وليس فيهم بحمد الله من يؤخر على ما عوّد الله من صحة وسلامة وكفاية ووقاية، ولزوم المستقل منهم لمشهد الكتّاب، ولموقف الآماج، ومخايل الخفر منهم من تحت ليل الصبى أنور دلالة من ضوء السراج، والله تعالى يمد في عمر المولى إلى أن يرى من ظهورهم ما رأى جدّهم رحمه الله في أهل بيته
(1) الأصل: «أطال» والتصحيح عن الروضتين.
(2)
ما بين الحاصرتين عن الروضتين.
(3)
الأصل: «صبره» ، وما هنا عن الروضتين.
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة عن: (الروضتين، ج 2، ص 3)، ومنها يفهم أن النص التالى قطعة عن رسالة أخرى غير السابقة.
(5)
الأصل: «والقلادة كلها» والتصحيح عن نفس المرجع.
من البطن الرابع فوارس الحرب الرائعة، وملوك الإسلام التي منهم للإسلام أكاسرة وتبابعة، وصغيرهم ما فيهم عند العلا صغير، [205] وصغار أبناء الكبار كبار، نجوم الأرض، وذرية بعضها من بعض، والخلف الصالح المحض، وهم في الدنيا والآخرة فرسان القوة والتقى يوم الحرب ويوم العرض ".
" فصل: في ذكر وخم دمشق: عرف المملوك من الكتب الواصلة التياث جسم المولى الأمير عثمان، والحقير (1) مما ينال ذلك الجسم الكريم يوقد (1) في قلوب الأولياء الأمر العظيم، وقليل قذاة العين غير قليل، وماذا تقول في بلد لو صحت الحمية من مائه لكانت من أكبر أسباب صحة المحتمى وشفائه، فإنه ماء يؤكل وبقية المياه تشرب، ويجد وخامته من ينصف ولا يتعصب ".
" فصل: وأما المأمور به في معنى المنكرات الظاهرة وإزالة أسبابها، وغلق أبوابها، وتحصين كل مبتوتة (2) من عصمه، وتطهير كل موسومة بوصمة، فالله يثيب مولانا ثواب من غضب [ليرضيه بغضبه] (3)، وحمل الخلق على منهاج شرعه وأدبه ".
ودخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة: ففى العشر الأول من ربيع الآخرة منها أغارت طائفة من الفرنج على بلد حماة، وكان الأمير شهاب الدين محمد بن تكش الحارمى صاحبها قد توفى في حادى عشر جمادى الآخرة من السنة الماضية، وتوفى ولده تكش بن أخت السلطان قبله بثلاثة أيام، فخرج إليهم مقدم عسكر السلطان بحماة الامير ناصر الدين منكورس بن ناصح الدين خمار تكين - صاحب أبو قبيس - فأسر مقدميهم، وقتل بقيتهم، وجاء إلى خدمة السلطان وهو
(1) الأصل: «وألحقه» و «فوقع» ، والتصحيح عن الروضتين.
(2)
الأصل: «مبثوقة» ، والتصحيح عن الروضتين.
(3)
الأصل: «له صفة تعصمه» ، ولا يستقيم بها المعنى، وما بين الحاصرتين عن الروضتين.
بظاهر حمص - والأسرى معه - فأمر السلطان بضرب أعناقهم وأن يتولى ذلك من بحضرته من أصحابه، فتقدم إمامه ضياء الدين الطبرى وضرب عنق بعضهم، وفعل كذلك الشيخ سليمان المغربى (1)، والأمير ايطغان بن ياروق؛ ثم استدعى عماد الدين الكاتب وأمره أن يضرب عنق بعضهم، فلم يفعل، وطلب أن يمّلكه السلطان صغيرا منهم فعوّض عنه.
ذكرى عصيان شمس الدين بن المقدّم ببعلبك وما [آل](2) إليه أمره
كان السلطان لما فتح بعلبك سلمها إلى الأمير شمس الدين [206] بن المقدّم؛ ففى هذه السنة طلبها من السلطان أخوه الملك شمس الدولة توران شاه، لأنها مرباه ومنشؤه، فإنها كانت بيد والده نجم الدين - على ما ذكرنا -، فكان الملك المعظم يختار سكناها ويحبها، فلم يمكن السلطان مخالفته، فأمر شمس الدين بالنزول عنها ويعطيه عنها عوضا يرتضيه، فلم يجب إلى ذلك، وذكّره العهود التي له، وما اعتمده معه من تسليم البلاد إليه، فلم يصغ إليه، ولجّ في أخذها، فامتنع ابن المقدم بها وعصى، فرحل السلطان على طريق (3) الزراعة إلى بعلبك ونازلها محاصرا من غير قتال، فطال أمرها، ولم يسمح بها صاحبها، ودخل فصل الشتاء، فرحل السلطان عنها إلى دمشق في العشر الآخر من رجب من هذه السنة، أعنى: - سنة أربع وسبعين وخمسمائة -
وتمادى الأمر إلى أن رضى شمس الدين بن المقدم ببارين وكفرطاب، وفى قرى من بلد المعرة، وسلم السلطان بعلبك إلى أخيه الملك المعظم.
(1) الأصل: " سلمان المعرى "، والتصحيح عن:(الروضتين. ج 2، ص 5).
(2)
أضفنا ما بين الحاصرتين ليستقيم المعنى.
(3)
الأصل: " الطريق "، وقد صححت بعد مراجعة الروضتين.