الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب عن هذا:
أن هذا الأثر موقوف على ابن عمر رضي الله عنه، مخالف لما هو مرفوع، فلا يقبل.
الدليل الثالث:
من النظر أن المسح بدل من الغسل، وإذا كان في الغسل يغسل أعلى القدم وأسفله، فكذلك المسح ينبغي أن يستوعب القدم أعلاه وأسفله.
قال ابن رشد في بداية المجتهد " وسبب اختلافهم تعارض الآثار الواردة في ذلك، وتشبيه المسح بالغسل، وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين:
أحدهما: حديث المغيرة بن شعبة، وفيه:" أنه مسح أعلى الخف وباطنه ".
والآخر: حديث علي: " لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ".
فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين، حمل حديث المغيرة على الاستحباب، وحديث علي على الوجوب، وهي طريقة حسنة، ومن ذهب مذهب الترجيح أخذ إما بحديث علي، وإما بحديث المغيرة، فمن رجح حديث المغيرة على حديث علي رجحه من قبل القياس، أعني: قياس المسح على الغسل، ومن رجح حديث علي، رجحه من قبل مخالفته للقياس ، أو من جهة السند
…
الخ كلامه رحمه الله.
قلت: وإذا كان الاكتفاء بالظاهر مخالفاً للقياس، كان من قال به لابد أنه اطلع على سنة في هذا؛ لأن مجرد القياس قد لا يدل عليه، ومن مسح الأعلى والأسفل اجتهد برأيه قياساً على الغسل، ولا شك أن الأول
أولى، على أن قولنا مخالف للقياس هذا بحسب الفهم القاصر، وإلا فلا يوجد في الشرع ما يخالف القياس الصحيح، فإن التخفيف بالمسح على وفق القياس.
وأنكر ابن حزم على المالكية كونهم يأمرون من ترك مسح أسفل الخف دون أعلاه، أن يعيد صلاته ما دام في الوقت.
قال ابن حزم: " إن كان قد أدى فرض طهارته وصلاته فلا معنى للإعادة، وإن كان لم يؤدها، فيلزمه عندهم أن يصلي أبداً "
(1)
. يعني في الوقت أو خارج الوقت. والحق ما قال ابن حزم.
وتكلف النووي في المجموع في تأويل حديث علي، ليوافق مذهب إمامه أن المجزئ في المسح أقل ما يصدق عليه أنه مسح.
قال النووي: " لو كان الدين بالرأي لكان ينبغي لمن أراد الاقتصار على أقل ما يجزئ أن يقتصر على أسفله، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر على أعلاه، ولم يقتصر على أسفله، فقوله عفى الله عنه: " لكان ينبغي لمن أراد الاقتصار على أقل ما يجزئ " هذا اللفظ من كيس النووي بلا ريب، وليست من اللفظ النبوي، ثم قال عفى الله عنه:
" فليس فيه نفي استحباب الاستيعاب، وهذا كما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، ولم يلزم منه نفي استحباب استيعاب الرأس، وإنما المقصود منه بيان أن الاستيعاب ليس بواجب ".
قلت: ظاهر كلام النووي رحمه الله أنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه
(1)
المحلى (1/ 344).
اكتفى بالمسح على الناصية، ولم يثبت هذا عنه، وليس هذا موضع بحثه، وحمل حديث المغيرة على الاستحباب حمل جيد لو كان الحديث صحيحاً؛ لأن الجمع أولى من الترجيح، لكن إذا ثبت أن حديث المغيرة ضعيف كما بينته، فلا داعي للجمع، فيبقى القول الأول هو الصحيح المتعين، والله أعلم.